"في المغرب نحن عالقون بدوامة "
٢١ ديسمبر ٢٠٢١أود أن أطلق صرخة يسمعها الجميع، ما يجري معنا نحن المهاجرين هنا في المغرب ظلم كبير. نحن عالقون في دوامة، لا المفوضية قادرة على مساعدتنا ولا السلطات تسمح لنا بالمغادرة، وإن قبض علينا يتم نقلنا مباشرة إلى مناطق بعيدة عن الحدود، في الداخل المغربي، حيث علينا التعايش مع مرارة وصعوبة حياة التشرد.
بالنسبة لي، قبل نحو ستة أشهر توجهت إلى الرباط، تحديدا مكتب مفوضية اللاجئين لطلب اللجوء. كنت قاصرا حينها، لم يوفروا لي شيئا بتاتا، سوى ورقة تثبت أني طالب لجوء قالوا لي حينها إنها ستوفر لي الحماية من التوقيف. تشردت في شوارع الرباط لأكثر من أسبوعين أعيش على ما يقدمه لي محسنون، إلى أن أوقفتني الشرطة.
طبعا الورقة لم توفر لي أي حماية، نقلونا مباشرة إلى مدينة بني ملال وسط المغرب. هناك ألقوا بي في الشارع. بحثت عن أي جهة لتؤمن لي المساعدة لكني لم أجد.
"وصلت ليبيا كان عمري 15 عاما"
لكن قصتي مع الهجرة بدأت قبل ذلك بكثير. في 2018 خرجت من السودان مع خالي إلى ليبيا بقصد الهجرة، كان عمري حينها 15 عاما. حاولت خلال سنواتي الثلاث التي أمضيتها في ليبيا أن أهاجر عبر البحر إلى إيطاليا ثلاث مرات، وفي كل مرة كان خفر السواحل يعيدنا إلى الشاطئ. يئست وفكرت أن الحل هو بالبحث عن مكان آخر لأنطلق منها، فوقع اختياري على المغرب.
انفصلت عن خالي الذي بقي في ليبيا وتوجهت للجزائر، كان ذلك في شباط\فبراير من العام الجاري. أمضيت في الجزائر شهرا واحدا قبل أن أصل وجدة المغربية في آذار\مارس.
الاعتقال الأول والترحيل الأول
أول وجهة لي كانت الحدود مع سبتة، ومع محاولتي الأولى لتخطي السياج قبضت علي الشرطة. انهالوا علي بالضرب، صادروا مبلغ 600 يورو كان بحوزتي جمعته من الأعمال التي كنت أقوم بها في ليبيا، إضافة إلى هاتفي الخلوي. لم يسمحوا لي أو لأي من المهاجرين الآخرين بالكلام، وضعونا على متن حافلة ونقلونا إلى مدينة قصر السراغنة.
هناك ألقوا بنا في الشارع أيضا. كنت أعاني من أوجاع في يدي ورجلي نتيجة الضرب، توجهت إلى مستشفى عمومي لكنهم لم يسعفوني. خرجت أجرجر أذيال الخيبة والآلام تطحنني. توجهت إلى مركز طبي خاص. في البداية لم يستقبلوني كوني مهاجر ولا أملك المال. في النهاية نصحني أحد الأطباء بالتوجه للرباط وطلب اللجوء لدى المفوضية، وهم سيساعدونني.
بعد نحو شهر توجهت للرباط، كان سائقوا الحافلات مازالوا يسمحون للمهاجرين بصعودها، وهذه قصة أخرى.
"توجهت إلى حيث أصدقائي متواجدين"
وهكذا، وبعد تجربتي في الرباط التي سبق وأن ذكرتها، وجدت نفسي في بني ملال بحلول آب\أغسطس. لم أعرف أحدا هناك وكنت مشردا. بالصدفة عرفت أن لي أصدقاء تم ترحيلهم إلى قلعة السراغنة. توجهت إلى هناك حيث التقيت بهم، كان الشعور جيدا نسبيا، فبعد كل تلك المدة التي أمضيتها وحيدا، أخيرا وجدت بعض الوجوه التي يمكنني الاستئناس بها.
لكن الفرحة لم تطل إذ كان علينا البحث عن مأوى الآن. المنطقة صحراوية وأمسياتها باردة جدا. بحثنا كثيرا إلى أن وجدنا غرفة مهجورة بالقرب من محطة حافلات المدينة، اقتحمناها وأقمنا بها. جاءت الشرطة لطردنا لكننا اعتصمنا بالداخل، لا أعرف لم لكن الضابط المسؤول عن الدورية سمح لنا بالبقاء.
في قلعة السراغنة أكثر من 100 مهاجر، لسنا فقط سودانيين، بل هناك أيضا جنسيات أخرى من أفريقيا جنوب الصحراء، وجميعنا نتشارك المعاناة نفسها والجوع نفسه. ربما أنا وأصدقائي كنا محظوظين قليلا بإيجادنا هذه الغرفة، لكن بالنسبة للغالبية العظمى من المهاجرين الآخرين، هم يبيتون في الشارع.
ما من مساعدات أو من جمعيات
ما من مساعدات تصلنا من أي جهة، سوى بعض ما يمن به علينا سكان الأحياء المحيطة بالمحطة. وطبعا ما نعيشه ينطبق أيضا على كل المهاجرين المتواجدين في المدن الأخرى المحيطة، جميع المهاجرين يعانون بنفس الدرجة.
خروجنا من هذه المدينة للعودة إلى الحدود مع سبتة أو مليلية بات شبه مستحيل. فبالعودة إلى موضوع سائقي الحافلات، بات ممنوع عليهم السماح لأي مهاجر أن يستقل حافلاتهم باتجاه الشمال، وطبعا لا قدرة لنا على استئجار سيارات أجرة، وبالتالي نحن عالقون هنا.
قبل مدة ذهبت وأصدقاء لي هنا لطلب العودة الطوعية إلى السودان، رجال الشرطة رفضوا حتى الاستماع لنا، قالوا لنا إنه علينا البقاء حيث نحن إلى أن يشاء الله. نحن هنا ممنوعون من العمل ومن حرية التنقل ومن المأوى، ولا فكرة لدينا حول ما يحمله لنا المستقبل. فهل سنمضي ما تبقى من أيامنا بهذه الحالة، أم هناك أمل في مكان ما؟
مهاجر نيوز 2021