إحتجاجات الخرطوم.. مشاركة الأحزاب السياسية قوى دفع جديدة
٣ يوليو ٢٠١٢مُفردة " لحس الكوع" التي جرى تداولها الأسبوع الماضي في العديد من وسائل الإعلام العالمية والعربية، والتي أُطلقت على المظاهرات والاحتجاجات التي اجتاحت العاصمة السودانية الخرطوم خلال الأيام الماضية احتجاجا على قرار رفع الدعم عن المحروقات وموجة الغلاء الكاسحة، تُعتبرُ مُفردة سودانية محلية تعنى تحقيق المستحيل. و كانت هذه المفردة قد أستخدمها كثيراً القيادي المُثير للجدل بحزب المؤتمر الوطني، الدكتور نافع علي نافع، في سياق استفزازه للقوى السياسية المعارضة، عندما وصف المعارضة بالضعف وعدم القدرة على تحريك الشارع السوداني ضد حكومته. و قال إن المعارضة غير قادرة على تحريك الشارع وعليها أن تجرِّب " لحس الكوع" إذا أقدمت على خطوة من هذا النوع، حسب عبارته، في إشارة لاستحالة ذلك بالنسبة للمعارضة.
و يبدو أن احتجاجات الأسبوع الماضي التي انتظمت في الخرطوم وأم درمان بحري، بجانب مدن أخرى في السودان، كانت بمثابة ردٍ عملي لاستفزازات القيادي الإسلامي نافع، ورسالة غاضبة من المتظاهرين مفادها: نحن "قادرون على تحقيق هذا المستحيل"!
تحرُّكات عفوية
من جهةٍ أخرى، فان كثيرا من المراقبين يرون أن الاحتجاجات الأخيرة من الطلاب والشباب وبعض المواطنين كانت عفوية ولا صلة لها بالقوى السياسية المعارضة. ويشير بعض المحللين إلى أن هذه المظاهرات حركتها بعض القوى الشبابية والحركات المناهضة للحكومة مثل مجموعة " قرفنا" و" شباب من أجل التغيير" وغيرهما من الحركات الشبابية ولا صلة لها بالأحزاب السياسية المناهضة للحكومة.
و على إثر الدعوة التي وجهتها مجموعات شبابية مناوئة لقرارات الحكومة الاقتصادية، في عددٍ من المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، للتظاهر و الاحتجاج على سياسات الحكومة الاقتصادية الأخيرة، يوم الجمعة الماضي، فيما أُطلق عليه " جمعة لحس الكوع"، تدافعت جموع كبيرة من المواطنين والمجموعات الشبابية والطلابية، إلى مسجد الأنصار بمدينة أم درمان العريقة، لأداء فريضة صلاة الجمعة ومن ثمَّ الخروج إلى الشارع، حال الفراغ من أداء الشعيرة.
قمع عنيف
من جانب آخر كانت السلطات الأمنية و قوات الشرطة تُراقب وترصدُ، من وقتٍ مُبكر، مكان تجمع المتظاهرين بالقرب من مسجد الأنصار، حيث اصطفت سيارات الشرطة والقوات الأمنية المختلفة بأعدادٍ كبيرة، في الساحة الخارجية للمسجد.
حالما فرغ المصلون من أداء صلاتهم، و تهيأوا للخروج من ساحة المسجد تحرشت بهم القوات الأمنية، ومن ثمَّ اقتادت أعداداً كبيرة منهم إلى مراكز أمنية، واستخدمت الهراوات والغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي ضد البعض منهم، الأمر الذي خلَّف العديد من الإصابات وسط المتظاهرين الذين تمَّ إسعافهم لاحقاً في المستشفيات والمراكز الطبية في الجوار.
أثار قمع المتظاهرين واعتقالهم بهذه الصورة التي وصفها بعض هيئات حقوق الإنسان بالوحشية، العديد من ردود الأفعال في الكثير من المنابر داخل وخارج السودان. في ذات السياق أكدت الهيئة السودانية للدفاع عن الحقوق المدنية والحريات العامة اعتقال العشرات في تظاهرات الجمعة الماضية. و أعلنت إصابة العشرات منهم جرَّاء قمع السلطات الأمنية، وأدانت الهيئة العنف المفرِّط الذي استخدمته الشرطة ضد المحتجين.
وقال منسق الهيئة، الدكتور فاروق محمد إبراهيم، لدويتشه فيله إن السلطات تصدت بعنف للمظاهرات التي اندلعت عقب صلاة الجمعة بمسجد الأنصار بـ"أم درمان" ومسجد السيد علي الميرغني بالخرطوم بحري وبعض المساجد بالولايات حيث خرج المئات من المصلين ينددون بالغلاء.
وشددَّ إبراهيم على أن انتهاكات الحكومة لحقوق الإنسان مستمرة بشكل وصفه بالخطير، ودعا الحكومة إلى وقف قمع المتظاهرين وإطلاق سراح المعتقلين.
فيما دعت الجبهة السودانية للتغيير أعضائها وجماهير الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني في بيانٍ، حصلت دويتشه فيله على نسخةٍ منه، إلى الخروج إلى الشارع "لاقتلاع النظام من جذوره" على حدِّ عبارات البيان.
صيف ساخن
في حين كشف الناشط و الإعلامي، مصطفى سرى، عن أتساع نطاق المظاهرات والاحتجاجات لتمتد خارج حدود العاصمة. وقال سرى لـدويتشه فيله إن المظاهرات التي بدأت بشكل محدود ضد سياسات التقشف اتسع نطاقها من مظاهرات طلابية محدودة في الجامعات لتشمل العديد من الأحياء السكنية مما يعنى أن المواطنين أصبح لديهم مصلحة في الاحتجاج، وذلك أدى إلى رفع سقف المحتجين بالمناداة بإسقاط النظام للمرة الأولى منذ 23 عاماً.
وأكد سرى أن المناخ في السودان أشبه بالربيع العربي، وهو مناخ عارم وزاد" ليس هناك فصل ربيع في السودان، ولكنه صيف ساخن". وقارن سرى بين انتفاضة أبريل عام 1985 وهذه الاحتجاجات، وقال إن احتجاجات أبريل كانت ترفع شعارات ضد الأوضاع الاقتصادية المتردية . وأشار إلى أن ما استفز الجماهير وقتها "أحاديث الطغاة"، حيث وصف النميري المظاهرات ضد نظامه بأنها تدبير من الشماسة ، أي المشردين، في حين وصف البشير المتظاهرين ضد قرارات حكومته بأنهم "شذاذ آفاق"!
و في سياقٍ ذي صلة، أكد سرى أن الأحزاب موجودة بقواعدها في هذه المظاهرات، ودلل على ذلك بخروج المظاهرات من مسجد الإمام عبد الرحمن المهدي والذي يتبع لطائفة الأنصار وهم قواعد حزب الأمة المعارض دليل.
وختم سرى حديثه بأن الشعب السوداني "حجز مقعده في خارطة التغيير الديمقراطي" التي يشهدها الإقليم.
برّ الأمان
وليس بعيداً عن ما أورده مصطفى سرى، ما ذهب إليه المحلل السياسي بهرام عبد المنعم الذي يرى أن الاحتجاجات والمظاهرات الأخيرة في الخرطوم، رغم العنف، منقطع النظير و الذي واجهتها به قوات الأمن إلا أنها ستصل إلى "برّ الأمان"، على حدِّ تعبيره.
وكشف عبد المنعم لدويشته فيله عن أن الإساءات الشخصية للشعب السوداني من قبل الرئيس البشير ووصفه له بـشذاذ الآفاق سيُزيد الأزمة تعقيداً، وستشعل مزيداً من أعواد الثقاب لإزالة نظام الخرطوم.
وقال إن مشاركة القوى السياسية في خط الاحتجاجات سيكسبها قوة ومنعة. إلا انه نبه إلى أن المطلوب تكاتف القوى السياسية والابتعاد عن المكاسب الشخصية الضيقة، والالتفات "لإنجاح الهبة الشعبية"، وإزالة النظام.
وعى عفوي
فيما أوضح المخرج المسرحي والناقد ربيع يوسف أن سياسات الحكومة تدفعُ الشارع دفعاً للاحتجاج ضدها. وقال يوسف لدويشته فيله إن تصريحات بعض المسؤولين وتعليقاتهم حول هذه الاحتجاجات إنما تعمل على استفزاز الشارع وتدفعه لتنظيم صفوفه لاسترداد كرامته. وأضاف أن كل هذه الأمور، مضاف إليها وعي السودانيين بما يجري حولهم في المحيط الإقليمي والداخلي إنما ستجعلهم يبدعون في طرقهم الخاصة في التغيير. وستحاول قوى المعارضة الاستفادة من هذا الوعي للإطاحة بالنظام. ويرجح يوسف أن التغيير سيتم بفضل الوعي الجماهيري العفوي، سيما وأن هذه الجماهير صارت "تكتوي بشكل مباشر من سياسات الحكومة"
من جهته أنكر القيادي في الحزب الحاكم، ربيع عبد العاطى، وجود احتجاجات من أساسه ضد نظامه، وقال " حتى لو كانت هناك احتجاجات فهي ليست مؤثرة". وأعتبر أن" كافة جماهير الشعب السوداني تتفهم سياسات حكومته الاقتصادية".
عثمان شنقر – الخرطوم
مراجعة: حسن ع. حسين