سيناء - جرح مصر المفتوح، من يتحمل المسؤولية؟
١٩ أبريل ٢٠١٧بعد عشرة أيام فقط من الهجومين الدمويين على كنيستين في مصر خلال احتفالات أحد السعف المسيحية، باتت مصر ضحية عمل إرهابي آخر، وهذه المرة في جنوب سيناء قرب دير سانت كاترين ذات الصيت العالمي. هذه المرة أيضا تبنى تنظيم داعش الهجوم الذي أسفر حتى الآن عن مقتل شرطي وإصابة ثلاثة آخرين.
العملية وإن لم توقع عددا كبيرا من القتلى إلا أن تبعاتها قد تكون كبيرة جدا. فمن جهة هناك مخاوف من أن يؤثر الهجوم على حركة السياحة في هذه المنطقة السياحية، في وقت تحاول فيه مصر إنعاش هذا القطاع الحيوي، ومن جهة أخرى يجدد الهجوم الانتقادات للأداء الأمني لمصر في هذه المنطقة الحساسة، حتى بعد فرض حالة الطوارئ في البلاد عقب الهجوم على الكنيستين. فما الذي ينبغي فعله لإرساء الأمن في سيناء؟ وهل يكفي التعامل مع المقاربة الأمنية فقط؟
"عملية إعلامية"
يعتبر الخبير الأمني العقيد خالد عكاشة أن هجوم داعش الأخير يعبر عن عملية "إعلامية تلفزيونية" أكثر منها هجوم إرهابي بالمعنى التقليدي، ويشرح ذلك في مقابلة مع DW عربية قائلا: "هي عملية صغيرة وغير مُكلفة للتنظيم لكنها خلفت دويا كبيرا في الإعلام، لأن الموقع المستهدف معروف عالميا ويزوره السياح بشكل كبير، وكان هذا هدف داعش من هذه العملية".
ويقع دير سانت كاترين جنوب سيناء في أسفل جبل كاترين الذي هو أعلى جبال مصر. ويقال إنه أقدم دير في العالم حيث يعتبر معلمة سياحية بارزة يرتادها زوار من مختلف أرجاء العالم. ويتبع دير سانت كاترين إداريا لمحافظة جنوب سيناء السياحية لكنه أقرب جغرافيا لوسط سيناء. وتشكل سيناء بشكل عام منطقة حساسة واستراتيجية في مصر بسبب موقعها بين افريقيا وآسيا، وكونها نقطة الاحتكاك مع إسرائيل، بالإضافة إلى أنها تشكل 7 بالمائة من مساحة مصر وهي أيضا إحدى ضفتي قناة السويس.
وعن تأثير هذا الهجوم على حركة السياحة في جنوب سيناء يقول الخبير الأمني عكاشة: "إن هذا الحادث قد يؤثر حقا على حركة السياحة وهو أمر متوقع. لكن في نفس الوقت لا ننسى أن تعاطي السواح مع مثل هذه الأخبار تغير حاليا، فقد أصبح هناك تقبل أكبر لأخبار العمليات الإرهابية باعتبار أن وقوعها أضحى ممكنا في أي مكان من العالم، ومن هذا المنطلق لا أتوقع أن يؤثر هذا الاعتداء بشكل كبير على عائدات السياحة".
لكن وليد الشيخ، وهو صحفي مصري مقيم في برلين، يرى النقيض في ذلك ويعتبر أن هذا الهجوم سيؤثر بشكل كبير على عائدات السياحة. ويضيف في حديث لDW عربية: "انتقال الإرهاب من شمال سيناء إلى وسطها وجنوبها أمر خطير وبالتأكيد سيؤثر ذلك على توافد السياح، خاصة بعد الخطوات التي تم اتخاذها بعد هجوم الكنيستين. فمن سيأتي أصلا إلى بلد يقول فيه الرئيس إن الوضع الامني سيء لدرجة أنه يجب فرض حالة الطوارئ؟".
وللعميد عكاشة رأي آخر فيما يتعلق بفرض حالة الطوارئ ويقول: "الوضع الأمني في شمال سيناء قبل فرض حالة الطوارئ ليس هو نفس الوضع بعد فرضها، وقد كان هناك حرص على أن لا تنتقل العمليات الإرهابية إلى وسط سيناء وجنوبها وإلى باقي مناطق البلاد، وفي هذا الإطار جاء قرار فرض حالة الطوارئ في مصر كلها".
هل فشل الجيش المصري؟
شهدت منطقة سيناء سلسلة من العمليات الإرهابية، حيث تنشط فيها تنظيمات إرهابية مختلفة تستفيد، بحسب مراقبين، من طبيعة المنطقة وانتشار الأسلحة فيها وعدم سيطرة الجيش المصري عليها بشكل كامل. هذه العمليات بدأت في أوائل سنة 2011 عقب أحداث ثورة 25 يناير. ورغم الحملات والعمليات الأمنية التي أطلقها الجيش المصري لمحاربة هذه التنظيمات، إلا أن نفوذها مازال كبيرا. وهذا ما يجر انتقادات على السياسة الأمنية في مصر، حيث يتهم البعض الجيش المصري بفشله في إرساء الأمن في سيناء حتى الآن. ويعتبر الصحفي وليد الشيخ أن ما يحدث من عمليات إرهابية فيعبر عن فشل ذريع لجهاز الأمن في مصر. ويوضح أن الإرهاب هو المسؤول الأول عن كل عملية إرهابية بالتأكيد، لكن توفير الأمن هو من مسؤولية السلطة قبل كل شيء. "عندما نرى فيديوهات داعش التي تظهر فيها عمليات قنص لعناصر من الجيش، يتضح أن مقاتلي داعش لا يملكون مؤهلات كبيرة، حيث ليس من الصعب مواجهتهم، لكن المشكلة تكمن في أن عناصر الجيش المرسلة إلى تلك المناطق غير مدربة وغير مجهزة كما يجب، حتى تستطيع التصدي لهذه الجماعات. فأداء الجيش في سيناء ضعيف وكانت هناك أخطاء لايمكن تفهمها والإرهاب هو المستفيد من كل ذلك، حسب وليد الشيخ.
لكن الخبير المصري عكاشة يعارضه في الرأي ويقول: "وصف ذلك بالفشل لا علاقة له بالواقع. إذا اعتبرنا أن وقوع عملية إرهابية يشكل فشلا، فسيعني ذلك أن 15 دولة وقعت فيها عمليات إرهابية (وضمنها الولايات المتحدة ودول اوروبية) هي أيضا دول فاشلة ! إن التنظيمات الإرهابية للأسف تستطيع اختراق التحصينات الأمنية، وهنا تكمن صعوبة التعامل معها وتمكن خطورة ذلك".
هل المقاربة الأمنية كافية؟
ويرى بعض الخبراء أن تهميش منطقة سيناء وغياب التنمية فيها من أبرز العوامل التي حولتها إلى منطقة حاضنة للإرهاب. ويعتبر وليد الشيخ، أن إطلاق صفة الخيانة على سكان سيناء من طرف السلطات والتشكيك في ولائهم لوطنهم بالتزامن مع الأوضاع الاقتصادية جد الصعبة التي يعيشها هؤلاء في ظل انعدام فرص العمل ومشاريع التنمية والاستثمارات وغير ذلك يساهم في تحول المنطقة إلى بؤرة حاضنة للإرهاب. ويضيف وليد الشيخ: "هناك تراكم أدى إلى هذه النتيجة: التضييق على الحريات وقمع الإسلاميين، وما حدث في رابعة، ومئات الاحكام بالإعدام في حقهم والتي صدرت أحيانا خلال الجلسة الأولى من المحاكمات، بالإضافة إلى التعامل السيء مع سكان سيناء... كل ذلك يؤجج مشاعر الغضب ويدفع بفئة الشباب تحديدا نحو أعمال العنف والتنظيمات الإرهابية".
كما يشير وليد الشيخ إلى نقطة أخرى ساهمت في احتقان الأوضاع بشكل أكبر في شمال سيناء، من خلال ردم الانفاق بين مصر وغزة. ويقول في هذا السياق: "إنه من غير القبول حقا وجود أنفاق تعمل بطريقة غير مشروعة، لكن عندما يتم إغلاق باب من الأبواب المهمة لممارسة التجارة التي يعيش منها الكثيرون، يجب العمل على توفير بديل لها من خلال الاستثمارات والمشاريع وفرص العمل، وهذا ما لم يحدث".
محاربة الإرهاب لا تحتاج للمقاربة الأمنية فقط بل تتأتى بالدرجة الاولى من خلال تجفيف منابع الإرهاب، وهذا يتم عبر دعم الفكر المعتدل وتشجيع المجال الثقافي وتعزيز الديمقراطية والحريات الفردية بالإضافة إلى توفير فرص العمل والعيش الكريم للشباب، كما يشرح الصحفي وليد الشيخ. ويتفق الخبير الأمني عكاشة أيضا في الرأي من أن المقاربة الامنية غير كافية لوحدها، ولذلك فمن الضرروي نهج منظومة شاملة، ومن هذا المنطلق تسعى مصر إلى إنشاء المجلس القومي لمحاربة التطرف والإرهاب بالموازاة مع حالة الطوارئ المفروضة، مؤكدا أن "الفكرة من وراء هذه الخطوة هو العمل على اعتماد خطة متكاملة للقضاء على الإرهاب بشكل لا تقتصر على المواجهة الأمنية فقط".
الكاتبة: سهام أشطو