أحداث عنف دامية تخدش صورة غرداية الجزائرية الساحرة
٥ يوليو ٢٠١٠في محاولة لإعادة أجواء الأمن والسلم الإجتماعي في منطقة وادي ميزاب الواقعة جنوب الجزائر، وقع ممثلون عن العروش والمذهبين المالكي والإباضي الأسبوع الماضي اتفاقا أطلق عليه "ميثاق الشرف والسلم" وجرى الإتفاق برعاية وزير الداخلية الجزائري دحو ولد قابلية في غرداية كبرى حواضر منطقة وادي ميزاب.
ويعتقد طاهر ابراهيمي أستاذ علم الإجتماع بجامعة بسكرة الجزائرية في حوار مع دويتشه فيله إن معالجة ظاهرة العنف التي شهدتها منطقة وادي ميزاب تتطلب رؤية إجتماعية تأخذ بعين الإعتبار التحولات التي تشهدها بنية المجتمع المحلي والمتغيرات في محيطه، معتبرا أن فهم مشكلات الشباب يشكل حجر الزاوية في أي استراتيجية هادفة لتحقيق السلم الإجتماعي في هذه المنطقة وإعادة التلاحم بين مكوناتها المتعددة إثنيا ومذهبيا.
هل اهتزت جاذبية غرداية؟
وتعتبر مدينة غرداية كبرى حواضر منطقة وادي ميزاب، وتقع 600 كيلومترا جنوب العاصمة الجزائر. وتميزت هذه المنطقة بخصوصية نظامها الإجتماعي والثقافي وطابعها المعماري الذي يعود الى حوالي عشرة قرون، وهو مصنف من قبل اليونسكو كتراث إنساني عالمي.
ومنذ عامين هزت المنطقة أحداث عنف دامية، سقط ضحيتها قتلى وجرحى، واندلع أسوأها في شهر مار /آذار الماضي على خلفية مقتل شخص في مسجد ببلدة بريان، كما خلفت تلك الأحداث خسائر مادية فادحة في الممتلكات العامة والخاصة. وقد فاجأت أحداث منطقة ميزاب، الرأي العام في الجزائر وخارجها، فالمنطقة معروفة بهدوئها وتعايش الإثنيات والمذاهب، ويقصدها تاريخيا السياح والباحثون والمستشرقون من أجل اكتشاف خصوصيتها الثقافية والإجتماعية.
وتصنف الدوائر الديبلوماسية الغربية، مثل ألمانيا وسويسرا، منطقة غرداية، ضمن المناطق الخطرة أمنيا، وتنصح رعاياها من السياح بتوخي الحذر عند السفر اليها، وذلك لسببين: أولهما أحداث العنف التي شهدتها المنطقة، وثانيهما لإعتبارها كبوابة للصحراء الجزائرية الكبرى التي تشهد في الأعوام القليلة الأخيرة عمليات إرهابية واختطاف سياح غربيين يتجشمون المخاطر في سبيل إكتشاف سحر المناطق الصحراوية جنوب الجزائر.
ويرى الدكتور طاهر براهيمي أستاذ علم الإجتماع بجامعة بسكرة الجزائرية، أن المصادمات وأحداث العنف التي وقعت في المنطقة تعتبر "تصدعا في النسيج الإجتماعي والثقافي بالمنطقة ويشكل إستثناءا في تاريخ المنطقة المعروفة بتقاليد التعايش والتضامن الإجتماعي منذ قرون".
تصدع في نظام اجتماعي وثقافي حصين
ويرى طاهر ابراهيمي أن تفسير الأحداث التي شهدتها منطقة ميزاب بأنها صدام "مذهبي أو طائفي" بين أتباع المذهبين المالكي الذي يسود منطقة المغرب العربي والإباضي الذي ينتشر في هذه المنطقة بشكل خاص، كما يذهب اليه عدد من المحللين ، هو تفسير "غير صحيح" برأي الباحث الجزائري ويعلل ذلك بأن "الإختلافات المذهبية والفقهية بين المذهبين الإباضي والمالكي محدودة جدا ولم تشكل تاريخيا أي عنصر تصادم بل كانت عنصر تكامل وتوافق منذ قرون"، معتبرا أن العنف الذي شهدته المنطقة ظاهرة يتجاوز نطاقها الطابع المحلي ومردها الى عوامل اجتماعية وثقافية وسياسية متداخلة.
ولاحظ ابراهيمي أن النظام الثقافي والتربوي والإجتماعي الخاص الذي تحصنت به تاريخيا هذه المنطقة الصحراوية التي يقطنها تاريخيا سكان من بني ميزاب (أمازيغ) والشعانبة (قبائل عربية)، تعرض "لتصدع غير مسبوق"،وذلك بفعل تأثيرات من أهمها ما تبثه وسائل الإعلام الحديث، ثانيا تأجج العصبية في علاقات قبائل وعروش المنطقة، ثالثا مصالح سياسية وحزبية ضيقة تتداخل فيها أدوار السلطة التقليدية في المنطقة مع عوامل التفرقة بين السكان والتي تعود جذورها الى سياسة السلطات الاستعمارية الفرنسية.
تمرد الشباب
وتشكل مظاهر حدة الصراع والصدامات بين فئات من سكان المنطقة، برأي الباحث الجزائري، مؤشرا اجتماعيا "خطيرا" ويكشف الى أي حد تراجعت ثقافة التضامن الإجتماعي التي تميزت بها المنطقة تاريخيا، وانقطاع التواصل بين الأجيال، وتنامي تأثير مكونات ثقافة العولمة، الأمر الذي أحدث خللا في شبكة العلاقات الإجتماعية، ومظاهر تمرد وخصوصا لدى فئات الشباب التي تعاني مشاكل مثل البطالة والسكن والحرمان الناتجة عن حالة الإقتصاد الجزائري الذي يجتاز عملية تحول صعبة بين الاقتصاد الموجه واقتصاد السوق.
فمقابل توجه فئات الشباب الى البحث عن مصادر ثقافة جديدة عبر وسائل تكنولوجيا الإعلام الحديثة مثل الانترنت والفضائيات، بدأ يتراجع نفوذ ومرجعية النسق التعليمي الديني التقليدي الذي أرسي في هذه المنطقة منذ عقود وصمد حتى في وجه النظام المركزي الجزائري عندما كان في عنفوانه في منتصف السبعينات في عهد الرئيس الراحل هواري بومدين، الذي أقر رسميا للمنطقة باعتماد نظام تعليمي خاص بها.
دور الشباب والمجتمع المدني
وفي مسعى لإخماد نار العنف الذي هز استقرار المنطقة وفي محاولة لإعادة أجواء التعايش والتفاهم بين سكانها، تظافرت جهود أعيان ونشطاء المجتمع المدني المحلي مع الحكومة الجزائرية التي نزلت بثقلها، وتم التوصل الى اتفاق أطلق عليه "ميثاق الشرف والسلم" في منطقة ميزاب، ويحمل اسم بلدة بريان التي شهدت أسوأ أحداث في ربيع هذا العام. ويتضمن الإتفاق بنودا لحل مشاكل المنطقة وإطلاق سراح عشرات المعتقلين وإنجاز برامج للتنمية وتوفير فرص العمل والسكن للشباب، واعتمدت الحكومة الجزائرية لذلك حوالي 10 مليون يورو.
وفي رده على سؤال حول فرص وآفاق نجاح هذا الميثاق، يعتقد أستاذ علم الإجتماع طاهر ابراهيمي أن مفهوم "الميثاق " بمعناه الاجتماعي قائم تاريخيا وأن "وثيقة الاتفاق الحالية هي أمرإيجابي ولكنه يعبر عن حالة استثنائية تجتازها المنطقة". واقترح الباحث الجزائري اعتماد رؤية اجتماعية جديدة تقدم أولا حلولا اقتصادية لمشاكل المنطقة وخصوصا فئات الشباب، وثانيا معالجة للإشكالات الثقافية المطروحة عبر نهج الحوار الفكري بين الأجيال وتشجيع قيم التعايش والتعددية.
واعتبر ابراهيمي أن نجاح أي استراتيجية لإعادة التلاحم الإجتماعي في منطقة ميزاب لا ينبغي أن تكون في شكل خطة رسمية يقتصر تنفيذها على المؤسسات الرسمية، بل من خلال الإعتماد على أعيان وشيوخ المنطقة وممثلي المجتمع المدني وهئيات الشباب.
الكاتب: منصف السليمي
مراجعة. حسن زنيند