1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

أسعار الذهب في مصر.. أسباب تفضيل المعدن الأصفر على الاستثمار

١٢ سبتمبر ٢٠٢٤

يقبل المصريون بشكل لافت على شراء الذهب كملاذ آمن لأموالهم بدلا من إقامة مشاريع زراعية وصناعية وحرفية. فلماذا هذا الاقبال على هذا المعدن النفيس، وهل هناك فرصة لتغيير الوجهة نحو مزيد من الاستثمار في الإنتاج؟

https://p.dw.com/p/4kTQe
سيدات يبحث عن مجوهرات مناسبة خلال معرض نيبو الدولي للذهب في القاهرة، ديسمبر/ كانون الأول 2022
شراء الذهب للزينة وكنوع من التأمين على الحياة يحظى بإقبال غير مألوف في مصر، ما هي أسباب ذلك؟صورة من: Ahmed Gomaa/XinHua/picture alliance

ارتفعت أسعار الذهب خلال السنوات القليلة الماضية لتصل إلى مستويات غير مسبوقة. ويدل على ذلك وصول سعر  الأونصة مؤخرا إلى نحو 2250 مقابل أقل من 1125 دولارا أوائل يناير/ كانون الثاني 2019. ويزداد الطلب على المعدن الأصفر كملاذ آمن بعيدا عن تقلبات أسعار العملات وتزايد التوترات الجيوسياسية الناجمة عن الحروب والنزاعات وعلى رأسها الحرب في أوكرانيا والحروب في الشرق الأوسط.

ويبدو أن الصين والهند من أبرز الدول التي تشتري الذهب وتتحوط به، لاسيما وأن بكين تسعى لتشكيل احتياطي كبير منالمعدن الأصفر لتعزيز استقرارها المالي وقوة عملتها "اليوان" التي تزداد أهميتها في التجارة العالمية إلى جانب الدولار واليورو وعملات أخرى. ونقلا عن وكالة الأبناء الألمانية (د ب أ) تفيد بيانات اقتصادية بأن البنك المركزي الصيني اشترى في النصف الأول من العام الجاري 2023 أكثر من 600 ألف أوقية ذهبية في إطار سياسة بدأها منذ سنوات لتحويل جزء متزايد من احتياطاته إلى المعدن النفيس.

ووفقا لمجلس الذهب العالمي فإن البنوك المركزية حول العالم وعلى رأسها البنك المركزي الصيني والبنك المركزي الهندي زادت مشترياتها من الذهب خلال عامي 2022 و 2023 بنسبة حوالي 70 بالمائة مقارنة مع معدل الزيادة خلال السنوات الخمس الماضية.

طالبة تتعلم حرفة تصنيع المجوهرات في مدرسة "ايجيبت غولد" بالقرب من القاهرة، فبراير/ شباط 2020
مصر من البلدان المنتجة للذهب وحرفة تصنيعه عريقة جدا هناك، إذ تعود إلى أيام البراعنةصورة من: Ahmed Gomaa/XinHua/picture alliance

خصوصية أسعار الذهب في مصر

وفي مصر ارتفعت أسعار الذهب بشكل أعلى من المعدل العالمي، حيث سجّل سعر الغرام من المعدن الأصفر 80 دولارا أواخر أغسطس/ آب مقابل 72 دولارا في السوق العالمية خلال نفس الفترة.  وبالطبع ليست التوترات الجيوسياسية الناجمة عن صراعات الشرق الأوسط وتوجهات وسياسات البنوك المركزية وحدها المسؤولة عن هذا الارتفاع. فهناك أيضا المخاوف من قيام بنك الاحتياط الفيدرالي الأمريكي بخفض أسعار  الفائدة على الدولار بشكل يضعف جاذبية الاستثمار في العملة الأمريكية ويقلل من قدرتها الشرائية. ويمتلك الكثير من المصريين الدولار بحكم تحويلات أبنائهم وأقاربهم المغتربين التي تزيد في المعدل على 18 مليار دولار سنويا. 

وفي المجتمعات العربية والشرقية كالمجتمع المصري يشتري الناس أو القادرين منهم الذهب بكثرة للزينة في مختلف المناسبات أو لحفظ المدخرات أو كبوليصة تأمين للكثير من النساء المقبلات على الخطبة والزواج. وبالنسبة إلى مصر هناك أيضا حب وغرام بالمعدن الأصفر يعود إلى أيام الفراعنة. ويفيد التاريخ بأن المصريين من أوائل الشعوب التي صهرت الذهب وحولته إلى مصوغات للزينة منذ 2500 سنة قبل الميلاد.

ومما لا شك فيه أن عوامل أخرى تقف وراء ارتفاع سعر المعدن النفيس في السوق المصرية. ومن هذه العوامل على سبيل المثال لا الحصر الخوف من تراجع الجنيه أمام الدولار الأمريكي مجددا ووضع قيود على استيراد الذهب الخام بشكل كبير. ويشهد على ذلك  تراجع الواردات نسبة أكثر من 94 بالمائة خلال عام 2023 مقارنة بعام 2022. وتفرض الحكومة المصرية هذه القيود بهدف توفير العملة الصعبة  اللازمة لاستيراد المواد الأساسية كالقمح.

اونصة ذهبية للاستثمار،،، غير أن الذهب يستخدم للزينة وأغراض آخرى على نطاق واسع..
الإقبال غير المسبوق على الذهب ضاعف أسعاره خلال سنوات قليلة، كيف يمكن توجيه الأموال من الذهب للاستثمار؟صورة من: Fotolia/Gina Sanders

توقعات بمزيد من الأسعار

تذهب معظم التوقعات إلى أن أسعار الذهب متجهة نحو مزيد من الارتفاع في السوق العالمية ومعها المصرية. ويقف وراء هذه التوقعات عدة عوامل أبرزها تزايد الحديث عن إقدام بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي على تخفيض أسعار الفائدة واتباع سياسات نقدية أكثر مرونة من شأنها إضعاف الدولار وخفض عائدات السندات الأمريكية.

أما العامل الآخر الذي لا يقل أهمية فيتمثل في استمرار التوترات الجيوسياسية الحالية في أوكرانيا والشرق الأوسط، وترجيح ازدياد التوترات بين الصين والغرب وفي مناطق أخرى كالبحر الأحمر. ولا ننسى الدور الذي يلعبه التضخم العالمي وارتفاع معدلاته في دفع المدخرين والمستثمرين لزيادة الطلب على الذهب كملاذ آمن لأموالهم.

لماذا هذا التركيز على الذهب

تُعد مصر من البلدان المنتجة للذهب، وإن لم تكن من أكبر الدول المنتجة. وتفيد المعطيات بأن إنتاجها السنوي من  الصحراء الشرقية يصل إلى 15 طنا. غير أن البلاد تتمتع بمخزون كبير من الذهب. فالاحتياطات الرسمية تقدر قيمتها بأكثر من 18 مليار دولار.

أما ما يملكه القطاع الخاص فمن الصعب تقديره لعدم توفر معطيات يمكن الاستناد إليها. غير أن حب وغرام المصريين بالذهب وإقبالهم على الادخار به منذ القدم تدفع إلى الاعتقاد بأن أموالا مصرية كبيرة مستثمرة أو مجمدة في المعدن الأصفر بأشكال مختلفة أبرزها الحلي والمجوهرات. 

ابراهيم محمد، خبير في الشؤون الاقتصادية
ابراهيم محمد: مصر بحاجة إلى مناخ استثمار يدفع الناس بشكل أقوى إلى الاستثمار في الإنتاج بدلا من شراء المجوهراتصورة من: Boris Geilert/DW

أين الذهب من الاستثمار في الإنتاج؟

والسؤال هنا لماذا لا تستثمر هذه الأموال أو جزءا هاما منها في مشاريع الإنتاج الزراعي والصناعي بهدف إدخال المزيد من التنويع على الاقتصاد المصري ودفعه بخطوات قوية على طريق التنمية المستدامة. وتكمن أهمية هذه المشاريع في تعزيز فرص النمو وخلق فرص العمل والحد من استيراد المواد الأساسية بشكل يخفف العجز المزمن في الميزان التجاري والذي بلغت قيمتها خلال العام الماضي لوحده أكثر من 41 مليار دولار أمريكي.

الجدير ذكره أن نحو 16 بالمائة من قيمة الواردات المصرية ذهبت في عام 2023  إلى المواد الغذائية وعلى رأسها القمح. ويعني ذلك بالدولار الأمريكي أكثر من 13 مليار دولار. ومن هنا ينبغي أن تحتل مسألة إعادة النظر في مناخ الاستثمار وجعله أكثر جاذبية للعمل في مجالات الإنتاج المحلي إحدى أولويات المرحلة القادمة. ومما يتطلبه ذلك اتباع سياسات وإجراءات أقل تعقيدا وبيروقراطية بهدف تعزز ثقة المصريين  والمستثمرين الأجانب بقطاعات الإنتاج المحلي وتعزيز الأمان الاقتصادي الذي تتطلبه مشاريعهم.

وإلى جانب هذه الإجراءات لا بد من تقديم حوافز ضريبية إضافية وتخفيض تكاليف التمويل من خلال القروض بفوائد أكثر يسرا للمشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تشكل المصدر الأساسي لفرص العمل والإنتاج وإيرادات الدولة في المجتمعات الصاعدة والصناعية. وفي هذا السياق لا بد من توقف الدولة عن لعب دور المنافس القوي للقطاع الخاص على أساس عدم تكافؤ الفرص بين الطرفين بدلا من أن تكون منظما وداعما لأنشطته.

الذهب ملجأ المصريين من الأزمة