أنجيلا ميركل والطريق إلى مكتب المستشارية

بعد مشاورات بين الحكومة الاتحادية بزعامة المستشار الألماني غيرهارد شرودر وأحزاب المعارضة تم الاتفاق على الـ 18 من شهر سبتمبر/أيلول المقبل كموعد لإجراء انتخابات البرلمان الألماني (بوندستاغ). ونتج هذا الموعد عن البرنامج الزمني للحكومة وحسابات الوقت الذي تستغرقة عملية طرح الثقة. فشرودر يرغب في طرح سؤال الثقة حول حكومته في البوندستاغ غرة يوليو/تموز، على حد قول توماس شتيغ نائب المتحدث بإسم الحكومة الاتحادية. وفي حالة نجاح مساعي شرودر لسحب الثقة وبالتالي حل البرلمان من قبل الرئيس الألماني هورست كولر تبدأ مهلة زمنية تبلغ 81 يوماً لإجراء انتخابات نيابية جديدة. اما فرانس منونتيفيرنيغ زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي فهو يؤكد على استمرارية تطبيق سياسة الإصلاح التي يتبناها حزبه وأن الحزب سيكافح بكل ما أوتى من قوة لكي يستمر غيرهارد شرود في حكم ألمانيا. منونتيفيرنيغ يضع نصب عينية أن يصبح الائتلاف الحاكم حالياً مرة أخري أقوى كتلة برلمانية في البوندستاغ.

ولكن الكثير من المحللين السياسيين يرون أن تصريحات فرانس منونتيفيرنيغ ليست سوى أحلام لن يُكتب لها أن تتحقق علي أرض الواقع. ويتنبأون بأن غيرهارد شرودر لن يبقى في منصب المستشار بعد إعلان نتائج الانتخابات المقبلة وأن شخص أخر سيحل محله. في هذا الصدد يترد كثيراً اسم أنجيلا ميركل زعيمة للحزب المسيحي الديمقراطي المعارض. أنجيلا ميركل ابنة القس وحاملة شهادة الدكتوراه في علم الفيزياء والقادمة من منطقة مارك براندنبورغ في المانيا الشرقية والتي يطلق عليها الجميع لقب " فتاة كول" تعلمت درسا بليغا من مربيها السياسي المستشار السابق هلموت كول يساعدها على شق طريقها السياسي وسط المناوئين لها.

فيزيائية ميركل السياسية

ولدت أنجيلكا دوروتيا كاسنر (أنجيلا ميركل) في هامبورغ عام 1954. بعدها انتقلت أسرة الطفلة أنجيلا إلى منطقة مارك براندنبورغ في ألمانيا الشرقية حيث عمل والدها كاهناً في مدينة تمبلن في ولاية براندنبورغ. كانت أنجيلا ميركل في شبابها عضواً ناشطاً في منظمة شباب ستالين، وتخصصت أثناء دراستها الجامعية في علم الفيزياء بجامعة ليبتزغ وحازت درجة الدكتوراه عام 1986 .وفي خلال سنوات قليلة صعدت ميركل بسرعة الصاروخ من كونها عالمة فيزيائية مغمورة تعمل في أحد مختبرات برلين الشرقية إلى سيدة أصبحت حديث الساعة في الحزب المسيحي الديمقراطي.

ميركل سيدة المواقف الصعبة

اعتاد المستشار السابق هيلموت كول الذي أتى بميركل إلى مجلس وزرائه في عام 1991 أن يخاطبها بشكل أبوي مستخدماً كلمة "فتاتي". و بعد توليها قيادة الحزب المسيحي الديمقراطي غالباً ما وقفت ميركل وقفة صحيحة في الوقت الملائم كزعيمة وكثيراً ما برعت في مناورة معارضيها. كما قامت بإخراج حزبها من فضيحة التبرعات عام 2000 والتي طاولت كل من رئيسه السابق هيلموت كول وخلفه فولفغانغ شويبله. وكانت فتاة كول هي أول مسئول رفيع المستوى بالحزب المسيحي الديمقراطي يهاجم المستشار السابق بعد تفجر فضيحة التبرعات السرية.

مناورة سياسية جاءت في الوقت الملائم ...

وجاءت مناورة المستشار شرودر السياسية بعد الهزيمة النكراء التي حلت بحزبه في انتخابات ولاية شمال الراين وستفاليا ملائمة لبرنامج ميركل الزمني. فمناوئوها داخل الحزب لا يستطيعون الآن إقحام أنفسهم في النقاش المندلع حول اختيار المرشح لمنصب المستشارية. وهذا يعني أنه لا يبقى أمامهم سوى أن يفعلوا كل شيء من اجل أن تقود ميركل حملتها الانتخابية ضد معسكر الاشتراكيين والخضر إلى الفوز. ومن المتوقع أن تشكرهم ميركل بتقديم مناصب وزارية جذابة لهم في حكومتها المقبلة.

... لكنها محفوفة بالمخاطر

لكن الويل كل الويل لميركل إذا فشلت في الانتخابات ونجح شرودر على عكس كل التوقعات، عند ذاك سيعتمد مناوئوها داخل الحزب الخطة البديلة. والمعروف عن الديمقراطيين المسيحيين الألمان أنهم لا ينتهجون نهجاً ورعاً في مثل هذه الحالات. لكن كل المعطيات الحالية تشير إلى أن رئيسة الحزب المسيحي الديمقراطي ستكون أول امرأة تتبوء منصب المستشار في ألمانيا. بعدها تبدأ المخاطر الحقيقية في الإحاقة بها. فالاتحاد المسيحي سيتجنب حتى ذلك الوقت الحديث عن حجم التقليص في النظام الصحي ونظام المعاشات الذي سيتبناه. أما بعد الانتخابات فسينبغي كشف ما هو مقرر وبصريح العبارة.

تصور مستقبلي لما سيكون

السيناريو المتوقع في حالة تشكيل ائتلاف حكومي جديد بين الحزب الديمقراطي المسيحي وحزب الليبراليين الأحرار بعد الانتخابات القادمة، هو أن تتقلد ميركل منصب المستشار في ألمانيا ثم تكشف النقاب عن إجراءات قاسية لإنعاش الاقتصاد الألماني. هذه الإجراءات ستأتي بثمارها في النصف الثاني من الولاية التشريعية المقبلة مما يسهل فوز التحالف الحاكم بولاية تشريعية ثانية مستفيداً من نجاحه كمنقذ للاقتصاد. لكن الاتحاد الديمقراطي المسيحي لا يقدم أكثر مما قدمه التحالف الحاكم حالياً والمتمثل بحزبي الاشتراكي الديمقراطي والخضر إلا في مجال واحد هو إشباع رغبات الدوائر الاقتصادية على حساب العمال. وإذا لم يتحقق كل ذلك ستهب رياح عاتية ضد تحالف الحزبيين المسيحيين والليبرالي. ولابد من القول أن البرنامج الاقتصادي والاجتماعي لميركل غير مقنع. ولو كانت أنجيلا ميركل قبل ثلاث سنوات في منصب المستشار بدلاً من غيرهارد شرودر لكانت قوات الجيش الألماني (البوندسفير) منتشرة اليوم على ضفاف نهري دجلة والفرات. ختاما لابد من القول إن الأبواب مفتوحة اليوم أمام ميركل لتدخل مكتب المستشارية. لكن معطف المستشار يبدو واسعاً وفضفاضاً عليها. ولكي يُملأ هذا المعطف يتطلب الأمر ما هو أكثر من غريزة السلطة.

هانز يورغن ماير

ترجمة: حسن حسين / إعداد: علاء الدين سرحان