ألمانيا "تقسو" على لاجئين عرب من أوكرانيا لأن بلدانهم "آمنة"
١٤ أبريل ٢٠٢٢قضي قرابة عشرين عاماً من عمره رفقة زوجته الأوكرانية، لكن الحرب الدائرة في بلدها فرقتهما. وبينما تمكنت الزوجة من الالتحاق بأقارب لها في بولندا، لم يحصل الزوج على تصريح إقامة هناك أو حتى في ألمانيا، التي كان يأمل الاستقرار بها. والسبب ضياع جميع وثائقه الشخصية خلال الحرب، ومنها وثيقة الإقامة الدائمة في أوكرانيا. قضية هذا اللاجئ التونسي وقضايا أخرى عديدة مماثلة لها، تطوع المحامي التونسي الألماني، من مدينة كولونيا، مهدي العبيدي، للدفاع عنها.
من بين اللاجئين الفارين من حرب أوكرانيا، الذين يطرح تواجدهم في ألمانيا حاليا إشكالية كبرى، يذكر المحامي المختص والباحث في قانون الأجانب والقانون الدولي، الأشخاص المنحدرين من بلدان شمال أفريقيا. ويوضح في حواره مع DW عربية: "المشكلة هي أن العمال والطلبة من بلدان شمال أفريقيا لا يتم تصنيفهم ضمن اللاجئين الفارين من الحرب، وإنما ضمن الأشخاص المتواجدين بشكل غير قانوني في ألمانيا". وتابع العبيدي: "لديّ حالتان من هؤلاء الطلبة الذين تم تخييرهم بين تقديم اللجوء أو مغادرة التراب الألماني. هما يرفضان تقديم اللجوء لأن ذلك قد يعرضهما للترحيل إلى بلدانهم الأصلية فيما بعد".
لاجئون "غير شرعيين" في نظر القانون
فكرة العودة إلى تونس، يستبعدها الطالب التونسي قيس لعريضي في الوقت الحالي. قيس يدرس في أوكرانيا منذ ثمانية أشهر. الطالب الذي اختار دراسة تخصص هندسة مكانيكا السيارات، حصل على إقامة مدتها خمس سنوات في أوكرانيا، لكن دائرة الهجرة وشؤون الأجانب في مدينة شفيرين الألمانية، رفضت منحه، إقامة الحماية المؤقتة، على حد قوله. كما يوضح الطالب في حواره مع DW عربية: "رفضوا منحنا إقامة الحماية المؤقتة بداعي أننا لا نحمل إقامة دائمة أو جواز سفر أوكراني، وطلبوا منا مغادرة التراب الألماني لأننا من تونس. كما تم حجز جوازات سفرنا ووثائق الإقامة في أوكرانيا". وبدلا من الحماية المؤقتة، حصل قيس على ما يُعرف بـ "شهادة عبور الحدود"، تلزمه بمغادرة التراب الألماني والاتحاد الأوروبي خلال شهر.
"شهادة عبور الحدود" هي وثيقة يتم إصدارها من قبل الإدارات الألمانية المختصة بالهجرة وشؤون الأجانب، في حالة طُلب من الشخص مغادرة التراب الألماني في غضون فترة زمنية معينة. كما تستخدم هذه الوثيقة لإثبات مغادرة البلاد.
في رد منها على استفسار من DW عربية حول حالات بعض اللاجئين من بلدان شمال أفريقيا ومن بينهم، الطالب التونسي قيس لعريضي، الذين حصلوا على وثيقة تلزمهم بمغادرة التراب الألماني بعد وقت معين، بدل إقامة الحماية المؤقتة كغيرهم من اللاجئين، نفت متحدثة باسم إدارة الهجرة وشؤون الأجانب في مدينة شفيرين، توافد مثل الحالات المذكورة عليهم وقالت: "لم تصادفنا في ولاية ميكلينبورغ-فوربومرن مثل هذه الحالات. ربما قد تندرج ضمن الحالات الوافدة على مستوى الجمهورية الاتحادية".
عدد من اللاجئين الفارين من أوكرانيا الذي اصطدموا بالقوانين الألمانية، توجهوا إلى بلدان أخرى في الاتحاد الأوروبي. وهذا ما فكر في القيام به الطالب التونسي إبراهيم، الذي تعرض مسكنه والجامعة التي كان يدرس بها للقصف، وترك كل شيء خلفه، آملاً في أن يجد الحماية في ألمانيا. لكن بعد المعاملة "السيئة" التي تعرض لها هو ولاجئون آخرون، فروا معه، من قبل المشرفين على أحد مراكز إيواء اللاجئين في ألمانيا، بات مقيماً بطريقة غير شرعية في ألمانيا، ومهددا بالترحيل إلى بلده الأصلي في أية لحظة، كما روى في حديثه لـDW عربية.
" تم طردنا من مركز إيواء اللاجئين بدعوى أننا لا نملك الحق في تقديم طلب اللجوء أو الحماية لأن بلدنا آمن. وجدنا أنفسنا في الشارع. عدنا في الليل إلى نفس المكان، لكن تم حجز جوازات سفرنا وبقية وثائقنا الشخصية. ورغم مطالبتنا لهم مراراً وتكراراً بإعادتها إلينا للتوجه إلى بلد آخر؛ رفضوا وقالوا إننا متواجدون في ألمانيا بطريقة غير شرعية".
تأثير اليمين الشعبوي؟
معاناة اللاجئين المنحدرين من بلدان شمال أفريقيا في ألمانيا، دفعت البعض منهم إلى حد التفكير في العودة إلى أوكرانيا رغم استمرار الحرب هناك، كما روى إبراهيم عن معاناة اثنين من اللاجئين الذين فروا برفقته، أحدهما كان يعمل طبيباً في أوكرانيا. أما الآخر فسائق سيارة أجرة، حصل على ما يعرف بـ "شهادة عبور الحدود" منذ اليوم الأول له في ألمانيا ويفكر الآن في مغادرة ألمانيا، بعد قرابة شهر قضاها في هذا البلد من دون أن يحصل على "الحماية" التي كان يتطلع لها.
على خلاف قيس وإبراهيم، حصل الطالب المغربي عبد الغني على إقامة الحماية المؤقتة مدتها ستة أشهر، لكن مع التنبيه على أن هذه الإقامة غير قابلة للتمديد، كما أكد ذلك في حديثه لـ DW عربية: "تم تنبيهنا إلى أننا لا نملك إقامة دائمة في أوكرانيا أو جواز سفر أوكراني وبالتالي لا يمكن للسطات تمديد إقامة الحماية المؤقتة لنا". بعد أربع سنوات قضاها في دراسة طب الأسنان بأوكرانيا، يحاول عبد الغني إنقاذ مستقبله الدراسي والبحث عن فرصة للاتحاق بإحدى مدارس تعليم اللغة الألمانية.
هذه الفرصة أيضا قد لا يجد لها البعض سبيلاً، كما روت الطالبة المغربية، حفصة لـDW عربية. فبعد نقلهم من مركز لإيواء اللاجئين إلى آخر، استقر بها الحال لدى عائلة ألمانية تطوعت لاستقبالها في بيتها المتواجد بإحدى القرى شبه النائية الواقعة في ولاية ساكسونيا السفلى، على حد قولها. "لا معالم للحياة هنا. المواصلات شبه مقطوعة. وحتى إن أردت البحث عن إمكانية لإنقاذ خمس سنوات من التحصيل الدراسي عبر دراسة اللغة أو ما شابه، يجب عليّ قطع مسافات طويلة والبحث عن مكان آخر للإقامة".
طُلب منه مغادرة ألمانيا نحو بلده الأصلي في بداية الأمر، غير أن الطالب المغربي "بدر الدين ح."، الذي كان يتابع دراسته الجامعية في تخصص الطاقات المتجددة باللغة الإنجليزية في السنة الثالثة بأوكرانيا، أصر على ترحيله إلى البلد الذي فر منه وهو أوكرانيا بدل بلد المنشأ، المغرب. الأمر الذي مكنه في نهاية المطاف من إقناع الموظف بدائرة الهجرة وشؤون الأجانب، فمنحه إقامة الحماية المؤقتة في ألمانيا، لكن ذلك لا يمنحه أملاً في مستقبل أفضل، كما صرح والده من مدينة سطات المغربية في حديثه لـDW عربية: "لازالت المعاناة مستمرة. فالحرب لم تنتهِ بعد حتى يعود ابني وباقي الطلبة والطالبات إلى أوكرانيا، ولا الدولة الألمانية خرجت بقرار لإدماجهم من أجل إتمام دراستهم. أتمنى أن تخرج الدولة الألمانية بقرار له بعد إنساني".
وجود اختلاف في التعامل مع ملفات اللاجئين في بعض الأحيان بناءً على "اجتهادات" لصالح أو ضد اللاجئ يعود، بحسب المحامي التونسي الألماني مهدي العبيدي، إلى "وجود تأثير للأحزاب المعادية للأجانب واليمين المتطرف على إدارات ولاية ما دون أخرى". وانطلاقاً من أكثر من عشرين عاماً قضاها في مهنة المحاماة في ألمانيا، تحدث العبيدي عن لمسه "معاملة سيئة" للأجانب بصفة عامة، وأوضح قائلاً: "للأسف بعض إدارات الهجرة والأجانب في ألمانيا لا تخلو من العنصرية المفضوحة والصريحة أحياناً". وتابع المحامي، المختص في قانون الأجانب والقانون الدولي، مؤكداً أنه اطلع على حالات للاجئين قادمين من دول شرق أوروبا، فروا من أوكرانيا "لكن لم يتم التعامل معهم بنفس النهج وتهديدهم بالترحيل إلى بلدانهم التي تعتبر آمنة أيضاً".
"بلدان آمنة" ومستقبل غير آمن!
تمكن مهدي العبيدي من انتزاع حق الحصول على إقامة الحماية المؤقتة لكل من قيس وإبراهيم، اللاجئين القادمين من أوكرانيا، بعد حجز وثائقهما وتهديدهما بالترحيل من ألمانيا. لكنها تعد خطوة أولية فقط، وفق العبيدي."على السلطات الألمانية إعطاء تعليمات للإدارات المختصة بالهجرة وشؤون الأجانب من أجل تسهيل تواجد الجالية والطلبة المنحدرين من شمال أفريقيا على أراضيها، عن طريق منحهم نفس الحقوق المعطاة للطلبة الأوكرانيين، لأنه حتى اللحظة يصنف هؤلاء على أنهم أشخاص متواجدون في ألمانيا بشكل غير قانوني، على الرغم من أنهم أيضاً لاجئون فارّون من الحرب"، يقول المحامي الألماني التونسي من مدينة كولونيا.
ومن أجل الاستفسار عن مصير العديد من اللاجئين من بلدان شمال أفريقيا في ألمانيا، توجهت DW عربية إلى مفوضة الحكومة الألمانية للهجرة واللاجئين والاندماج، لكن لم تحصل على رد إلى حدود كتابة هذه الأسطر. وفي المقابل أوضح متحدث باسم المكتب الإتحادي للهجرة وشئون اللاجئين (BAMF) لـDW عربية أنه "بموجب المادة 24 من قانون الإقامة، تمنح ألمانيا إقامة الحماية المؤقتة للأشخاص عديمي الجنسية ومواطني دول العالم الثالث، الذين كانوا يقيمون بشكل قانوني في أوكرانيا ولا يستطيعون العودة بأمان وبشكل دائم إلى بلدانهم الأصلية، و لم يكونوا في أوكرانيا فقط لإقامة قصيرة مؤقتة. وينطبق هذا بشكل خاص على الطلاب والأشخاص المقيمين في أوكرانيا لأغراض أخرى غير الزيارات أو العمل المربح قصير الأجل".
قيس، إبراهيم، عبد الغني وحفصة، وغيرهم العشرات من اللاجئين الذين تُصنف بلدانهم ضمن خانة "البلدان الآمنة"، يجدون أنفسهم بين نارين. نار ألمانيا التي تعتبرهم وفق القانون لاجئين "غير شرعيين"، ونار مستقبلهم غير الآمن في بلدانهم "الآمنة".
الكاتبة: إيمان ملوك