صندوق النقد.."عصا موسى" لإنقاذ تونس أم مزيد من التأزم؟
١٢ أبريل ٢٠٢٢بات الحديث عن مفاوضات صندوق النقد الدولي يأخذ مساحة كبيرة من الحديث والنقاش بين الأوساط السياسية والاقتصادية في تونس، مهد الربيع العربي، وحتى على وسائل الإعلام المحلية ومنصات التواصل الاجتماعي يوما بعد يوم.
ففي ضوء أزمة مالية خانقة تعصف بتونس بعد أن تجاوزت الديون الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 100 بالمئة، يراهن الرئيس قيس سعيّد ومن خلفه حكومة نجلاء بودن على الحصول على قرض بقيمة 4 مليارات دولار لتجاوز المصاعب الاقتصادية والمالية لاسيما سد عجز الميزانية العمومية.
بيد أن مسار المفاوضات بين الحكومة التونسية وصندوق النقد الدولي ليس مفروشا بالورود، بل يمكن القول إنه مفروش بالأشواك؛ إذ تشترط المؤسسة المالية التي تتخذ من واشنطن مقرا لها، أن تنفذ الحكومة التونسية برنامج إصلاحات اقتصادية وبنيوية يشمل خفض الدعم وتجميد الأجور.
ويحظى هذا الأمر بمعارضة من النقابات العمالية التونسية وفي مقدمتها "الاتحاد العام للشغل"، الكيان النقابي المؤثر في البلاد، الذي يرفض أي إصلاحات من شأنها أن تمس بالطبقتين المتوسطة والفقيرة خاصة قضية الدعم الحكومي للمواد الغذائية والأساسية.
في المقابل، يرى صندوق النقد أن هذه الإصلاحات ضرورية في ضوء ما اعتبره "اختلالات عميقة في الاقتصاد الكلي ونمو ضعيف للغاية ومعدل بطالة مرتفع للغاية واستثمار ضعيف للغاية وتفاوتات اجتماعية".
"الخيار الوحيد أمام الحكومة"
ولتجنب انهيار مالية تونس العاملة، بُنيت ميزانية الدولة على فرضية الوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي وهو ما جعل المفاوضات مع المؤسسة المالية العالمية تتسم بأهمية كبيرة.
ويؤكد توفيق الراجحي، الوزير السابق للشؤون الاقتصادية والإصلاحات الكبرى، على أن الحكومة التونسية اعتبرت الاتفاق مع صندوق النقد الدولي ركيزة "لغلق حاجيات التمويل الخارجية."
وفي مقابلة مع DW عربية، أضاف الراجحي أنّ "الاتفاق مع الصندوق في تونس مثله مثل اتفاق لبنان هو ضمان للخروج للأسواق المالية العالمية والمانحين الدوليين واستعادة ثقة الممولين."
ورغم إقرار عز الدين سعيدان، الخبير التونسي في مجال الاقتصاد والمال، بأن المفاوضات بين الحكومة وصندوق النقد الدولي لا تزال في مرحلتها التقنية، إلا أنه يتفق على أهمية الاتفاق استنادا لما جاء في ميزانية الدولة.
وأضاف في مقابلة مع DW عربية أنّ ميزانية الدولة لعام 2022 " تنص على حاجة تونس لقروض إضافية تقدر بعشرين مليار دينار تقريبا منها 12.7 مليار من الخارج وحوالي 7 مليار من الداخل وكلا الرقمين كبيرين وبعيدين عن إمكانيات التعبئة بالنسبة للحكومة في الوقت الراهن".
يشار إلى أن وزير الاقتصاد والتخطيط سمير سعيّد قال إن وفدا تونسيا سيزور واشنطن منتصف أبريل/ نيسان الجاري لتعزيز التفاوض مع صندوق النقد الدولي، مؤكدا أن المشاورات مع الصندوق تمضي في "طريق جيد" وأن وثيقة الإصلاحات الاقتصادية التي طالب بها الأخير "جاهزة وشاملة".
"لا تناغم"
من جانبه، يسلط آرام بلحاج، الأستاذ في كلية العلوم الاقتصادية والتصرف بنابل، الضوء على غياب "التناغم" بين الاتحاد العام للشغل وبين الحكومة رغم أن من بين شروط صندوق النقد الوصول إلى توافق داخلي بين الطرفين حول برنامج الإصلاحات.
وأضاف في مقابلة مع DW عربية أنّ الصندوق "أبلغ الحكومة بضرورة حصول برنامج الإصلاح على إجماع من الشركاء الاجتماعيين وبالأساس الاتحاد العام للشغل الذي لا يوافق على التفريط في بعض حصص الدولة في المؤسسات العمومية وزيادة أسعار المحروقات والمواد الغذائية لكبح مصاريف الدعم".
ويرى الاتحاد التونسي للشغل أن فاتورة الإصلاحات المطلوبة من قبل الصندوق باهظة الثمن، متهما الحكومة بعدم امتلاكها خارطة طريق واضحة لتنفيذ هذه الإصلاحات وأن دافعها الأساسي الحصول على القرض "بأي ثمن".
وفي ظل غياب التوافق بين الحكومة التونسية والاتحاد العام للشغل حيال الإصلاحات التي يطالب بها صندوق النقد، يطرح مراقبون تساؤلات حيال الجديد الذي يحمله الوفد التونسي خلال المفاوضات المرتقبة مع مسؤولي الصندوق في واشنطن.
بدوره، ينتقد الخبير الاقتصادي والمالي، عز الدين سعيدان، ربط الصندوق حصول تونس على قرض الأربعة مليارات دولار بموافقة الاتحاد العام للشغل.
وأضاف "أعتبر هذا الموقف مجحفا ومظلما في حق تونس لأن صندوق النقد الدولي يتعامل مع الحكومات والوصول إلى اتفاق بين الحكومة التونسية واتحاد الشغل هو شأن داخلي من أساسه".
الحرب في أوكرانيا
يشار إلى أن المعهد الحكومي للإحصاء أقر بارتفاع نسبة التضخم الاقتصادي في تونس لتصل إلى مستوى 7.2 في المائة خلال شهر مارس/ آذار الماضي بالتزامن مع هبوط الدينار التونسي قبل أيام إلى أدنى مستوياته مقابل الدولار في ثلاث سنوات، ليساوي أكثر من ثلاثة دنانير للدولار الواحد.
ويبدو أن الحرب الروسية في أوكرانيا زادت الطين بلة وأثقلت كاهل التونسيين المثقل فعليا جراء اقتصاد البلاد الهش الذي تضرر في السنوات الأخيرة، بسبب التضخم والبطالة المرتفعة وارتفاع نسبة الدين العام فضلا عن تراجع معدلات السياحة في أعقاب جائحة كورونا.
وعلى وقع اندلاع الحرب، أعلنت تونس، التي تستورد 60% من احتياجاتها من القمح من أوكرانيا وروسيا، أن لديها مخزونا يكفي حتى يونيو/ حزيران المقبل ما أثار مخاوف المراقبين من أن تونس معرضة بشكل كبير لأضرار مباشرة جراء الحرب.
"غير كاف.. لكنه ورمزي"
وفي ضوء ذلك، رأى الوزير السابق توفيق الراجحي أن ما ستحصل عليه تونس من الصندوق في حالة الاتفاق سيكون غير كافٍ لتمويل "الحاجيات المالية"، لكن شدد على أنه (الاتفاق) يعد "رمزيا" لضمان قدرة الدولة على سداد الديون الخارجية.
وقال إن الحكومة التونسية كان عليها أن تشرع في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية قبل البدء في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي لأن إبرام اتفاق معه "ليس الحل الشامل".
وأضاف "الحكومات تلجأ لعقد اتفاق مع الصندوق وكأنه الحل، ولكن في حقيقة الأمر هي تبحث عن غطاء لقرارات غير قادرة على تسويقها داخليا. تونس لا تستطيع التسويق لإصلاحاتها إلا تحت غطاء الصندوق."
وفي هذا السياق، يقدر الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان أنّ حاجة الحكومة من الاقتراض الخارجي قد تصل إلى "20 مليار دينار" وليس 12.7 مليار دينار وفقا للتقديرات الحكومية بالنظر إلى تداعيات الحرب في أوكرانيا على "زيادة أسعار النفط والحبوب وتحدي توفير واردات إضافية من الحبوب".
الجدير بالذكر أن الحكومة قامت بالعديد من الإجراءات القاسية التي أثارت غضب الشارع التونسي منها رفع أسعار المحروقات في فبراير/ شباط الماضي في إطار برنامج تعديل أسعار المواد البترولية ضمن ميزانية الدولة لعام 2022.
ماذا عن الأزمة السياسية؟
يأتي ذلك مع استمرار الأزمة السياسية في تونس منذ قيام الرئيس قيس سعيّد في يوليو / تموز الماضي بتجميد البرلمان ثم حله فيما بعد وإقالة رئيس الوزراء هشام المشيشي ومنح نفسه صلاحيات قانون الطوارئ، مبررا ذلك في رغبته في إنهاء الجمود السياسي المستمر في البلاد والقضاء على الفساد بعد عقد من ثورة الياسمين.
ويرى مراقبون أن هذه الأزمة السياسية قد تؤثر سلبا على المفاوضات الجارية بين الحكومة التونسية وصندوق النقد نظرالأهمية الاستقرار السياسي.
وفي هذا الصدد، قال الخبير المالي والاقتصادي عز الدين سعيدان إن "الوضع السياسي هو المحدد لقدرة البلاد على التنفيذ الفعلي للإصلاحات إذ أن نصف درجات التقييم الصادرة عن مؤسسات التصنيف السيادي تُعطى على أساس الوضع السياسي، لأن هذا يعني مدى قدرة البلاد على تسديد ديونها بصورة طبيعية وهذه القدرة مرتبطة بالوضع السياسي".
واتفق معه في هذا الرأي الوزير السابق توفيق الراجحي مؤكدا على أن الأزمة السياسية الحالية تعد "جزءا من العوائق التي تقف أمام القيام بالإصلاحات والوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد".
وأضاف "القضية بالنسبة للصندوق هو أن يكون التزام الحكومة بالبرنامج نابعا عن وفاق وطني بما فيه الأطراف السياسية والاجتماعية. ولكن الأزمة السياسية من شأنها أن تعقد الأمر، حتى لو رضي الطرف الاجتماعي".
محمد فرحان