الأمم المتحدة على مفترق طرق: إصلاح جذري أم تهميش ذاتي
يناقش ممثلو أكثر من 170 دولة ورئيس حكومة آليات إصلاح المنظومة الدولية خلال مؤتمر قمة الأمم المتحدة الذي سيبدأ اليوم خلال لقاءهم الستين في الجمعية العمومية للأمم المتحدة المنعقد في نيويورك والذي سيستمر حتى نهاية شهر سبتمبر الحالي. ويناقش الدبلوماسيون منذ ثلاثة أسابيع سبع مسائل عالقة بينها حقوق الإنسان وإدارة الأمم المتحدة من اجل التوصل الى نص يعرض على اكثر من 150 رئيس دولة وحكومة لتبنيه خلال مؤتمر القمة هذا. أما عن الأهداف المشتركة فظهرت انقسامات عديدة واختلاف آراء المشاركين وذلك بشأن كل نقطة مركزية يتم مناقشتها ليس فقط بين الولايات المتحدة ودول الإتحاد الأوروبي، بل أيضاً بين الدول النامية.
نقاط الخلافات الرئيسية حول إصلاح الأمم المتحدة
من المتوقع أن تبصر مسودة إصلاح منظمة الأمم المتحدة النور يوم الجمعة المقبل اثر انعقاد القمة العالمية، غير أن المراقبين يرجحون عدم وصولها إلى مستوى طموحات الأمين العام كوفي عنان في هذا المجال. وفي هذا الصدد يتمحور النزاع بين دول العالم حول النقاط الرئيسية في مشروع عنان الإصلاحي والتي ما زالت تناقشها الدول الأعضاء، مثل دور مجلس الأمن الدولي الذي ينبغي تأجيل موضوع توسيعه بسبب الخلافات بين الدول الأعضاء ومعارضة الولايات المتحدة والصين، والأمانة العامة التي لا يزال الخلاف قائما بين فريق يريد تعزيز صلاحيات "السلطة التنفيذية" في الأمم المتحدة والفريق المتمثل بشكل خاص في دول العالم الثالث، الذي يريد تعزيز صلاحيات الجمعية العامة التي تضم 191 عضوا.
وعلاوة على ذلك يحتل موضوع مكافحة الإرهاب أولوية عليا على الأجندة السياسية وخاصة عدم امكانية الاتفاق على ابسط تعريف لهذا المفهوم ("قتل مدنيين لبلوغ أهداف سياسية هو إرهاب"). ويتمحور الخلاف في هذا السياق حول القضية الفلسطينية وحق الشعوب في مقاومة الاحتلال ومفهوم "إرهاب الدولة". كما تلعب مسؤولية حماية السكان التي تهدف هذه الفكرة الى السماح بالتحرك ضد الدول التي لا ترغب أو لا تستطيع حماية سكانها من اجل تفادي وقوع كارثة انسانية مثلما حصل في رواندا. وتلاقي هذه الفكرة معارضة شديدة من قبل دول العالم الثالث.
ضرورة إصلاح لجنة حقوق الإنسان
وفيما يتعلق بلجنة بحقوق الإنسان الأممية فهناك إجماع على ضرورة إبدال اللجنة الحالية التي فقدت مصداقيتها بمجلس يلتزم أعضاؤه بمعايير محددة جدا في هذا المجال. ويعارض هذا الاقتراح الكثير من دول العالم الثالث والصين وروسيا. وتعود عدم فعالية عمل لجنة حقوق الإنسان إلى التناقض بين أولويات الدول الأعضاء في اللجنة المتمثلة بحماية مصالحها الوطنية وبين العمل على حماية حقوق الإنسان على أرض الواقع، فالكثير من أعضاء اللجنة مثل السودان وزيمبابوي والصين والسعودية دول متهمة بانتهاك حقوق الإنسان. وهو ما أشار إليه عنان بوضوح أمام دورة اللجنة السنوية التي استمرت ستة أسابيع في هذا العام بقوله: "لقد بلغنا نقطة ألقى فيها تراجع مصداقية اللجنة بظلاله على سمعة نظام الأمم المتحدة." وفي غضون ذلك أشار الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة كوفي عنان في خطابه الذي عرض فيه الاقتراحات المتعلقة بإصلاح اللجنة إلى "أن أحدا ليس بإمكانه التفوه بأنه ملتزم كل الالتزام بقيم حقوق الإنسان"، كما أشار إلى أن "انتهاكات حقوق الإنسان ترتكب في البلدان المتقدمة والبلدان الفقيرة على حد سواء". وأكد أمام الحاضرين على أنه "يضع مسألة حقوق الإنسان في قلب الإصلاحات التي يقترحها لمنظمة الأمم المتحدة"، وحذر أيضا من أن "أي تأخير في إدخال الإصلاحات على الدفاع عن حقوق الإنسان، قد يعرض مصداقية منظمة الأمم المتحدة للخطر".
الحد من الانتشار النووي وتوطيد السلام
وبشكل مواز لذلك تقف إشكالية الحد من الانتشار النووي أمام حائط مسدود، ففي حين يشدد العالم الثالث وبعض الدول النامية على مفهوم نزع السلاح النووي، تصر الدول الغربية على مفهوم الحد من الانتشار النووي الذي يضمن مراقبة دولية لانتشار هذه الأسلحة. أما بخصوص لجنة توطيد السلام الدولي الهادفة إلى دعم الدول التي خرجت لتوها من حرب من أجل تفادي وقوعها مجددًا في حالة صراع. وعلى رغم من الإجماع على الفكرة إلا أن الخلاف يتركز على كيفية تشكيل اللجنة والوصاية عليها. ففي حين تريد الدول الغربية ان تنبثق اللجنة عن مجلس الامن، يطالب آخرون بان تتبع للمجلس الاقتصادي والاجتماعي.
أهداف التنمية الألفية
ويتمثل الهدف الرئيسي للقمة في تقييم التقدم الذي تم إحرازه منذ العام 2000 في تطبيق أهداف الألفية للتنمية التي ترمي الى الحد من الفقر والأمراض في العالم بحلول العام 2015 وإعادة إطلاق هذه الأهداف. ويذكر أن الولايات المتحدة حاولت الحيلولة دون إصدار قرار برفع نسبة مساعدات التنمية الخارجية المتوقعة من الدول الصناعية بنسبة 0.7 % من إجمال الدخل القومي، أما ألمانيا وبريطانيا وفرنسا فوعدتا بتحقيق ذلك حتى عام 2015. وفي هذا الصدد لا تعتبر الولايات المتحدة الدولة المعارضة الوحيدة للوثيقة النهائية وإنما تعد روسيا وكوبا وباكستان ومصر وأيضاً إيران من الدول التي عبرت عن تحفظها تجاه هذه الوثيقة. ولكي تتقدم عملية إصلاح الأمم المتحدة إلى الأمام، يجب على دول العالم التوصل إلى اتفاق مبدئي وجوهري وخاصة بما يتعلّق بالنقاط المهمة و إلاّ سيفشل المؤتمر مما يؤدي إلى هدر فرصة ثمينة لترسيخ آليات تعاون دولية جديدة يحتاجها عالم اليوم حاجة ماسة.
لؤي المدهون