نجاح الاقتصاد الريعي في دول الخليج يشكل حجر عثرة أمام الإصلاحات الشاملة
نجحت دول الخليج العربي، الصغيرة نسبياً من حيث تعداد السكان، في التحول بسرعة من دول فقيرة إلى دول غنية تملك بنية تحتية حديثة ومدخول اقتصادي مرتفع، استطاعت بفضله أن تقدم لمواطنيها درجة عالية من الرفاهية، وأن توفر لهم الخدمات والاحتياجات الأساسية كالتعليم والمرافق العامة. إلا أن هذا النجاح الاقتصادي لا يزال أحادي الجانب، لأنه يعتمد بالدرجة الأولى على تصدير البترول الخام الذي يشكل 80% من الإيرادات الخليجية. هذه التبعية الكبيرة تحّول هذه الدول إلى اقتصاديات "ريعية"، فهي دول مستوردة للسلع الرأسمالية والتقنية ولم تنجح بعد في التحول إلى دول ذات إنتاج اقتصادي سلعي وخدمي، كما أن مشاركة العمالة الخليجية في عملية التنمية والإنتاج الاقتصادي لا تزال هامشية ومحدودة.
وتكمن خطورة هذا التطور الذي يثير مخاوف المراقبين في أن هذا النجاح الاقتصادي، رغم هشاشة بنيته وضعف ديمومته، يؤدي إلى صرف النظر عن الإصلاحات الضرورية الشاملة في كل مجالات المجتمع. وكان التقرير الأممي السنوي الثالث حول التنمية العربية الذي صدر أول أمس قد أشار إلى أن الإصلاحات في الدول العربية مازالت في "مراحلها الجنينية" وطالب بـ"إعطاء أولوية قصوى لإصلاحات ثلاثة لا تحتمل التأجيل أبرزها إلغاء حالة الطوارئ والقضاء على التمييز ضد الجماعات الأخرى وضمان استقلال القضاء".
قنبلة ديموغرافية موقوتة
يجمع خبراء الاقتصاد العالمي على أن العالم العربي سيواجه في السنوات العشر القادمة "قنبلة ديموغرافية موقوتة"، فأكثر من نصف سكانه أصغر من 18 عاما، كما أن نسبة البطالة تصل في بعض الدول العربية إلى 30 %. ويدق مدير المنتدى الاقتصادي العالمي أوغستو لوبوس- كارلوس أجراس الإنذار قائلاً:"هذه الحقائق الديموغرافية تتطلب خلق حوالي 80 مليون فرصة عمل جديدة للحفاظ على مستوى أداء اقتصاديات الدول العربية". وبناءً على وجهة نظره فإن هذه البيانات الإحصائية تظهر بشكل جلي الكم الهائل للمشاكل الاقتصادية التي يمكن أن تسبب تهديداً للاستقرار السياسي في السنوات المقبلة.
نجاح وهمي للاقتصاد الريعي
لا يخفي التحسن في النمو الاقتصادي لدول الخليج العربي حقيقة ضعف قدرة اقتصادياتها على المنافسة في السوق العالمية وخاصة على المدى البعيد. ويؤكد خبير البنك الدولي المتخصص في منطقة الشرق الأوسط مصطفى نبيل على صحة هذه الفرضية بقوله:"ستقل نسبة النمو الاقتصادي في هذا العام وستصل إلى 5%"، كما أنه على يقين من أن الفساد المنتشر في الدول العربية السلطوية التي ترتفع نسبة ديونها بصورة متزايدة، وانغلاق هذه الدول عن متطلبات العصر واحتياجات السوق العالمية سيؤديان إلى تراجع العالم العربي أمام منافسيه وخاصة في دول جنوب شرق آسيا.
وفي غضون ذلك أشارت دراسة أعدها مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية إلى حقائق مذهلة، من بينها أن مســـتوى الإنفاق على البحث العلمي والتــقني في الـــوطن العربي يبلغ درجة مـــتدنية، بالمقارنة مع بقية دول العالم، لافتا إلى أن الانفاق السنوي للدول العربية على البحث العلمي لا يتجاوز في أفضل الأحوال نسبة 0.2 في المئة من إجمالي الموازنات العربية. لابد إذن من فتح ملفات الفساد السياسي والإداري في الدول العربية، والإصرار على التغيير الجذري في شتى مجالات المجتمع، اذا أردنا للاصلاح إن يأخذ مساره الطبيعي في عالم يتطلب المزيد من الانفتاح والحرية وانتهاج طريق الشفافية والإصلاح السياسي الشامل.
لؤي المدهون