مهرجان "دريم سيتي" في تونس العتيقة – حلقة وصل بين الشرق والغرب
٢٧ أكتوبر ٢٠١٠عاشت مدينة تونس العتيقة طوال ثلاثة أيام خلال شهر أكتوبر/ تشرين الأول الجاري على وقع الدورة الثانية لمهرجان الفنون المعاصرة"دريم سيتي" أي مدينة الحلم. وتم خلاله تقديم 40 عرضا فنيا بإمضاء سبعين مبدعا عربيا وأوروبيا في مجالات الرقص والموسيقى والتصوير الفوتوغرافي والفن التشكيلي والشعر والسينوغرافيا والتعبير الكوريغرافي. يذكر أن الدورة الأولى من هذه التظاهرة قد انتظمت عام 2007 ثم توقفت طيلة ثلاث سنوات وهاهي تنبعث من جديد في سنة 2010 بعد أن كادت تدخل في طي النسيان.
اللامألوف والغرابة من سمات "دريم سيتي"
وكان "اللامألوف" السمة البارزة للمهرجان حتى قبل انطلاقه، إذ عقد المنظمون المؤتمر الصحفي الخاص بالتظاهرة على متن عربة مترو جابت بالصحافيين العاصمة تونس. وتم خلال هذا المؤتمر الصحفي تقديم نماذج من العروض الفنية للمهرجان"مونولوغ" عن مدينتي تونس العتيقة والحديثة والأسوار، التي تفصل بينهما، وكيف اختلطت المدينتان في وقت لاحق. وساد طابع الغرابة الكثير من العروض خلال المهرجان، ما دفع جانبا من الجماهير إلى القول إن المهرجان طغى عليه "التفلسف". ولعل أبرز هذه العروض ذلك الذي قدمته الفنانة الألمانية مارن شتراك في إحدى القصور القديمة لمدينة تونس العتيقة، حيث فوجئ الجمهور عند دخول فضاء العرض بامرأة معلّقة من شعرها في سقف المبنى، وترتدي فستانا أحمر واسعا هو في الأصل خيمة يستعملها الرحّالة للاحتماء من العوامل الجوية السيئة، التي قد تعترضهم خلال ترحالهم. وتشرع السيدة بعد لحظات من بداية العرض في تقديم رقصة فلامنكو ليس على أنغام موسيقية بل على صوت نزول المطر المنبعث، الذي كان يحدثه مساعدها المختص في المؤثرات الصوتية.
المزج بين الماضي والحاضر
الجمهور، الذي أحس بالألم لرؤية هذه الحسناء المعلقة من شعرها تتعذّب، اكتشف في نهاية العرض أن الفنانة الألمانية لم تكن مشدودة إلى السقف من شعرها بل بواسطة حزام غير مرئي شدّت وثاقه إلى جسمها وأخفته بإحكام بفستانها الأحمر. مارن شتراك، التي لم تلامس ساقاها الأرض طوال تقديم العرض، قالت مازحة لدويتشه فيله إنها أرادت من خلال هذا العمل أن "تتحدّى قانون الجاذبية الأرضية".
ويبدو أن شتراك لم تكن الوحيدة، التي تريد التخلًّص من الجاذبية الأرضية، فقد قدم شابان تونسيان عرض "فلور أوف ذي فورست" (floor of the forest)، الذي قدمته لأول مرة الراقصة والكوريغرافية الأمريكية الشهيرة "تريشا براون" عام 1970. والعرض عبارة عن مجموعة من حبال غسيل، نُشرت عليها بعض الملابس، وعلى الشابين ارتداؤها ثم نزعها دون ملامسة الأرضية.
وأقيمت أغلب عروض المهرجان داخل قصور ومدارس ومنازل ومستودعات ودكاكين مدينة تونس العتيقة. وكان الهولندي"زيدز" المختص في الرسم على الجدران المشارك الوحيد، الذي قدم عرضه في الهواء الطلق إذ رسم لوحة تجريدية عملاقة على أحد جدران مدينة تونس العتيقة. "زيدز"، الذي يحل لأول مرة بدولة إفريقية، قال لدويتشه فيله إنه استحسن فكرة المهرجان وخاصة تنظيمه في فضاء عربي مميّز، معبرا عن أمله في أن يتواصل المهرجان وأن تتسع قائمة جنسيات المشاركين فيه حتى يكون ملتقى لفسيفساء من الفنانين المعاصرين.
الثقافة في خدمة السياحة
من جهته، قال سفيان ويسي، المدير الفني لمهرجان "دريم سيتي"، لدويتشه فيله إن الهدف من هذه التظاهرة هو "تنشيط مدينة تونس العتيقة بالفن المعاصر وتقريب هذا الفن من الناس مع القطع مع طريقة تنظيم المهرجانات الكلاسيكية". وقد حظيت هذه التظاهرة بدعم عديد الأطراف، أهمها معهد غوته الألماني في تونس ووزارات الثقافة والسياحة والنقل التونسية بالإضافة إلى سفارتي هولندا والولايات المتحدة الأمريكية.
واجتذب المهرجان، الذي انتظم داخل 6 مسالك سياحية بمدينة تونس العتيقة تم تهيئتها حديثا، مئات من طلاب معاهد الفنون التونسية وأعدادا من السياح الغربيين بعد أن روجت له وزارة السياحة التونسية لدى وكالات الأسفار المحلية. وتسعى تونس إلى توظيف الثقافة لتنشيط الحركة السياحية في مدينة تونس العتيقة، التي أنشئت قبل ثلاثة عشر قرنا وتعتبر القلب التاريخي للبلاد. وتضم المدينة العتيقة عديد الكنوز التراثية، التي تتراوح بين القصور والمدارس والحمامات والأسواق والترب والمساجد وأشهرها جامع الزيتونة.
منير السويسي – تونس
مراجعة شمس العياري