وجهة نظر: محاولة انقلاب في البرازيل سيستفيد منها الرئيس لولا
١٠ يناير ٢٠٢٣اجتياح أنصار بولسونارو، متوشحين بأعلام البرازيل، لمبنى البرلمان (الكونغرس) والقصر الرئاسي والمحكمة العليا وتخريبهم في تلك الأماكن، أثار غضبا كبيرا. صور صادمة نقلتها بعد ظهر الأحد شاشات التلفزة، وطافت على مواقع التواصل الاجتماعي حول العالم. ولكنها لم تفاجئ أحدا في البرازيل. فقد كان من المنتظر أن يحصل ذلك عاجلا أم آجلا.
فلقد سبقت الاقتحام تحذيرات كثيرة، وحتى من بولسونارو نفسه مؤخرا. فبعد يوم واحد من اقتحام مبنى الكابيتول في واشنطن في 6 يناير/كانون الثاني 2021، من قبل أنصار ترامب، ألمح بولسونارو إلى إمكانية تكرار مثل هذه المشاهد في البرازيل، في حال وجود شك في نتيجة الانتخابات الرئاسية في 2022.
ثم ساهم بولسونارو نفسه، من خلال الأخبار المضللة التي نشرها حول حدوث تزوير في مقرات الاقتراع خلال الانتخابات، في نشر مثل هذا الشك بين المتطرفين من أنصاره.
أضف لذلك أن بولسونارو، ومنذ لحظة يقظته السياسية في مواجهة مرشحة اليسار الرئيسة السابقة ديلما روسيف، نسخ تقريبا كل شيء فعله قدوته دونالد ترامب في الولايات المتحدة. ومن ذلك عدم اعترافه بالهزيمة في الانتخابات أمام لويس لولا دا سيلفا.
وحتى طريقته في التصريحات والتعامل مع أنصاره نسخها بولسونارو من ترامب. فالتصريحات كانت غامضة، بحيث يتمكن أنصاره من فهم أنها دعوة للانقلاب، ولكن يمكنه لاحقا التنصل منها وأن يزعم أنه لم يقل ذلك.
وهكذا أدان الرئيس السابق مساء الأحد، من مقر إقامته الحالية في فلوريدا، ما حدث. ولكنه برر ذلك في نفس الجملة حين قال: اليساريون قاموا في 2013 و2017 بالنهب أيضا واقتحموا مبان عامة، كما زعم بولسونارو في تغريدة على تويتر.
بيد أنّ هذا الادعاء غير صحيح، لكن لا بولسونارو ولا المتطرفون من أنصاره مهتمون بالأمر.
شكوك حول دور قوات الأمن
تظهر مقاطع الفيديو بوضوح أن قوات الأمن غير مهتمة كثيرا بالدخول في مواجهة مع المحتجين. وبدلا من أن يصدوهم ويخرجوهم من الحي الحكومي، ظهروا وكأنهم يرافقون أنصار بولسونارو. تشاهد في الفيديوهات رجال الأمن وهم يصورون ما يحدث ويتحادثون مع المهاجمين. وحتى هذا الأمر ليس مفاجئا.
فقسم كبير من قوى الأمن – سواء في الجيش أو في الشرطة – يؤيد بولسونارو. ومرتبطون عبر مجموعات "واتس آب" بشبكاته التي تمجد الرئيس السابق. ونوع السلطة التي تملكها وحدات الشرطة يمكن معرفته من خلال ما حدث في فبراير/شباط 2020 في ولاية سيارا الشمالية.
يومها تمردت وحدات من الشرطة العسكرية، وهي وحدات منظمة ومسلحة بشكل جيد وتعتبر بمثابة الشرطة في الولاية وتخضع لسلطة حاكمها. وطالبت حينها بزيادة في الرواتب، ولذلك نظمت لأسابيع احتجاجات عنيفة وتركت العمل. ولم تنته الاحتجاجات إلى أن أرسل الرئيس السابق بولسونارو الجيش إلى الولاية، كي يعيد النظام إليها.
وزير سابق - كبش الفداء
والآن تتهدد الوزير السابق في حكومة بولسونارو، أندرسون توريس، ملاحقة قضائية. علما أنه كان وزيرا للعدل والأمن العام في حكومة الرئيس السابق. والآن هو مسؤول عن جهاز الأمن في الحكومة المحلية لولاية برازيليا. حليف الرئيس السابق أخذ إجازة مسبقا، ويتواجد حاليا في فلوريدا، تماما مثل بولسونارو.
والآن قد يصدر أمر دولي بالقبض عليه وتسليمه للبرازيل. وعندما يعود للبلاد قد يصبح كبش الفداء.
وأيضا رئيسه المباشر، حاكم الولاية إيبانايس روخا، لا يبدو بمعزل عما حدث. الرئيس لولا عين مسؤولا مؤقتا عن الجهاز الأمني للعاصمة حتى نهاية يناير/كانون الثاني. فيما قرر قاضي المحكمة العليا أليكساندر دي موريس إيقافه عن المنصب لمدة تسعين يوما.
وقبل ذلك بأسابيع ظهرت شكوك حول ولاء روخا للرئيس المنتخب لولا. حيث لم يظهر اهتماما بإخماد المناوشات التي حدثت منتصف ديسمبر/كانون الأول، ولا بملاحقة تفاصيل محاولة الاعتداء على لولا آواخر ديسمبر/كانون الأول، وتتبع المشتبه بهم. ويعتبر روخا صديقا لبولسونارو، تماما مثل حكام أهم ثلاث ولايات وهي ساو باولو، وريو دي جانيرو، وميناس غيرياس.
لولا دا سيلفا يستفيد من هذه الهمجية
ربما يبدو ذلك مستغربا، ولكن الرئيس لولا دا سيلفا سيستفيد من هذه الصدامات. فالآن يسارع حتى كبار خصومه من نواب البرلمان ومن حكام الولايات إلى إدانة العنف.
وحتى حاكم ولاية برازيليا الموقوف إيبانايس روخا توجه، من خلال تغريدة على تويتر، إلى الرئيس لولا وطلب منه المعذرة. يريد من ذلك أيضا حماية نفسه من شبهة التخطيط والدعم لما حدث، وهو أمر سيؤدي بالتأكيد إلى ملاحقته قضائيا.
والكرة باتت في ملعب المحكمة العليا التي ستتحرك ضد قادة القسم المتطرف من أنصار بولسونارو. فحتى الآن كان التحرك ضدهم خجولا، حتى لا يأتي الاتهام بأن ملاحقة أنصار بولسونارو هي انتقام سياسي. الآن يمكن ملاحقتهم بكل وضوح على أنهم انقلابيون. فخطوط البجهة صارت واضحة.
وحتى الجيش الذي كان ميالا لبولسونارو، ولكنه كان صامتا، سيضطر لاتخاذ موقف. وبالتالي فإن لولا يثبت دعائم حكمه. فالقادة الأمنيون تحدثوا مرارا عن معارضتهم للانقلاب.
ويبقى السؤال: ما مدى تورط بولسونارو في الاعتداء، وما تبعات أعمال العنف عليه؟ فهو بالتأكيد سينفي مسؤوليته عما حدث، وسيدين العنف. ويمكن القول إن الكارثة التي حدثت كتبت النهاية لأي محاولة من بولسونارو كي يكون قائدا للمعارضة.
رغم أنه على الأرجح لم يكن يسعى لذلك، لأنه لا يملك لا التخطيط الواضح ولا الجلد كي يكون معارضا لفترة طويلة للرئيس لولا، حتى موعد الانتخابات القادمة في 2026.
وبالتالي فأحداث اقتحام البرلمان تبدو مناسبة لبولسونارو لكي يهدم الجسور وينسحب من الحياة السياسية.
توماس ميلتس