بناء المساجد في ألمانيا بين الحرية الدينية والصراعات الاجتماعية
يُعد تواجد المعابد والكنائس والمساجد في المدن الألمانية برهانا قويا على التعددية الدينية التي يشهدها المجتمع الألماني. أما الجالية المسلمة فهي أكبر طائفة بعد المسيحية، حيث أخذ ينمو عدد أفرادها بشكل ملحوظ منذ عام 1970حتى أصبح عددهم يقدر الآن بـ 3.7 مليون نسمة. ومن البديهي أن يقوم المهاجرون والألمان المسلمون بأداء طقوسهم الدينية في ألمانيا، التي يكفل دستورها حرية الأديان، لذلك فهم في أمس الحاجة لدور عبادة إسلامية. ومنذ بدء إقامتهم في ألمانيا يبحث المسلمون عن حقوقهم بعد أن أدركوا أن الدستور الألماني يضع في أولياته حماية الحرية الدينية. والمقصود بالحرية الدينية هنا ليس الحرية الدينية الشخصية فحسب، ولكن الحرية الدينية الجماعية أيضاً. ويحلم العديد من المسلمين في ألمانيا بأن تكون لهم دور عبادة تشبه في عمرانها تلك التي ألفوها في بلادهم بحيث تزود المساجد بقبب ومآذن، وأن يرتفع صوت المسلم بالأذان عبر سماعات تقوية الصوت. إلا أن الطلب الذي تقدمت به الجمعيات القائمة على إدارة المساجد لإدارات الحكم المحلي المختصة في ألمانيا يواجه صعوبات كثيرة قبل الموافقة عليه، إن لم يتم رفضه كلياً.
دور المساجد في ألمانيا
إضافة إلى دور المساجد العامرة بالصلوات وقراءة القرآن الكريم وبجانب أهميتها تجاه نشر الوعي والتثقيف الديني، تلعب المساجد في ألمانيا دوراً اجتماعياً بارزاً في حياة معظم المهاجرين المسلمين، حيث تعد مركزاً لتلاقيهم وتجمعهم. يقول محمود السيد، طالب مصري يدرس في جامعة إيسن- دويزبورغ: "المسجد في ألمانيا بالنسبة لي مكان للتعبد ومكان اجتماعي في نفس الوقت". أما محمد بن عزيز، أحد الطلاب المغاربة في جامعة بوخوم، فيقول: "عندما جئت إلى ألمانيا لم أكن أعرف أحداً. وكان المسجد أول مكان توجهت إليه، لأني كنت أعلم مسبقاً أنه من الممكن أن أجد شخصاً هناك يقوم بإمداد يد العون لي. ومن المسجد بدأت انطلاقتي في ألمانيا، حيث تلقيت هناك المساعدات الأولية للحصول على غرفة. ويبقى المسجد المكان الذي أذهب إليه ليس للتعبد فقط وإنما للقاء الأصدقاء ولمعرفة أخبار المسلمين والعرب في ألمانيا".
موضوع مثير للجدل
ولكن عندما تعلن إحدى المنظمات الإسلامية في ألمانيا عن خطة ما لبناء مسجد جديد ينقسم المجتمع الألماني عادة بين مؤيد ومعارض. ويمر اختلاف الآراء عبر قنوات متعددة، ويكون من سماته إما تقبل سلمي أو جدل حاد على مستوى الرأي العام أو رفض قاطع لفكرة بناء المسجد. وبجانب الجدل حول موضوع بناء دور العبادة الإسلامية يتم التطرق أيضاً إلى قضايا هامة لها علاقة بشئون المهاجرين في ألمانيا مثل إمكانية استقبال ألمانيا لمهاجرين جدد. كما يدور النقاش حول أهداف ومراحل عملية اندماج المهاجرين المسلمين في المجتمع الألماني، مع التنويه الى مسألة التطرف الديني ومشكلة العنصرية في ألمانيا. وغالباً ما تأخذ هذه القضايا الحساسة حيزاً أكبر في الحوار من تلك الذي يأخذه موضوع بناء المسجد. ولكن التطرق إليها يتم دائماً بصورة آلية.
أسباب الرفض
يعتبر تعدد أسباب رفض مجالس البلديات لمشاريع بناء المساجد من الأمور الملفتة للنظر. فالرافضون يدافعون عن قرارهم من خلال قائمة عريضة من التعليلات، مثل عدم توافر أماكن انتظار مخصصة لسيارات المصلين، ووجوب الحفاظ على المساحات الخضراء في المدينة، والخوف من تأثير البنايات ذات الطابع الشرقي على شكل المدينة. فضلاً عن اتهام بعض الجمعيات الإسلامية بعدم احترام الدستور الألماني. من المؤكد أنه من المستحيل تقريباً أن يعرف المرء أي هذه الأسباب صحيح و أيها مجرد افتراء. و لكن الملفت أيضاً للنظر أنه لا يوجد موظف واحد بإدارات الحكم المحلي الألمانية يعترض على الحرية الدينية للمسلمين. أما عند رفض طلب الموافقة على بناء المساجد يسمع المسلمون أحياناً عبارات على غرار "ليس في هذا الحي من فضلكم" أو "لا يمكن أن تكون مئذنة المسجد بهذا الحجم الضخم" أو "طلبكم مرفوض لأن الجيران سيشتكون من الضوضاء."
الخوف من التطرف
ولأن المساجد في مجتمع ديمقراطي مثل المجتمع الألماني يمكن أن تصبح فريسة سهلة للديماغوغيين والأصوليين، فإن بعض الألمان يصابون بقلق شديد عند سماع فكرة بناء مسجد ما. وهذا القلق ليس عبثاً، إذ أن بعض المنظمات الإسلامية في ألمانيا تحاول استغلال الدين لتحقيق أهداف سياسية. بالإضافة إلى أن هناك جماعات صنفت من قبل المكتب الاتحادي لحماية الدستور الألماني كجماعات متطرفة. ولكن المكتب يؤكد في نفس الوقت أن المتطرفين لا يتجاوزن نسبة واحد بالمائة من أصل 3،7 مليون مسلم. مما يرجح أن أغلبية المسلمين في ألمانيا تريد أن تحيى في سلام وأن تمارس الدين الإسلامي وشعائره بهدوء في دور عبادة مناسبة.
الذعر والهلع
يلاحظ انه كلما أصبحت المساجد ظاهرة للعيان وكلما زاد تدفق المصلين لايقام الصلاة في أوقاتها، وكلما إرتفع صوت المؤذن بالأذان، كلما زاد ارتباك الرأي العام الألماني تجاه المسلمين. فالأشكال الغريبة للمساجد إضافة إلى الأصوات الأجنبية تؤثر على البعض وكأنها تهديد للدولة المسيحية، لدرجة أن في بعض الضواحي يصاب بعض كبار السن الألمان بالذعر عند سماع الأذان، إذ يشعرون أنهم قد أصبحوا أقلية في بلدهم.
الاندماج واجب حتمي
لكي يتم القضاء على الصور الغير صحيحة للإسلام والمسلمين في ألمانيا، يجب على مسلمي ألمانيا أن يؤديوا واجبهم الحتمي لإنجاح "عملية الاندماج". والمقصود بالاندماج في هذا السياق هو دعم وجود وممارسة حياة سلمية مشتركة لجميع الأديان والطوائف في ألمانيا يسودها الاحترام والتسامح. كما يجب علي جميع المسلمين الاعتراف بالدستور الألماني الذي ينظم ويحمي الحريات والديمقراطية في جمهورية ألمانيا الاتحادية. كما يجب على المسلمين الحاصلين على الجنسية الألمانية أن لا يعتبروا تجنسهم وسيلة لحمايتهم من الإبعاد لبلدانهم عند ممارستهم لأعمال مخلة بالقوانين الألمانية، وإنما أن يفهموا أن حيازة الجنسية الألمانية مرتبطة بواجبات هامة منها احترام الدستور والابتعاد عن التطرف وكل ما يضر بمصالح الدولة الألمانية. لكن القضاء على الصور العدائية تجاه الإسلام لا يقع على عاتق المسلمين فحسب، بل أنه على عاتق الألمان أيضا وخصوصاً الهيئات المسيحية التي يفترض أن تعمل كل ما بوسعها من أجل تعزيز الحوار مع المهاجرين المسلمين والعمل من أجل تصحيح صورتهم في المجتمع، مع تأكيد إمكانية التعايش السلمي مع الدين الإسلامي. ومن الطبيعي أن ينعكس ذلك على تسهيل عملية إنشاء المساجد في ألمانيا.
تقرير: علاء الدين سرحان