خبراء غربيون وعرب: الثورات في العالم العربي مسار لم يكتمل بعد
٢٥ مارس ٢٠١١رسم خبراء غربيون وعرب خارطة للتحديات التي تواجهها دول المنطقة ومنها تلك التي تحققت فيها ثورات، وتبدأ من المشاكل الاجتماعية والأمنية خلال المرحلة الانتقالية بعد الثورة، وصولا إلى تحديات استراتيجية ذات طابع إقليمي ودولي. واقترح الخبراء في حوارات مع دويتشه فيله، تصورات وبدائل لكيفية عبور المرحلة الحالية وتحقيق الأهداف التي قامت من أجلها ثورات شعوب المنطقة.
وفي كلمته التقديمية لندوة حول الآفاق المستقبلية في بلدان شمال افريقيا والشرق الأوسط بعد ثورتي تونس ومصر، التي عقدها الأسبوع الماضي منتدى ابن رشد المغاربي الأوروبي في تونس، قال رئيس المنتدى كمال بن يونس، إن من أهم الأسئلة التي تطرح على النخب والسياسيين وعلى الشباب الذي صنع الثورة في تونس ماذا بعد سقوط بن علي؟ هل انهار النظام الاستبدادي المرتشي فعلا أم أن رئيس النظام ورمز الاستبداد والفساد فقط سقط بينما ظلت مؤسسات الدكتاتورية والفساد قائمة؟. ولاحظ بن يونس ان طرح هذه التساؤلات منذ اليوم الاول للثورة اكتسى أهمية خاصة لأن الحركة الاحتجاجية كانت دون قيادة موحدة ولا برنامج سياسي واقتصادي و بديل واضح .وأضاف أنه بعد مرحلة إسقاط النظام أصبح التحدي الأكبر يكمن في مدى قدرة الطبقة السياسية الجديدة على البناء وعلى بلورة بدائل للنظام المنهار؟
ومن جهته رأى جيمس لاروكو مدير مركز الدراسات الإستراتيجية حول الشرق الأوسط والشرق الأوسط وجنوب آسيا، بواشنطن، أن العواصم الغربية تهتم كثيرا بفهم الإتجاه الذي تسير نحوه الدول التي تحققت فيها الثورة (مصر وتونس)أو دول أخرى في الطريق مثل ليبيا أواليمن، وعن المضمون الذي تريد أن تعطيه هذه الدول للحرية فيها. معتبرا أن الإجابة عن هذه المسألة ضرورية بالنسبة للأميركيين لأنهم "يريدون أن يضبطوا ساعتهم على التطورات التي تشهدها المنطقة، وإعادة صياغة إستراتيجيتهم وسياساتهم وفق معطياتها الجديدة".
صعوبات المرحلة الإنتقالية
وبرأي جيمس لاروكو، الذي عمل سفيرا للولايات المتحدة الأميركية لسنوات عديدة في منطقة الشرق الأوسط، فإن دول المنطقة التي تحققت فيها الثورة، قد انتقلت من مرحلة التحرر إلى حالة الحرية، ويعني ذلك أن الثورة على الظلم والفساد التي أدت إلى إسقاط أنظمة استبدادية، ينبغي أن يعقبه الآن تحديد واضح لملامح مرحلة الحرية التي تريدها شعوب المنطقة، وذلك من خلال مضمون ملموس على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وأضاف إن مضمون الحرية بالنسبة لفئات الشباب يعني فرص عمل وتطلعات متصاعدة في حياة أفضل وإقامة نظام اقتصادي واجتماعي عادل يقطع مع الفساد. ونظام سياسي يتيح حرية اختيار الحكام ومحاسبتهم وتمكين المواطن من المشاركة في اتخاذ القرار.
وردا على هذه التساؤلات، قال بن يونس أن تونس، إثر سقوط بن علي، طرحت أمامها ثلاثة سيناريوهات، سيناريو أول يتحقق في ظله احترام الدستور وتحقيق إصلاحات في ظل توافق وطني بين القوى الأساسية في البلاد، وتمديد فترة الحكومة الإنتقالية والرئيس المؤقت إلى حين تنظيم انتخاب مجلس تأسيسي ووضع دستور جديد تنبثق عنه مؤسسات جديدة. وسيناريو الانقلاب على الدستور ودفع البلاد نحو سلسلة من المظاهرات والاعتصامات والإضرابات والتحركات الاحتجاجية والاجتماعية والسياسية بهدف "الاستبعاد النهائي لكل رموز حزب التجمع الدستوري الديمقراطي الذي حكم تونس في العقدين الماضيين وعزل كل كوادر الدولة المنتمين اليه". وسيناريو ثالث يعتمد على خارطة طريق تكون نتيجة توافق وطني تشارك فيه مختلف القوى السياسية لكن دون إحداث قطيعة تامة مع المرحلة السابقة. ولاحظ بن يونس أن المسار السياسي الذي تنتهجه تونس حاليا تتداخل فيه السيناريوهات الثلاثة وخاصة الأول والثاني.
ومن خلال رصدها لتطور الحياة السياسية في مصربعد الثورة، قالت اليونورا انسلاكو، منسقة برامج مؤسسة آنا ليند للحوار الثقافي الأوروبي المتوسطي، في الاسكندرية، "هناك حماس كبير للتغيير في مصر ولإقامة مجتمع تعددي وديمقراطي"، لكن الخبيرة الاوروبية لاحظت بعض التحديات بشأن الحوار الثقافي في الباودي أو في المدن بشأن قضايا مثل المرأة ودور الدين، وهو ما يقتضي برأيها العمل على "تطوير الممارسة الديمقراطية والمدنية".
وتعتقد الخبيرة الأوروبية فإن المجتمع المدني يمكن أن يشكل قاعدة صلبة لدعم تطور الديمقراطية والاستقرار كديناميكية داخلية في مجتمعات بلدان شمال افريقيا والشرق الأوسط، وأشارت إلى أن هذا الهدف جعل مؤسسة آنا ليند تعتمد استراتيجية تحالف بين هيئات المجتمع المدني الأوروبية والمتوسطية من أجل دعم الإصلاحات، عبر طرح قضايا محددة للحوار وبلورة تصورات مشتركة حول المستقبل، مثل قضايا المرأة والدين والأقليات.
الثورة لم تنته
ويعتقد الخبراء أن الثورة التي تحققت في تونس ومصر لم تنته في البلدين، كما أنها تتفاعل على المستوى الإقليمي، وتظهر الأزمة في ليبيا صعوبة هذه المرحلة نوعية التحديات التي تواجهها، ويعتقد لاروانس فيلت البروفيسور في معهد الدفاع الوطني في واشنطن، أن الثورات الجارية في المنطقة مسار لم يكتمل بعد، ولذلك يتعين فقط الحديث عن تحديات قصيرة المدى، لكنها تظل "تحديات ذات طابع استراتيجي". واعتبر الخبير الأميركي أن توفير العمل للمحتجين الذين أسقطوا النظام أمر ضروري رغم صعوبته، والتحدي الثاني يكمن في مساعدة الشعب الليبي على تجاوز معاناته وخصوصا عبر دعمه من الناحية الانسانية.
ومن جهته يعتقد الخبير الإقتصادي التونسي رضا شكوندالي، الباحث في جامعة تونس، أن الوضع الاقتصادي في تونس صعب جدا نتيجة الفساد الكبير الذي كان متفشيا فيه وارتفاع مؤشرات بطالة حاملي الشهادات الجامعية، حيث تناهز 35 في المائة في المناطق التي انطلقت منها الثورة مثل سيدي بوزيد مقابل 19 في المائة كمعدل عام للبطالة. وبرأيه فإن الاقتصاد التونسي عاجز في المدى القصيرعن تلبية مطالب الفئات الشابة وخصوصا حاملي الشهادات العليا، كما أن الأزمة الناتجة عن الحرب في ليبيا التي كان يعمل فيها أكثر من ربع مليون تونسي، تلقي بمخاطر كبيرة على الوضع في تونس بعد الثورة.
وأشار خبراء إلى قضية الهجرة وتدفق آلاف المهاجرين غير الشرعيين من تونس وليبيا نحو إيطاليا، ولاحظت الخبيرة الأوروبية اليونورا انسلاكو، أن ملف الهجرة يطرح تحديات في علاقات بلدان ضفتي البحر الأبيض المتوسط، ويوجد بشأنه تباين كبير في الآراء وتنظر له بعض الفئات في أوروبا باعتباره نوعا من " الغزو"، وأوضحت أن هذه النظرة تغذيها بعض المخاوف لدى فئات أوروبية على خلفية تراجع النمو الديمغرافي في الشمال قياسا لارتفاعه الكبير في الجنوب.
تحديات الأمن الإقليمي
وحول التحديات الأمنية والاستراتيجية التي تواجه دول المنطقة في مرحلة ما بعد الثورات، قال الخبير الأميركي إن "ثورة الشباب وشعوب المنطقة أظهرت أن تنظيم القاعدة هامشي وأن تهديداته للأنظمة القائمة لم تأخذ بها شعوب المنطقة التي اعتمدت أسلوبها السلمي في التغيير، ووحده القذافي بقي يتذرع بخطاب القاعدة للهروب من استحقاقات التغيير التي رفعها شعبه". لكن لاروكو لاحظ أن "المرحلة الانتقالية التي تجتازها دول المنطقة يمكن أن تتخللها محاولات بعض الأطراف حكومية أو غير حكومية لاختراقها وزرع عدم الاستقرار والفشل". وأضاف أن من بين التحديات ظهور قوى إسلامية متشددة تسعى لبسط نفوذها على الدولة والتأثير في العلاقات الإقليمية.
ويعتقد لاروكو ان بزوغ شرق أوسط جديد يتحقق في ظله الاستقرار الدائم للمنطقة يقتضي بالإضافة إلى ما تحققه الثورات من مناخ ديمقراطي وعدالة اجتماعية، وجود استراتيجية شاملة للأمن الاقليمي والسلام الدائم، مشيرا في هذا السياق إلى أن أهداف ومصالح الولايات المتحدة الأميركية لا تتغير في المنطقة وهي تقوم أساسا على الاستقرار الإقليمي وأمن أصدقائها وحلفائها، والانتصار على العنف والتطرف وتحقيق السلام بين إسرائيل وجيرانها العرب.
منصف السليمي – تونس
مراجعة: حسن زنيند