قوى المعارضة الجزائرية تتفق على مطالب التغيير وتختلف حول سبله
٥ أبريل ٢٠١١بعد ثورتي تونس ومصر، كان حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية المعارض ذو النزعة القبائلية، من أوائل القوى السياسية في الجزائر التي دعت إلى تنظيم مظاهرات احتجاجية في الشارع من أجل المطالبة بتغييرات سياسية. لكن محاولات تنظيم مظاهرات شعبية في شوارع الجزائر العاصمة حوصرت، في ظل سريان قانون الطوارئ المعمول به منذ بداية التسعينات من القرن الماضي. وقد أعلنت الحكومة الجزائرية في وقت لاحق إلغاء قانون الطوارئ.
و قد انضمت إلى حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، منظمات أخرى تابعة للمجتمع المدني مثل تنسيقية التغيير والإصلاح التي يقودها الأستاذ مصطفى بوشاشي، وتدعمه منظمات نقابية مستقلة، مثل نقابة أستاذة التعليم الابتدائي والمتوسط بالإضافة إلى منظمات يسارية من منطقة القبائل ومن غرب البلاد ، في حين رفضت جبهة القوى الاشتراكية التي يتزعمها حسين آيت أحمد الانضمام إلى هذه التيارات رغم أنها تنادي بما تنادي إليه جبهة القوى الاشتراكية أي تغيير النظام.
وتوقف المراقبون عند انضمام الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة، بزعامة الشيخ علي بلحاج إلى التظاهرة التي دعا إليها العلمانيون كما لم يعلق الرجل الأول في الجبهة الشيخ عباسي مدني المقيم في قطر، على موقف الشيخ علي بلحاج، و بالجملة، فإن ما تدعو إليه التيارات العلمانية هو تغيير النظام على الطريقة المصرية أو التونسية و تعمل على نشر هذا الموقف في وسائل الإعلام الجزائرية، لكن موقف جبهة القوى الاشتراكية الرافض لأي تغيير على الطريقتين التونسية والمصرية، أضعف من مركز حركة التغيير على المستوى الشعبي.
كما شكل احمد بن بيتور رئيس الحكومة الجزائري الأسبق، جبهة أطلق عليها "التحالف الوطني من أجل التغيير" ضمت قوى سياسية وشخصيات معارضة ذات خلفيات ايديولوجية مختلفة. ويرى بن بيتور ان زمن الإصلاح قد ولى وان ما يطرحه الرئيس بوتفليقة من إصلاحات لنظامه، قد تجاوزها الزمن، في ظل الثورات التي تشهدها عدد من الدول العربية، وأن الوقت قد حان لإحداث تغيير في النظام السياسي الجزائري.
و على الرغم من تشابه القوى المعارضة من أحزاب و نقابات في مستوى علاقتها بالنظام، أي أنها كلها لا تتفق ورؤية الحكومة حول مسألة تسيير أمور الحكم، إلا أنها لم تجد لحد الساعة صيغة موحدة للتحاور مع المواطنين أو لمواجهة النظام.
جدل حول الطريقة التونسية للتغيير
وفي تحليله لأسباب عدم التجاوب الشعبي مع الدعوات للمظاهرات في الشوارع، يرى المحلل السياسي منير بوجمعة في حوار مع دويتشه فيله أن: "التيارات العلمانية و منذ تكتلها على صيغة أحزاب سياسية منذ العام 1989 تاريخ السماح للأحزاب السياسية بالنشاط، لم تغير من طريقة تعاملها مع الأحداث، وهي اليوم تكرر نفس الخطأ، لأنها تريد قلب النظام و تغييره من الأعلى و لا وجود لها في الأوساط الشعبية على الإطلاق".
ومن جهته يقول عبد الوهاب جاكون، مدير يومية لانوفال ريبوبليك على رأي منير بوجمعة: "هناك خاصية لحزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية وهي نخبويته وانغلاقه الأيديولوجي على نفسه، لذا فإن دعوته المفاجئة للتغيير على الطريقة التونسية لم يكن ليجلب انتباه المواطن الجزائري العادي". ويضيف المحلل السياسي منير بوجمعة: "بعد التطورات الأخيرة في الدول العربية، رأت الأحزاب العلمانية أن تكرر تجربتي تونس ومصر، لكن الناس لم تتبع هذه التيارات التي قلبت الهرم وعوض أن تبدأ التغيير من الأسفل إلى الأعلى راحت تفعل العكس".
لكن وبخلاف رأي المحللين جاكون وبوجمعة، يرى الإعلامي و المحلل السياسي فيصل مطاوي أن: "السبب هي الدولة التي منعت التظاهر في العاصمة، وقزمت العمل السياسي بعد فرض حالة الطوارئ، فالأحزاب العلمانية لم تجد ضالتها وسط الحصار الحكومي".
تباين مواقف الإسلاميين
وبخلاف الإتجاه التي توخته الأحزاب العلمانية ، أظهر التيار الإسلامي (من دون الجبهة الإسلامية للإنقاذ) بأحزابه الممثلة في حركات النهضة والإصلاح وحركة مجتمع السلم ميلا واضحا لفكرة التغيير من داخل النظام. وتصطف النهضة والإصلاح في المعارضة، و أما حركة مجتمع السلم ففي الائتلاف الحاكم، المشكل بالإضافة إليها، من حزبي جبهة التحرير الوطني، والتجمع الوطني الديمقراطي الذي يتزعمه رئيس الحكومة أحمد أويحي.
و يرى المحلل السياسي منير بوجمعة أن :"أحزاب النهضة والإصلاح و حركة مجتمع السلم، قد أظهرت من جديد علاقاتها القوية بالتنظيم العالمي للإخوان المسلمين كما شاهدنا عودة قوية لتيار الجزأرة الذي ما هو إلا شكل جزائري محلي لفكر الإخوان العالمي، وهي كلها تيارات أرادت استغلال الموقف الاستثنائي الذي تعيشه المنطقة العربية، عبر تكثيف انتقاداتها للحكومة، لكن ما يلفت الانتباه هو وضع التيارات السلفية".
وتتشكل التيارات السلفية في الجزائر، من ثلاث توجهات، الأول سلفية محلية بزعامة جمعية العلماء المسلمين، وهذه غير مسيسة ولم تنتقد الحكومة ولم تؤيدها غير أنها غير منضوية تحت مظلة الحكومة بأي شكل من الأشكال، أما السلفية الثانية فتلك التي تسمى ب"العلمية"، وهي مرتبطة بالتيار الوهابي في المملكة العربية السعودية، وقد أيدت الفتاوى المعارضة للمظاهرات على أساس أنها بدعة، و في الأخير نجد "السلفية الجهادية" التي يتغذى منها تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي.
ويضيف منير بوجمعة للدويتشه فيله: "ما يثير انتباهي في الحركة السلفية هو تفتتها وعدم وجود طريقة لتوحيدها، فقادتها وشيوخها متعددون وعلى حال فرقة دائمة، ولم نلحظ لهم أثرا أو رأيا ذا بال في الفترة الأخيرة، إلا ما كان من علي بلحاج، الرجل الثاني في الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة".
لكن هل هذا هو رأي متفق عليه بين المحللين الجزائريين؟ لا يبدو الأمر كذلك، ففيصل مطاوي يعتبر أن التيارات الإسلامية قالت كلمتها في الفترة الأخيرة، و يضيف مطاوي: "حتى حركة مجتمع السلم والتي هي عضو في الائتلاف الحاكم، بدأت بمعارضة الحكومة والرئاسة ويبدو أنها تتخندق وسط المطالب الشعبية".
الجيش و نظام الحكم، حماية أم تحكم من خلف الستار؟
الواقع أن كلمة "شعبية" هي مربط فرس المعارضين والمؤيدين للحكومة، ففي حين ينادي المطالبون بإسقاط الرئيس بأن مطالبهم شعبية، يرى محللون سياسيون مثل عبد الوهاب جاكون الأمر من زاوية أخرى:"منذ بداية عملي الإعلامي، لم أترك الاحتكاك بالمواطنين، فأنا أتجول في الأسواق وأتحدث مع الناس العاديين و قد تشكلت لدي قناعة مفادها أن رجل الشعب البسيط لا تهمه مطالب الأحزاب بتغيير الدستور أو بإسقاط بوتفليقة، فما يهمه هو العمل والسكن والعدالة، و لو نفذ بوتفليقة وعوده الرئاسية بأن ينجز الترامواي و الميترو، لأمكن انتخابه بعهدة رابعة".
هنا يأتي محل إعراب أحزاب الائتلاف الحاكم، فرغم موقف عبد الوهاب جاكون المؤيد لبوتفليقة، إلا أن منير بوجمعة وفيصل مطاوي يريان أن الائتلاف الحاكم، قد انتهى منذ زمن بعيد لأنه ربط نفسه ببرنامج بوتفيلقة،فكأن حزبي جبهة التحرير الوطني أو التجمع الوطني الديمقراطي لا يملكان برنامجا خاصا بهما، لذا فإنهما يفتقدان للشرعية المناسبة التي تمكنهم من التواصل مع المواطنين.
لكن المسألة الحساسة التي تطرق إليها المطالبون بالإصلاح هي مستقبل المؤسسة العسكرية في أي تغيير ديمقراطي قادم، إذ يطالب هؤلاء بإخراج الجيش من العملية السياسية، وجعل مسألة اختيار الرئيس بيد الشعب عن طريق الانتخابات، لكن الجيش يؤكد مرارا أنه بعيد عن الحياة السياسية و أنه يتدخل فقط عندما يفشل المدنيون في حفظ الوحدة الوطنية، وهذه معادلة صعبة لأنها لا تحدد ماهية فشل المدنيين مثلا، أو متى يمكن الجزم بأن الوضع في الجزائر عند التغيير إن حدث، يشبه الوضع في تونس أو مصر، فيتدخل الجيش دون حدوث مشاكل؟.
ولا يمكن إخراج الأحزاب والقوى السياسية المعارضة عن محيطها الشعبي المتدني وعلاقاتها المتناقضة مع أصحاب القرار في الجزائر، وقد أنتج هذا وضعا استثنائيا قابلا للانفجار، يبدو أنه ألجأ الرئيس الجزائري إلى إعلان أنه سيصدر قريبا قرارات تتعلق بفتح المجال أمام النشاط الحزبي والسياسي.
هيثم رباني – الجزائر
مراجعة: منصف السليمي