المشهد العراقي: احتفالات، تفجيرات، تظاهرات
٢٢ مارس ٢٠١٣المفارقة إننا نقدم تعزية للعراقيين للدماء التي سالت في تفجيرات هذا الأسبوع، وتعزية لوزارة العدل التي اقتحمهما المسلحون واحرقوا الطابق الخاص بملفات الإرهاب فيها ، وفي نفس الوقت نقدم تهنئة للكرد العراقيين بعيد نوروز، ولا ندري ما نقول للمتظاهرين المحتجين الغاضبين في الانبار والموصل، والبعض منهم يشيّع قتلة أعدمهم القضاء العراقي بعد إدانتهم بجرائم القتل الإرهابي، مطالبا بالثأر ممن حاكمهم، وأدانهم وأعدمهم.
المشهد هذا الأسبوع مرتبك وهذا ليس جديدا ، ولكن الدماء تسيل بغزارة وهذا يبعث الحزن والغضب، واخطر ما فيه أنه مشهد يجمع التناقضات، بمعنى أن كردستان محتفلة بعيد النوروز، وهذا حق قومي ولا عيب فيه ولا يحق لأحد الاعتراض عليه، وبغداد تسبح بدمها، وهذا هم استولى على قلوب الناس ليزيد خوفهم من المستقبل المجهول، فيما الانبار والموصل ما زالتا مشغولتان بهمهما وتشهدان تظاهرات واعتصامات واحتجاجات لا احد يعرف كيف ستنتهي، وهكذا فإن كل جزء من العراق له هم.
وبينما ينشغل العراق عن نفسه بهموم أقسامه، تهتم أجهزة الإعلام العربية والغربية ووكالات الأنباء منذ 4 أيام ببث أخبار وبرامج خاصة عن ذكرى مرور 10 سنوات على بدء عمليات تحرير العراق، وكل واحد يسميها بطريقته، فالبعض يقول غزو العراق، وغيرهم يقولون احتلال العراق، وغيرهم يتحدثون عن التحالف الأمريكي الإيراني لتدمير العراق، وآخرون يقولون الحرب على نظام صدام حسين ، الى آخر القائمة من اختلاف وجهات النظر حول تعريف التغيير الذي جرى عام 2003 في العراق .
"الجماعات الإرهابية تحاول اليوم إسقاط الدولة العراقية"
الإعلامي صفاء المنصور شارك في حوار العراق اليوم من DW عربية من مكتبه باربيل في كردستان العراق مشيرا إلى أن الهجمات الإرهابية التي طالت العراقيين في بغداد وبابل والموصل أرادت بث الذعر والفرقة بين العراقيين في هذا الظرف الحساس مشيرا إلى " أن الجماعات الإرهابية تحاول اليوم إسقاط الدولة العراقية ليكون لها موطئ قدم في هذه المنطقة المهمة، والضحية دائما هو الشعب".
ويتفق جميع المهتمين بشؤون الشرق الأوسط على أن ما يجري في سوريا بات يؤثر بشكل مباشر على ما يجري في العراق، وقد أضفى بعدا طائفيا على الحراك السياسي فيه، وهو ما ذهب إليه الإعلامي صفاء المنصور مشيرا بالقول" لا ننكر أن التظاهرات التي تجري في الانبار والموصل وصلاح الدين هي بيئة حاضنة للجماعات المتطرفة".
في هذا الظرف أنطلق في إقليم كردستان العراق مهرجان نوروز بنسخته السادسة بإيقاد شعلة العيد في مناطق متعددة من الإقليم، فاحتلت النيران قمم الجبال وسفوحها في منظر يذكّر المشاهد بأيام حزينة شهدها الإقليم في أوج حملات التصفية الإثنية التي مارسها نظام البعث في عمليات الانفال وحلبجة وغيرها ضد سكان الإقليم.
احتفالات الإقليم بالعام الجديد تزامنت مع موجة العنف التي ضربت مدن وسط وجنوب العراق، ومع استمرار التظاهرات في مناطق غرب العراق، وهو أمر لابد أن يستوقف مراقب المشهد، وقد علّق عليه الدبلوماسي السابق العراقي حامد الشريفي الكاتب السياسي الذي شارك في حوار العراق اليوم من DW عربية بالقول " إن الإقليم منفصل منذ عقدين من الزمن، وقد أرسلوا تعزية للحكومة بهذه الهجمات، ونحن هنا نهنئهم بهذا العيد".
"العراق 3 دويلات بثلاثة أعلام"
ويجمع العراقيون على أن هموم إقليم كردستان قد ابتعدت كثيرا عن هموم باقي مناطق العراق إلى درجة شاخصة واضحة ، ويلقي البعض باللائمة على رئيس الحكومة ، والى ذلك أشار حامد الشريفي، معتبرا أن رئيس الحكومة هو المسؤول عن التشرذم في المشهد العراقي، ومشيرا إلى أن فشله في الأداء مستمر منذ 7 سنوات ، ومؤكدا " حين يكون رئيس الحكومة فاشلا سينتج دولة فاشلة".
كل الشواهد تجمع اليوم على أن العراق أضحى بلدا مقسما ، وهو في ذلك يشترك مع بلدان الربيع العربي، تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن، التي لم تشهد استقرارا منذ سقوط الأنظمة السياسية الحاكمة فيها وتسير اغلبها قدما إلى التشرذم والتقسيم .
وفي هذا السياق، أشار الشريفي إلى أن رئيس الحكومة قد أشار حين قامت تظاهرات الانبار، إلى أن عدم إنهاء التظاهرات سيضع العراق أمام حلين" إما التقسيم أو الحرب الأهلية"، وتساءل الشريفي: " أليس التقسيم قائما ؟ عندنا ثلاث دويلات تختلف في الهموم عن بعضها، كل منها يمتلك علمه ، في الوسط والجنوب العلم الجديد، في الغرب العلم ذي النجوم الثلاثة، وفي كردستان علم كردستان ، وشعوب تختلف في الولاء. إذا ، هناك 3 دويلات ، لكن أحدا لا يعترف بها ".
سبب الفشل :" حكومة المحاصصة أم رئيس الحكومة؟"
منذ التغيير في عام 2003 يعيش العراق في ظل حكومة توافق وشراكة، صار يطلق عليها الوصف المهين ( حكومة المحاصصة) وهي تمثل كل ألوان الطيف العراقي سياسيا وطائفيا وعرقيا، لكن المشكلة التي واجهت الإدارة الأمريكية والتي تفاقمت بالانسحاب الأمريكي من العراق هي أن أحدا من النخب السياسية في العراق لا يرضى أن يكون في موقع المعارضة البرلمانية، والجميع يريدون حصة في الحكومة ( فيما بات يعرف بحصة من الكعكة!) . وفي هذا السياق ، عزا حامد الشريفي فشل المشروع الديمقراطي في العراق إلى فشل رئيس الحكومة معتبرا أن فشله ينسحب على كل البلد .
من جانبه، تطرق الإعلامي صفاء المنصور إلى ما قاله رئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني حين إيقاده لشعلة نوروز، وفي مجال توصيفه للخلاف مع حكومة المركز" المشكلة مع بغداد ليست إدارية، إنما هي مشكلة قومية وتاريخية ومشكلة حدود". وذهب المنصور إلى أن الخلاف بين المناطق السنية والمناطق الشيعية يقع اليوم- للأسف- تحت هذا الوصف بالقول" هناك خلاف جذري وحقيقي بين السنة وبين الشيعة في العراق، وحول تقسيم السلطة وحول بغداد العاصمة"، وينعكس هذا الخلاف على المواطن البسيط في شكل تفجيرات واغتيالات وعمليات إجرامية وإرهابية في بغداد على وجه الخصوص.
تباين بين السنة والشيعة، أم تعبئة انتخابية؟
وكشف المنصور عن تباين شاسع في وجهات النظر بين سكان العراق السنة وسكانه الشيعة، مشيرا إلى أن " طارق الهاشمي وعدنان الدليمي ورافع العيساوي على سبيل المثال، يعتبرون رموزا عند السنة، لكنهم في المناطق الجنوبية والوسطى في العراق يعدون إرهابيون خطرون ومجرمون تسعى السلطات إلى إلقاء القبض عليهم".
لكن الدبلوماسي العراقي السابق حامد الشريفي رفض هذا التفسير، مبينا أن النخب السياسية تصعّد الموقف الآن لأغراض انتخابية بحتة، ويدفع ثمن هذا التصعيد المواطن البسيط، " لكي يجبر في النهاية على الاحتماء بطائفته والتصويت لها، ليبقى الساسة على كراسيهم".
وفي معرض شرحه لاستهداف التفجيرات للمواطنين الأبرياء، أشار الشريفي إلى أن منفذي الهجمات لا يريدون أن يضروا الحكومة، بل أن الهجمات والتفجيرات في كل مكان في العالم، باكستان، لبنان ، الفلبين وغيرها ، تجري دائما في مناطق شعبية ، ويقصد منها تحشيد اكبر ما يمكن من الرأي العام إلى جانب المنفذين ولفت الأنظار إلى قضيتهم.