الفساد أم المدرب الأجنبي-عنوان أزمة الكرة المغربية
١٤ فبراير ٢٠١٢اختتمت بطولة كأس إفريقيا ولم ينته معها الجدل الذي خلفه إقصاء المنتخب المغربي في الدور الأول من البطولة، بعد هزيمته أمام المنتخبين التونسي والغابوني. خروج مبكر شكل مفاجأة غير سارة للجمهور المغربي. وكان مدرب أسود الأطلس، البلجيكي إيريك غيريتس وعد بأن يعود الأسود بالكأس الإفريقية، وهو ما أحيا آمال الجماهير بأن تتكرر أمجاد المنتخب في نهائيات 2004 التي احتضنتها تونس، خاصة بعد النتائج الإيجابية التي حققها الأسود خلال تصفيات كأس القارة السمراء.
لكن شوارع بعض المدن عرفت مباشرة بعد إقصاء المنتخب المغربي مظاهرات احتجاجا على حصيلة المشاركة المغربية في كأس الأمم الإفريقية، وتطور الأمر في بعضها إلى أعمال شغب.
فيما نظم البرلمان المغربي يوما دراسيا لمناقشة وضعية كرة القدم في المغرب. بينما اختلفت مواقف المراقبين للمجال الرياضي المغربي حول أسباب إخفاقات الكرة المغربية والرياضة بصفة عامة، بين من يعتبر الأمر أزمة إدارة وبين من يحصر الأمر في "تراجع مؤقت" تمر به الرياضة المغربية.
المدرب الأجنبي مجرد عنوان للأزمة
وتتداول وسائل الإعلام المحلية في المغرب، كثيرا قصة المدرب البلجيكي غيريتس كما فعلت سابقا مع الفرنسي هنري ميشيل، كمؤشر على أن أزمة كرة القدم المغربية مردها إلى تركيز المسؤولين عن القطاع على انتداب مدربين أجانب، لكن منصف اليازغي، خبير رياضي، يربط بين إقصاء المنتخب المغربي وأزمة حقيقية تمر بها الرياضة المغربية بشكل عام، ويعزو المحلل الرياضي هذه الأزمة خلال حديثه لدي دبليو عربية إلى ضعف التكوين وهو ما يؤثر على الأداء "لأن التكوين الجيد على مستوى الأندية يضمن صعود لاعبين محترفين". ويشير اليازغي إلى أن "مشكلة التكوين لا يمكن إلا أن تعطينا منتخبا ضعيفا لأننا بدل أن نكون لاعبينا، نبحث عن لاعبين جاهزين محترفين في أندية أوروبية".
وإذا كان اليازغي يعتبر إخفاق المنتخب المغربي دليل على وجود أزمة حقيقية فإن حميد حميدوش مدرب ومحترف مغربي سابق، لا يعتقد بوجود أزمة وإنما تراجع على مستوى جميع الميادين الرياضية منذ مدة، "لقد تراجعنا ولا نعرف كيف نتوقف ونتجه نحو طريق جديد". التراجع حسب حميدوش الذي تحدث لدي دبليو عربية، سببه ضعف السياسة الرياضية المتبعة، فالمرحلة المقبلة مثلا "سندخلها دون إستراتيجية واضحة المعالم".
وكان البرلمان المغربي نظم يوما دراسيا لمناقشة أسباب فشل المنتخب المغربي في بلوغ ما كان يسوق له إعلاميا من طموحات في نهائيات كأس إفريقيا، واعتبر وزير الشباب والرياضة محمد أوزين خلال اللقاء أن الرياضة في المغرب تعاني من "علة في تدبيرها وحكامتها (حسن التدبير)" وأشار إلى أن الرياضة المغربية حققت عددا من الإنجازات ليس بفضل إستراتيجية معينة بل بفضل بعض المواهب فقط.
ميزانية ضخمة ونتائج متواضعة
وأضح أوزين أن وزارته قامت بتدقيق ومراقبة عامة للحسابات المالية الخاصة بكل الجامعات الرياضية، وخلصت النتائج إلى وجود ضعف ملحوظ على مستوى الحكامة والتكوين الرياضي، والتدبير الإداري والمالي". وأوضح الوزير أن "النتائج التي توصلت إليها المكاتب المتخصصة تظهر الاختلالات المذكورة ونقاط الضعف التي تفسر بشكل كبير مشاكل النجاعة في التدبير التي تعاني منها الجامعات الرياضية والتي تؤثر على مستوى الرياضة المغربية".
ويشار إلى أن الموازنات السنوية والاستثنائية المخصصة من طرف وزارة الشباب والرياضة لفائدة الجامعات الرياضية بلغت خلال سنة 2011 مبلغ211 مليون درهم (حوالي 21 مليون ومائة ألف يورو). وتتحدث وسائل الإعلام المغربية والصحف الرياضية المخصصة عن راتب غيريتس كنموذج لسوء التدبير في قطاع كرة القدم المغربية، وتفيد تقديرات الصحف المحلية بخصوص راتب غيريتس بأنه يتراوح ما بين 250 إلى 300 ألف دولار. لكن رئيس جامعة كرة القدم على الفاسي الفهري رفض الإعلان عن راتب غيريتس.
وتعتبر منظمات غير حكومية ناشطة في مجال مكافحة الفساد، عدم الكشف عن الراتب الحقيقي لمدرب المنتخب مؤشرا على غياب الشفافية في تسيير القطاع، وقد ذهبت بعض الصحف المحلية إلى حد توجيه اتهامات لمسؤولين كبار في قطاع كرة القدم بالفساد، ورفعت شعارات مناهضة لهم خلال مظاهرات نظمتها حركة 20 فبراير الشبابية، ضمن احتجاجات الربيع المغربي.
ويرى محللون أن نتائج كرة القدم المغربية لا تتلاءم مع النفقات "الضخمة" المخصصة لها، ويشير منصف اليازغي المحلل الرياضي في هذا السياق إلى مؤشر يتعلق بنسبة الممارسين في الجامعات الرياضية المغربية، حيث تبلغ 0.91 بالمائة من سكان المغرب، وهي نسبة "قليلة جدا" مقارنة مع فرنسا التي تبلغ النسبة فيها 17 بالمائة و تونس بـ 1.15 بالمائة.
وفي رده على الانتقادات اعتبر علي الفاسي الفهري رئيس جامعة كرة القدم المغربية أن حصيلة الأخيرة "لا بأس بها"، معتبرا أن هناك 14 لاعبا في المنتخب مازال أمامهم مستقبل زاهر من العطاء. وأشار الفهري إلى أن بعض المنتخبات الإفريقية القوية لم تتمكن حتى من التأهل إلى نهائيات الكأس القارية مثل مصر والكامرون وغيرها.
وبرأي المدرب حميدوش فإنه لا ينبغي اختزال أزمة كرة القدم في مسألة المدرب الأجنبي، أو راتب المدرب البلجيكي إيريك غيريتس، متسائلا "لماذا لا نرى هذا الامر سوى الآن؟" وأضاف "كان يجب منذ سنين إدراك أن المدربين الأجانب واللاعبين المحترفين في الخارج لا يعرفون الواقع المغربي مثل المغاربة". وبرأي حميدوش فإنه كان يتعين أن يتولى مدربان مغربيان مساعدة غيريتس في الإشراف على المنتخب، لأنه "ورغم خبرته فهو ليس لديه إلمام بالكرة الإفريقية والمغربية والبطولة المحلية".
على الفيسبوك، الزاكي عصا سحرية
وشهدت صفحات الفيسبوك بدورها نقاشات ساخنة حول وضع الكرة المغربية والبدائل المطروحة لتجاوز أزمتها، وخصصت صفحة على الموقع الاجتماعي للمطالبة بإقالة علي الفاسي الفهري رئيس الجامعة الرياضية ومدرب المنتخب ومحاسبة المسؤولين عن إخفاق أسود الأطلس. ونشر أعضاء الصفحة صورة لمن يعتبرونهم "المسؤولين عن إهانة المغاربة كرويا" وهم غيريتس ووزير الرياضة السابق منصف بلخياط وعلي الفاسي الفهري، بالإضافة إلى عباس الفاسي رئيس الحكومة المغربية السابق. وبالمقابل طالب آخرون بإعادة انتداب المدرب المغربي بادو الزاكي الذي عرض من جانبه خدماته لتدريب المنتخب بعد إقصائه محملا المسؤولية في ذلك للمدرب واللاعبين.
من جهته يؤكد المدرب المغربي حميدوش على ضرورة وضع مشروع شامل وليس حلولا ترقيعية مؤقتة لمعالجة أزمة كرة القدم المغربية، وهو ما يشاطره فيه منصف اليازغي الذي يعتقد أنه لا توجد في المغرب سياسة رياضية على المستوى البعيد بل فقط تدبير يومي للرياضة، ويضيف أن وزارة الشباب والرياضة منذ الاستقلال لم تعتمد خطة على المدى البعيد باستثناء ولايتي نوال المتوكل ومنصف بلخياط الذين شغلا سابقا منصب وزير الشباب والرياضة، متسائلا "هل سيواصل الوزير الجديد الأوراش(ملفات الاصلاح) الموجودة أصلا أم سيبدأ من الصفر؟ وهنا الإشكالية فكل واحد يقول إن الرياضة تبدأ معي".
سهام أشطو - الرباط
مراجعة: يوسف بوفيجلين