ألمانيا - جنّة أوروبا لفن المسرح
١٠ يوليو ٢٠٠٩حول المسرح وأهميّته الفنية قال المخرج المسرحي الألماني الشّهير ماكس راينهارت ذات مرّة "أؤمن بأزلية المسرح"، مضيفا "أن المسرح يُشكّل ذلك المنفذ الرّوحي لأولائك، الذين أخفوا طفولتهم في حقائب وفرّوا بها ليتمكّنوا من التمثيل على خشبة المسرح، حتّى نهاية العمر." وليس من محض الصّدفة أن يكون للمسرح في ألمانيا تلك المكانة الخاصّة، ذلك أنّها توصف بأنّها "جنّة أوروبا للمسرح".
تنوّع وثراء مسرحي متميّز
ففي ألمانيا تمتلك الدولة وتموّل نحو 150 دار للمسرح، ثلثها دور تأوي تحت سقف واحد ثلاثة أنواع من المسارح: مسرح للتّمثيل وآخر الرّقص وآخر للعروض الموسيقية والغنائية. كما يوجد بالإضافة إلى ذلك نحو 280 مسرحا خاصّا بمختلف الاتجاهات والتقاليد الفنّية والحجم والانتماء الجهوي والثقافي. ويتردّد نحو 35 مليون شخص من مختلف الأعمار سنويا على نحو 110 ألف عرض مسرحي وسبعة آلاف حفل موسيقي.
ويُعدّ مسرح "تيدر" (Teader) في بلدة فرانسهايم في ولاية راينلاند بفالس أصغر مسرح على الإطلاق في ألمانيا، حيث تكاد خشبة المسرح تسع أربعة ممثلّين، أمّا قاعة المتفرّجين فتحتوي على عشرين مقعدا. في حين تعدّ دار المسرح الألماني في برلين، إلى جانب دار الأوبرا التّابعة لولاية بفاريا، من ضمن دور المسارح الكبيرة في ألمانيا، حيث تسع 1600 متفرّجا وتقدّم أكثر من 300 عرض مسرحي في السّنة. إلى ذلك، يوجد في ألمانيا نحو أربعين مهرجانا مسرحيا، بالإضافة إلى 150 دار للمسرح ودور عرض دون فرق مسرحية ثابتة وكذلك نحو مائة عرض مسرحي غير مرتبط بدور مسرحية معيّنة وعدد لا يُحصى من الفرق المسرحية الحرّة.
تاريخ عريق في فنّ المسرح
ويعود هذا التنوّع والثراء المسرحي في ألمانيا إلى تاريخها العريق في هذا المجال، ذلك أن الأمراء وكبار النبلاء كانوا يحرصون قديما على استضافة عروض مسرحية في قصورهم دلالة وإبرازا لمكانتهم المرموقة. ثم أصبحت الطّبقة البورجوازية المثقّفة ترى في المسرح أداة للتعريف بالذّات. وتمكّنت قطع مسرحية على غرار "فاوست" للكاتب المسرحي الألماني يوهان فولفغان غوته من تحويل "أبو الفنون" الذي يطلق عليه أيضا الفنّ الرّابع إلى محطّ اهتمامات الحياة الثقافية للشّعب الألماني. وعلى الرّغم من أن عدد دور المسرح البلدية لم تتجاو 16 في بداية القرن العشرين، إلاّ أن عدد دور المسارح الخاصّة بلغ 360.
بيد أ، فنّ المسرح شهد خلال فترة الحكم النازي نكسة كبيرة، ذلك أن العديد من الممثلين والمخرجين والكتّاب المسرحيين، ومن ضمنهم ماكس راينهاردت وبرتهولت بريشت، قد اضطروا للهرب من بطش النّظام النازي. كما مثّلت إعادة توحيد ألمانيا فترة صعبة لعدد من دور المسرح وخاصّة منها في برلين، ذلك أن العديد من دور المسرح في الجزء الشرقي في برلين قد واجهت، بعيد سقوط الجدار وتوحيد الألمانيتين، مشاكل مالية كبيرة إلى درجة أنّه تمّ إغلاق البعض منها. ومنذ عام 2007 أصبح لعالم المسرح في ألمانيا جائزة خاصّة تضاهي جائزة الأوسكار في هوليود، وهي جائزة فاوست. وتمنح هذه الجائزة في تسع فئات، من بينها فئة أفضل ممثّل وأفضل إخراج. كما يُعدّ لقب "مسرح السّنة" من أهمّ مقاييس النشاط المسرحي في ألمانيا، ويتمّ منح هذا اللّقب سنويا من قبل مجلّة "المسرح اليوم". يذكر في هذا السّياق أنّ مسرح "تاليا" في مدينة هامبورغ قد فاز بلقب "مسرح السّنة" لعام 2007.
الكاتبة: آناستاسيا بوتسكو/ شمس العياري
مراجعة: هيثم عبد العظيم