تونس.. مشاركة ضعيفة واتهامات لسعيّد بخرق الصمت الانتخابي
٢٥ يوليو ٢٠٢٢أغلقت مراكز الاقتراع في تونس للاستفتاء على دستور جديد، يمنح صلاحيات واسعة للرئيس قيس سعيّد وقد يعيد البلاد إلى نظام سلطوي شبيه بذاك الذي كان قائمًا قبل العام 2011، أبوابها في تمام الساعة العاشرة مساء بالتوقيت المحلي اليوم الاثنين (25 تموز/يوليو 2022).
وكان أكثر من 11 ألف مركز اقتراع قد فتح أبوابه أمام المواطنين منذ السادسة صباحًا بالتوقيت المحلي.
ويؤكد الرئيس التونسي أن الاستفتاء سينهي الأزمة السياسية الناجمة عن سيطرته على كل السلطات في البلاد قبل عام.
مشاركة ضعيفة و"92% يوافقون على الدستور"
وبلغت نسبة المشاركة حتى الساعة السابعة مساء بالتوقيت المحلي حوالي 21,85%، على ما أفادت هيئة الانتخابات مع إدلاء نحو مليوني ناخب بأصواتهم داخل تونس. بيد أن التلفزيون الرسمي أعلن أن نسبة المشاركة وصلت إلى 25% بعد إغلاق مراكز الاقتراع أبوابها، وهو ما لم تؤكده هيئة الانتخابات حتى ساعة إعداد هذا التقرير.
كما أظهر استطلاع نشره التلفزيون الرسمي أن الناخبين في الاستفتاء التونسي، أي ممن شاركوا في التصويت على الاستفاء، وافقوا بنسبة 92.3 بالمئة على الدستور الجديد.
"سعيّد يخرق الصمت الانتخابي"
وكان الرئيس التونسي أدلى بصوته في مركز اقتراع في حي النصر بالعاصمة تونس وقال في تصريحات: "اليوم الشعب التونسي مطالب بأن يحسم هذا الأمر وهو حرّ في التصويت". وتابع "نؤسس معا جمهورية جديدة تقوم على الحريّة الحقيقية والعدل الحقيقي والكرامة الوطنية". وأضاف "على الشعب التونسي أن يكون في الموعد والتاريخ... نحن اليوم أمام خيار تاريخي في بناء جمهورية جديدة".
واعتبر سعيّد أن الاستفتاء سيكون مرحلة مهمة و"سنبدأ تاريخا جديدا"، مهاجمًا معارضيه الذين قال إنهم "يوزعون الأموال" لكي "لا يصوت التونسيون ويعبروا عن ارادتهم"، ومؤكدا "لن نترك تونس فريسة لمن يتربص بها في الداخل والخارج".
واعتبرت منظمات تراقب عملية الاستفتاء تصريحات سعيّد بأنها "خرق للصمت الانتخابي" كما وصفها حزب النهضة المعارض لسعيّد "بمؤشّر إضافي على صورية الاستفتاء".
بينما أكد رئيس هيئة الانتخابات فاروق بوعسكر في مؤتمر صحافي أن الهيئة تنتظر ملفات وتقارير حول جميع الاشكاليات وستنظر فيها الثلاثاء و"ستتعامل معها وفقا للقانون".
ومن المرتقب أن يتم الاعلان عن النتائج الأولية مساء الثلاثاء، على ما أفاد الناطق الرسمي باسم هيئة الانتخابات محمد التليلي المنصري وكالة فرانس برس.
وبحسب هيئة الانتخابات، تسجّل 9,296,064 ناخبًا للمشاركة في الاستفتاء الذي ترفضه معظم الأحزاب السياسية وينتقده الناشطون الحقوقيون. وبدأ المغتربون البالغ عددهم 356,291 الإدلاء بأصواتهم السبت ولديهم حتى الاثنين للاقتراع.
وتشكل نسبة المشاركة الرهان الأبرز في هذا الاستفتاء. ويُتوقع أن يحظى الدستور الجديد بقبول شعبي، بينما دعت المعارضة بجزئها الأكبر إلى المقاطعة.
"نظام رئاسي" يدفن "نظاما برلمانيا"؟
ويثير مشروع الدستور الجديد مخاوف لدى الخبراء بتأسيسه لنظام رئاسي بامتياز يتعارض كليا مع النظام البرلماني الذي جاء به دستور ما بعد ثورة 2011 التي اعتُبرت المثال الناجح في المنطقة لما أُطلِقت عليه تسمية "الربيع العربي".
مرحلة الاستفتاء "هي الثانية ضمن مخطط تم اقراره" من قبل الرئيس بعدما قام "بتعليق ثم حلّ المؤسسات الجمهورية بما فيها البرلمان"، بالإضافة إلى تغيير قانون منظم للمجلس الأعلى للقضاء وهيئة الانتخابات.
وينصّ الدستور الجديد على أن يتولى الرئيس السلطة التنفيذية بمساعدة رئيس حكومة يعيّنه ويمكن أن يقيله إن شاء، بدون أن يكون للبرلمان دور في ذلك. كذلك يملك الرئيس، القائد الأعلى للقوات المسلحة، صلاحيات ضبط السياسة العامة للدولة ويحدد اختياراتها الأساسية، ولمشاريعه القانونية "أولوية النظر" من قبل نواب البرلمان.
فضلا عن ذلك، انقسمت الوظيفة التشريعية بين "مجلس نواب الشعب" الذي ينتخب نوابه باقتراع مباشر لمدة خمس سنوات و"المجلس الوطني للجهات" ويضم ممثلين منتخبين عن كل منطقة على أن يصدر لاحقا قانون يحدد مهامه.
وتندّد المعارضة والمنظمات غير الحكومية بالنصّ الجديد معتبرةً أنه "مفصّل على قياس" سعيّد ويحصر السلطات بأيدي الرئيس الذي لا يمكن إقالته بموجب الدستور الجديد، خلافًا لما جاء في دستور العام 2014. في المقابل يُمنح للرئيس الحق في حل البرلمان والمجلس الوطني للجهات.
ودعا حزب النهضة ذو المرجعية الإسلامية وأبرز المعارضين للرئيس، إلى مقاطعة الاستفتاء واعتباره "مسارا غير قانوني"، بينما ترك الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر النقابات العمالية، حرية القرار لأنصاره.
يمارس الرئيس التونسي منذ عام الحكم بشكل منفرد ويقود البلاد إلى "جمهورية جديدة" في مسار تعتبره المعارضة "انقلابا".
ويعتبر سعيّد (64 عامًا) مشروع الدستور الجديد امتدادًا لعملية "تصحيح المسار". وقد بدأها بقرارات لم تكن متوقعة في 25 تمّوز/يونيو 2021 باحتكار السلطات في البلاد وإقالة رئيس الحكومة السابق وتجميد أعمال البرلمان ليحله بالكامل لاحقا. ومن المقرر أن تُنظم انتخابات نيابية في كانون الأول/ديسمبر.
ويقول مدير منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "اللجنة الدولية للحقوقيين" سعيد بنعربية لفرانس برس إن الدستور الجديد "يمنح تقريبا كل السلطات للرئيس ويحذف كل الأنظمة والمؤسسات التي من شأنها أن تراقبه".
تحديات اقتصادية واجتماعية في الانتظار
وأمام الرئيس وضع اقتصادي واجتماعي متأزم في البلاد ومهمّة شاقة لإيجاد الحلول لذلك، خصوصا بعد ارتفاع نسبة البطالة والتضخم وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين التي زادت الأزمة الروسية الأوكرانية من تراجعها.
والثلاثاء، أعلن صندوق النقد الدولي أنّ بعثة من خبرائه اختتمت زيارة إلى تونس في إطار التفاوض على برنامج مساعدات، مشيراً إلى أنّ المحادثات بين الجانبين حقّقت "تقدماً جيّداً". وتتمحور المفاوضات بين تونس وصندوق النقد على برنامج الإصلاحات الذي تقترحه الحكومة برئاسة نجلاء بودن. ويشترط الصندوق أن يترافق القرض مع تنفيذ إصلاحات جذرية.
ويقدّر خبراء أن يبلغ حجم القرض حوالى ملياري يورو.
خ.س/أ.ح (أ ف ب، د ب أ)