"الألتراس" ـ مشاغبو ملاعب أم أصحاب قضية؟
١٣ نوفمبر ٢٠١١تعيد حملة الاعتقالات التي تعرض لها مؤخرا بعض مشجعى نادي الزمالك من رابطة "الألتراس" بعد مباراة الزمالك مع نادي الشرطة فتح ملف "الألتراس" (Ultras)، إحدى الظواهر الاجتماعية والرياضية التي تشهد نمواً متسارعاً في بعض البلدان العربية.
والألتراس، حسب تعريف موسوعة ويكيبيديا "هي كلمة لاتينية تعني الشيئ الفائق أو الزائد، وهي فئة من مشجعي الفرق الرياضية والمعروفة بانتمائها وولائها الشديد لفرقها (..). وتميل هذه المجموعات إلى استخدام الألعاب النارية أو الشماريخ" كما يطلق عليها في دول شمال أفريقيا، وأيضا القيام بالغناء وترديد الهتافات الحماسية لدعم فرقهم، كما يقومون بتوجيه الرسائل إلى اللاعبين". أما المبادئ الأساسية،
محمد جمال بشير، أحد مؤسسي رابطة "الوايت نايتس" ألتراس نادى الزمالك، ومؤلف كتاب "الألتراس.. حينما تتعدى الجماهير الطبيعة"، يوضح الأبعاد الرياضية والاجتماعية وراء الألتراس وطبيعة "معركة الألتراس" مع النظام في مصر، التي يصفها بأنها "معركة من أجل الحرية".
كيف وصلت فكرة "الألتراس" إلى العالم العربي؟
دويتشه فيله: رغم ظهور روابط "الألتراس" والمشجعين في مختلف أنحاء العالم منذ الستينات، لكن لم تظهر هذه الظاهرة في البلدان العربية إلا في السنوات الأخيرة، ما هي الأسباب والعوامل التي أدت لظهور مجموعات الألتراس؟
محمد جمال بشير: في الثمانيات كان هناك محاولات في ليبيا لتكوين روابط "ألتراس" للأندية الرياضية، لكن تم قمعها من قبل نظام العقيد معمر القذافي. وتعتبر هذه المحاولة الأولى عربياً، لكن تخوف الأنظمة الأمنية في البلدان العربية وعدم معرفة الكثيرين بالفكرة قلل من فرص انتشارها حتى بداية الألفية. ومع انتشار الإنترنت والمنتديات الرياضية، حيث ساعد الإنترنت في انتشار الفكرة من أوروبا وبلدان أمريكا اللاتينية إلى جماهير الرياضة في الدول العربية.
بدأت معظم النقاشات الأولى لتكوين روابط الألتراس على الإنترنت، فتكونت هذه الروابط في الفضاء الافتراضي ثم انتقلت إلي أرض الواقع كمجموعات منظمة تتكاتف وتتعاون لتشجيع ناديها ودعمه في المكسب أو الخسارة. بالطبع لم تنتشر "الألتراس" في معظم الدول العربية، لأن بعض المجتمعات العربية لا تتمتع بثقافة التشجيع فمثلا في الخليج العربي الجمهور الخليجي جمهور صامت معظم الوقت أو في أحسن الأحوال يكتفي بدق الطبول. لكن في مصر ودول شمال أفريقيا كرة القدم ذات شعبية كبيرة والجمهور مرتبط بشدة بفرقة الرياضية ولديه ميراث طويل من ثقافة التشجيع.
ما هو إذن الفرق بين روابط تشجيع الأندية و"الألتراس"؟
محمد جمال بشير: هناك فروق كثيرة أولها وأهمها الحرية واستحالة السيطرة على روابط الألتراس. مجموعات الألتراس مجموعات مقاتلة من أجل حريتها في التشجيع والاستمتاع باللعبة وتشجيع فرقها، وهى ليست مرتبطة فقط بتشجيع كرة القدم بل بتشجيع كل أنشطة النادي الرياضية. طريقة تشجيع الألتراس نفسها تختلف عن تشجيع الروابط العادية، حيث تعتمد طرق وأساليب تشجيع الألتراس على العمل الجماعي والإبداع في تقديم العروض واللافتات في بدايات المباريات.
روابط التشجيع العادية كانت طوال الوقت مرتبطة بالنادي، ويتم تمويلها من قبل أفراد في مجلس إدارة النادي لضمن ولائهم وأصواتهم في الانتخابات. لكن "الألتراس" رابطة مستقلة لا يتم تمويلها من أي جهة وتعتمد فقط على مساهمات وتبرعات أعضاءها، ومن الصعب التأثير على توجهاتها أو احتوائها سواء من قبل مجالس إدارة الأندية أومن قبل الأجهزة الأمنية التي أحياناً ما تخشي من روابط الألتراس، نظراً لدرجة تنظميها العالية.
في 2010 أصدرت الحكومة التونسية السابقة قراراً بحل روابط الألتراس وبمنع أفرادها من دخول الملاعب، وفي مصر بدأت أيضاً في نفس التوقيت حملة أمنية وإعلامية ضخمة ضد روابط الألتراس. إذا كانت "الألتراس" مجرد روابط رياضية لماذا بدأت السلطات تحديدا في مصر وتونس بمحاربتها؟
أعتقد أن البداية كانت من خلال كسر شوكة الأمن داخل الملاعب وعدم الالتزام بتعليمات الأمن حدث هذا في تونس وهو ما أدى إلي رد فعل الحكومة التونسية العنيف. أيضاً الأنظمة العربية لأنها أنظمة أمنية بالأساس فهي تشعر بالخطر والقلق من أي تنظيمات اجتماعية كبيرة وتتحرك في مجموعات ضخمة، خصوصاً حينما بدأت بعض روابط الألتراس تحديداً في مصر في رفع شعارات معادية لإسرائيل ومتضامنة مع الشعب الفلسطيني أثناء حرب غزة الأخيرة. وحينما ظهرت بوادر هذه الأفكار السياسية لدى روابط الألتراس انتقل ملف الألتراس من الأمن العام إلى يد "أمن الدولة" حيث تعرض عدد كبير من أعضاء الألتراس للاحتجاز والمطاردة والتحقيق على يد ضباط أمن الدولة. بل أذكر في ذلك الوقت أن أحد ضباط الداخلية قال لي: "أنتم تشكلون خطراً على النظام بهذا الشكل قد نفاجئ بكم في أحد المباريات ترفعون صور البرادعي مثلاً".
كان لدى الأجهزة الأمنية تخوفات كبيرة من أن تقوم الألتراس داخل الإستاد بعمل أي تحرك سياسي يضعها في مأزق من أي نوع، ولا تنس أن معظم المباريات تذاع على الهواء، بالتالي لو قام الألتراس بأي تحرك داخل الإستاد فسوف تصل رسالتهم في نفس اللحظة إلي الملايين التي تشاهد المباراة.
الألتراس والثورات
الملاحقات الأمنية التي تعرض لها الألتراس في مصر هل كانت الدافع وراء مشاركتهم في أحداث ثورة 25 يناير؟
مشاركة الألتراس في الثورة كانت بشكل تصاعدي بدأت مع 25 يناير بمشاركات فردية حتى يوم 28 يناير الذي كان بمثابة المعركة الكبرى. الألتراس كانوا ينظرون بالأساس إلى (ثورة) 25 يناير بصفتها معركتهم الخاصة، معركة ضد رجال الأمن الذين يلاحقونهم، ويحاولون تقييد حريتهم في التنظيم والعمل ودعم فريقهم كما سقط عدد من الشهداء من روابط الألتراس في الاشتباكات مع رجال الأمن في الأيام السابقة ليوم 28 يناير، الأمر الذي خلق حالة ثأرية بين أجهزة الأمن وكل أفراد رابطة الألتراس. وماحدث يلخص جانب كبير من سمات الألتراس، فهم جماعة تحركهم المعركة لا الايدولوجيا. ومعركتهم الدائمة هي الحرية. لذلك ورغم مساهمة الألتراس في الثورة باعتراف كل الفصائل السياسية لن تجدهم قد اندمجوا في أي حزب أو تيار سياسي من الموجودين الآن في الساحة بل حافظوا على استقلالهم، ومستمرين في نضالهم من أجل الحرية الكاملة رغم الملاحقات الأمنية والحملات الإعلامية الموجهة ضدهم حتى الآن، بل أن بعض الفصائل السياسية التي كانت تمدح في دور الألتراس أثناء الثورة، تهاجمهم الآن وتصفهم بالمخربين. لكن هذا ليس بجديد على أعضاء روابط الألتراس الذين يرفعون ضمن شعاراتهم شعار "الواحد ضد الجميع".
القطاع الرياضي لا يزال تحت سيطرة النظام القديم
بعد تنحى مبارك استمرت حركة الإضرابات والاعتصامات في عدد من قطاعات الدولة لتغيير بنية النظام القديم، لكن الملاحظ أن القطاع الرياضي في مصر لا تمسه أي تغييرات،؛ اتحاد الكرة والأندية الرياضية لا تزال بتركيبتها القديمة وجزء كبير من قطاع الإعلام الرياضي يقوده أعضاء سابقون في الحزب الوطني، لماذا في رأيك استمرت تركيبة النظام القديمة في القطاع الرياضي؟
القطاع الرياضي قطاع اقتصادي هام في مصر وله تأثير جماهيري كبير ولا يزال هذا القطاع في يد الكثير من بقايا النظام السابق الذي يعيد تنظيم صفوفه، لذلك يتم استغلاله لتحقيق أغراضهم، وهو ما يفسر حملات التشويه والهجوم التي يقودها الكثير من الإعلاميين الرياضيين أعضاء اتحاد الكرة ضد الثورة والنشطاء السياسيين.
للآسف ينظر الكثير من السياسيين إلى القطاع الرياضي باعتباره مسألة هامشية. أما بالنسبة للألتراس ففي الفترة القادمة كان دوري كرة القدم مستمراً بالتالي كان اهتمامهم الأول بالدوري. لكن الآن بدء الهجوم والمطالبة بتغيير اتحاد الكرة، خصوصا وأن الاتحاد يكرر نفس الألعاب القديمة ويحاول السيطرة على الألتراس وتحجيمهم من خلال منع الجمهور من حضور المباريات ومنع إشعال المفرقعات النارية "الشماريخ"، لذلك تتصاعد الآن مطالبات الألتراس بعزل اتحاد الكرة وتغييره والضغوط بدأت تحقق نتائج منذ عدة أيام أعلن رئيس لجنة المسابقات في الاتحاد تقديم استقالته، واعتقد أن هذه البداية.
أجرى الحوار: أحمد ناجي
مراجعة: عبده جميل المخلافي