الإنترنت فضاء تضييع فيه السيطرة على المعلومات الشخصية
٣٠ يناير ٢٠١٢أعلن مكتب الإحصاء الأوربي في تقرير جديد عن ازدياد مخاوف العديد من مستخدمي شبكة الإنترنيت في أوروبا، وذلك في ما يخص البيانات الشخصية التي يتركونها بوعي أو دون وعي في العديد من المواقع. فهناك تخوف كبير من سوء استعمال هذه المعلومات الشخصية أو بيعها لشركات أخرى من أجل أغراض تجارية وذلك دون طلب موافقتهم.
و يبقى الألمان حسب الإحصاءات من أكثر الشعوب الأوروبية تخوفا في هذا المجال، حيث أن 55% من مستخدمي الإنترنت الألمان يشتكون أن أغلب المواقع الاجتماعية لا تعطي المعلومات الكافية حول ما يحدث لبياناتهم الشخصية المخزنة. أما على المستوى الأوروبي فتبلغ نسبة المشاطرين لهذا الرأي 46%.
حقوق المستهلك "مضمونة"
هذا التخوف لم يأت عن فراغ بل هناك العديد من الأسباب وراء ذلك. فالكثير من المواقع على شبكة الإنترنت أو مقدمي الخدمات يجمعون المعلومات والبيانات الشخصية ويخزنوها من أجل تقييمها وتحليلها لأغراض تجارية، وذلك دون موافقة مسبقة لأصحاب هذه البيانات. وهو الشيء الذي يتنافى مع القانون الألماني الذي يمنع في حقيقة الأمر هذا التصرف. فمن المفروض طلب موافقة شخصية صريحة وواضحة من طرف المستخدمين. وعلاوة على ذلك فإن طلب هذه الموافقة يجب أن يكون مفصلا وواضحا ولكل مستخدم الحق في اللجوء إلى القانون إذا تمت انتهاك بياناته الشخصية أو استعمالها دون إذن مسبق منه.
وهذا ما يؤكده القانون الخاص بشؤون حماية المستهلك، والذي يعطي الحق للمستهلك في معرفة كل ما يتعلق من تخزين أو توزيع أو أي استعمال آخر لبياناته الشخصية. وهذا ما تؤكده أيضا ميشاييلة تسينكه من المنظمة الألمانية لحماية المستهلك في برلين. ولكنها تقول إنه:" من الصعب تطبيق هذا القانون على أرض الواقع." وذلك لأسباب متعددة من بينها أن الكثير من مستعملي الإنترنت لا يلاحظون ولا يعرفون من يخزن هذه البيانات أو حتى إذا كانت هذه البيانات تخزن في الأصل. وتقول تسينكه إنه حتى لوعرفوا ذلك فيصعب عليهم إثبات أي انتهاكات: "إثبات سوء استعمال المعلومات الشخصية قد يكون أمرا متعبا جدا وقد يأخذ وقتا طويلا، وربما لا يصل المرء إلى هدفه في النهاية".
تعديلات قانونية جديدة
ويطبق قانون حماية المستهلك الألماني على الشركات المستقرة داخل ألمانيا فقط، وهذا ما يصعب المتابعة القضائية ضد الشركات الأجنبية وبالتالي تضيع حقوق المستهلك وسيادته على بياناته الشخصية. ومن أجل تجاوز هذا العائق اقترحت المفوضية الأوروبية قانونا معدلا من شأنه تحسين وضع المستهلكين ومستخدمي الإنترنيت على وجه الخصوص. ففي 25 من يناير/ كانون الثاني عبرت المفوضة العامة للشؤون القانونية للاتحاد الأوروبي فيفيان ريدين عن عزمها اتخاذ إجراء تعديلات مهمة من أجل حماية مستخدمي شبكة الإنترنت وبياناتهم الشخصية. كما أضافت أن "المعلومات والبيانات الشخصية هي ملك لصاحبها فقط."، وأشارت المفوضة إلى أنه من الواجب أن يكون لكل مواطن أوربي الحق في التحكم الكامل بمعلوماته الشخصية وكذلك حق مسحها إذا اقتضى الأمر. كما تسعى المفوضية إلى أن تكون النصوص المرفقة من أجل طلب موافقة أصحاب البيانات واضحة وسهلة القراءة والاستيعاب. بالإضافة إلى ذلك تنوي المفوضية الأوروبية تسهيل المسطرة القانونية والبيروقراطية في حالة انتهاك أو سوء استعمال البيانات الشخصية. ومن المقرر أن يشمل هذا التعديل القانوني الشركات الأجنبية أيضا.
"السيادة الكاملة على البيانات الشخصية شبه مستحيل"
وفي حالة إتلاف أو ضياع البيانات الشخصية فيتوجب على الشركات والمؤسسات المعنية بالأمر أن تخبر مصلحة المراقبة الوطنية خلال 24 ساعة، ومن لم يلتزم بهذه القوانين المقترحة سيعاقب بغرامات مادية كبيرة. وكلها إجراءات واقتراحات واعدة، إلا أن ميشاييلا تسينكه من مصلحة حماية المستهلك ترى أن" الكثير من هذه المقترحات تحتاج إلى بعض التحسينات".
وبالرغم من محاولة تشديد العقوبات والقوانين لحماية مستعملي الإنترنت، إلا أنه يبقى من الصعب تحقيق سيادة كاملة على المعلومات الشخصية ومسارها، فحق ملكية هذه المعلومات قد يصبح عند الشركات الخدماتية أو المواقع الاجتماعية أيضا، وذلك بشكل قانوني في بعض الأحيان. هذا ما تؤكده تسينكه قائلة: "معلوماتي الشخصية قد تصبح في شبكة الإنترنت ملكا للمواقع التي تركتها فيها أيضا، أحيانا بشكل قانوني، وأحيانا أخرى بشكل غير قانوني".
الشركات أقوى من المستهلك
ومن جهة أخرى يتحمل المستهلك أو مستخدم الإنترنت أيضا مسؤوليته في إعطاء هذه المعلومات الشخصية، فلا أحد يرغمه على إعطاء هذه المعلومات أو البيانات. فالكثير من المستخدمين للإنترنت مستعدون لإعطاء المزيد من المعلومات الإضافية كما تقول تسينكه:" الكثير من المستخدمين لا يتوقفون عن إعطاء المعلومات، حتى لو سئلوا عن هواياتهم الشخصية أو مستويات دخلهم." وتضيف أن:" الكثير من المستخدمين يواصلون تعبئة جميع الخانات الاختيارية خوفا من عدم الاستفادة من خدمة معينة".
هذا ما ترجعه تسينكه إلى عدم مراعاة الشركات لمصالح المستهلكين بالشكل المطلوب وأن هناك عدم توازن بين الشركات والمستخدمين، حيث أن الشركات تبقى أكثر قوة وتأثيرا من المستهلك وبهذا تستطيع التحكم بشكل مباشر أو غير مباشر في قرارات المستهلكين وتوجهاتهم. وهذا ما يصعب المسؤولية على المستخدمين الذين يجدون أنفسهم في بعض الأحيان مضطرين لإعطاء معلوماتهم الشخصية من أجل الحصول على خدمات أو امتيازات معينة.
مارليس شاوم/ أمين بنضريف
مراجعة: أحمد حسو