استفحال ظاهرة عنف الملاعب في تونس
٥ ديسمبر ٢٠١٠ستحتفظ حنان قيراط الصحافية الشابة بجريدة "الصباح" التونسية بذكرى سيئة عن يوم 13 نوفمبر 2010 الذي خسر فيه نادي الترجي التونسي (أمام جماهيره) كأس دوري أبطال إفريقيا لكرة القدم أمام ضيفه "مازيمبي" الكونغولي، ليس لأنها من محبّي الترجي بل لأنّها خضعت خلال هذا اليوم إلى عملية جراحية عاجلة على الفك إثر تعرضها لإصابة بليغة عندما هاجم أحد متعصبي الترجي بالحجارة حافلة النقل العمومي التي كانت تستقلّها. وقالت الصحافية لدويتشه فيله :"من سوء حظّي أن الحجر الذي هشّم به هذا المتهور زجاج الحافلة اتجه نحوي مباشرة ليصيبني على مستوى الوجه ويخلف لي ثلاثة كسور مزدوجة في الفك استوجبت تدخلا جراحيا عاجلا".
وسائل الإعلام التونسية دعت بعد أعمال الشغب التي تم تسجيلها يوم 13 نوفمبر 2010 في نهائي دوري أبطال إفريقيا إلى إيجاد "حل جذري" لظاهرة العنف في الملاعب التي تعرف استفحالا من موسم رياضي لآخر حتى أنها تحولت إلى أشبه بطقوس يواظب عليها "مجانين" الكرة خاصة خلال المباريات المهمّة لأنديتهم.
العنف يصدر عن جميع أطراف الحدث الرياضي
يعتبر مهتمون بالشأن الرياضي في تونس أن الشرارة الأولى لهذه الظاهرة انطلقت سنة 1999 عندما لقي نحو 10 أشخاص مصرعهم في مباراة جمعت بين الترجي والأولمبي الباجي بملعب باجة (شمال غرب العاصمة تونس) واندلعت خلالها مواجهات دامية بين مشجعي الفريقين.
المرصد الوطني للشباب (هيئة حكومية) حذر في دراسة اجتماعية بعنوان "الظواهر السلوكية الجديدة لدى الشباب التونسي" نشرها سنة 2006 من "النموّ المطّرد" لظاهرة العنف داخل الفضاءات الرياضية في تونس ودعا الحكومة إلى وضع "خطة وطنية واضحة المعالم تنجز طبق رزنامة معقلنة وتحت إشراف هيكل مكلّف بالمتابعة" من أجل القضاء على هذه الظاهرة. الدّراسة نبهت إلى أن السلوكيات المنافية للروح الرياضية داخل هذه الفضاءات، أصبحت "تصدر عن جميع الأطراف المساهمة في الحدث الرياضي" من مشجعين ولاعبين ومدربين ورؤساء أندية "بعد أن كان ظاهرة محصورة في الجمهور" مشيرة إلى ما يرافقها من "إخلال بالأمن العام".
أنماط من العنف
ويتراوح عنف الجماهير بين العنف اللفظي (ترديد أناشيد وأغاني السباب والشتائم والبذاءة ضدّ الفريق المنافس وجمهوره ورموزه) وتخريب تجهيزات الملعب والاعتداء على رجال الأمن وأحيانا على الصحافيين واقتحام ميدان اللعب وقذف الميدان بالقوارير والحجارة والألعاب الناريّة. أما العنف الصادر عن اللاعبين ومدرّبي أو مسيّري الأندية فيتراوح بين الاعتداء بالعنف الجسدي أو اللّفظي أو بكليهما معا على حكام المباريات أو لاعبي الفريق المنافس، واقتحام ميدان اللعب، وتحريض المسيّرين للاعبين على المغادرة الجماعية للميدان وعدم إكمال المباريات.
عنف الجمهور يتجاوز في كثير من الأحيان حدود الملاعب ليخرج إلى الشوارع والطرقات. وقد طالت أعمال التخريب (التكسير والحرق وأحيانا النهب) التي تورطت فيها الجماهير المتعصبة، وسائل النقل العامة والخاصة ومقرات الفرق الرياضية والمحلات التجارية والمنازل. واللافت أن عدوى العنف وصلت إلى دوري كرة القدم النسائية ودوري كرة اليد ثم إلى الفضاء الافتراضي حيث أسس عشرات الآلاف من المتعصبين لأندية كبيرة مثل الترجي والإفريقي منابر على شبكة الانترنت أغرقوها بشعارات وخطابات تملؤها الكراهية والعدوانية والتشفّي ضد الأندية الغريمة وجماهيرها ورموزها.
"نزعات جهوية" و"طائفية رياضية"
أرجعت دراسة المرصد الوطني للشباب أسباب العنف داخل الفضاءات الرياضية في تونس إلى ''النزعة الجهويّة لدى الجمهور'' و"عدم اعتبار بعض الأطراف لمفهوم الرياضة كمنافسة نزيهة تخضع إلى قوانين يتعين على الجميع احترامها" و"الجري وراء الانتصارات والألقاب والنتائج الفورية" و"النجومية وحب الكسب المادي لدى اللاعبين" و"ضعف مستوى بعض الحكام وتكرر هفواتهم وعدم توخي (اتحاد كرة القدم) الصرامة في ردعهم" و"تأثير بعض الصحافيين والمراسلين والمتعاونين الرياضيين بسبب تعاليقهم الاستفزازية وانحيازهم" و"فتور مشاركة الأسرة والمدرسة والنسيج الجمعياتي ووسائل الإعلام في بلورة مفهوم الروح الرياضية".
الباحث الاجتماعي طارق بن الحاج محمد فسّر في حديث مع دويتشه فيله استفحال ظاهرة العنف في الملاعب بما أسماه "الطائفية الرياضية" التي قال إنها "عوّضت وقوّضت انتماءات الفرد الأولية إلى العائلة والقبيلة والجهة وحتى انتماءاته الوطنية". صحف ناطقة باسم أحزاب معارضة راديكالية قرأت العنف داخل الملاعب على أنه شكل من أشكال "الاحتجاج" على ما يعانيه المجتمع من "كبت سياسي" و"تضييق على الحريات" ومشاكل اجتماعية واقتصادية واعتبرت أن الملاعب تحولت إلى فضاءات لتفريغ شحنات الغضب والإحباط الاجتماعي من هذا الواقع.
الدكتور محمد نجيب بوطالب أستاذ علم الاجتماع بالجامعة التونسية قلّل من وجاهة هذا الطرح وقال إن "روح المنافسة والمراهنة" الرياضيّة "تحرّك نوازع العنف الكامنة في الإنسان مهما كان انتماؤه الاجتماعي". وأضاف أن الفرد يتحول في ملعب كرة القدم إلى "نكرة" وسط آلاف المشجعين ما يسمح له "بالانفلات من دائرة الضبط الاجتماعي" ملاحظا أن "هذا الانفلات قد يصل إلى العنف والتخريب".
خطط لتشديد القوانين
وأمام استفحال ظاهرة العنف في الملاعب دعا الرئيس التونسي زين العابدين بن علي خلال لقائه يوم 25 نوفمبر 2010 مع وزير الرياضة سمير العبيدي "مختلف الأطراف المعنية إلى التحلّي بمزيد اليقظة والحزم في التعامل مع هذه المظاهر المشينة".
مصادر رسمية قالت إن بن علي تلقّى من الوزير تقريرا أصدره "فريق العمل المكلف بإعداد مشاريع أحكام (قانونية) جديدة في مجال مكافحة العنف داخل الفضاءات الرياضية" دون أن تدلي بأي تفاصيل حول فحوى التقرير. وكانت وزارة الرياضة شكّلت سنة 2009 "لجنة" كلفتها بـ"دراسة هذا الموضوع وإيجاد جملة من الصيغ والقرارات الجديدة للحدّ من هذه الظاهرة".
الصحافية الرياضية اسمهان العبيدي عبرت في حديث مع دويتشه فيله عن أملها في أن تغلّظ الأحكام الجديدة من العقوبات الردعية ضد كل من يقود أعمال العنف أو يحرض عليها من أجل القضاء نهائيا على ظاهرة العنف في الملاعب التونسية. ويعتبر مراقبون أن توجّه الحكومة إلى سنّ أحكام قانونية جديدة يعكس عدم نجاعة الوسائل الحالية المعتمدة في تحجيم ظاهرة العنف في الملاعب.
هذه الوسائل تراوحت بين تشديد الإجراءات الأمنية داخل الملاعب وخارجها (وبشكل خاص خلال مباريات الفرق الكبيرة) وفرض غرامات مالية على الأندية التي تتورط جماهيرها أو لاعبوها في أعمال شغب، وتنظيم مباريات دون حضور جمهور، واعتقال مشاغبين لفترات قصيرة ثم إطلاق سراحهم وتنظيم "جمعيات صيانة الروح الرياضية"، واطلاق حملات توعية ضد العنف.
منير السويسي – تونس
مراجعة: هيثم عبد العظيم