الانزلاق نحو اليمين - ألمانيا ليست استثناء بالاتحاد الأوروبي
٨ سبتمبر ٢٠٢٤بعد انتخابات ولايتي تورينغن وسكسونيا(أول سبتمبر/أيلول 2024)، التي ظهر فيها الشعبويون اليمينيون، وفي بعض المناطق، الاتحادات الإقليمية اليمينية المتطرفة التابعة لحزب البديل من أجل ألمانيا (AfD)، كأول وكثاني قوة سياسية في الانتخابات، ترى صحيفة "لا ريبوبليكا" الإيطالية أن موجة النازيين الجدد تجتاح ألمانيا.
ووصفت صحيفة "لوموند" الفرنسية نتائج الانتخابات بأنها "مثيرة للقلق" بسبب ماضي ألمانيا النازي وثقلها الحالي في أوروبا. وتتحدث صحيفة "الباييس" الإسبانية عن إنذار خطير وعن وجود مخاطر أن تتحول ألمانيا إلى رجل أوروبا المريض سياسياً. لذا فهناك مخاوف كبيرة، على الرغم من أن الميول اليمينية المتطرفة والشعبوية أصبحت راسخة منذ فترة طويلة في الدول الثلاث الأكبر حجماً في الاتحاد الأوروبي وهي: إيطاليا وفرنسا وإسبانيا، غير أنها ليست وحدها.
من الولايات إلى الانتخابات الاتحادية
صعود حزب البديل من أجل ألمانيا ربما لن يتوقف على انتخابات الولايات فحسب، بل قد ينتصر أيضًا في الانتخابات العامة على مستوى ألمانيا (انتخابات البوندستاغ) في العام المقبل. وتشير استطلاعات الرأي الحالية إلى أن حزب البديل من أجل ألمانيا هو ثاني قوة سياسية، حيث تعطيه الاستطلاعات نسبة من 16-19%، خلف حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي (31 – 34%). وبالنسبة لنيك أليبور، من منصة الإنترنت "يوراكتيف"، فإن ألمانيا ليست استثناء في أوروبا، ولكنها تتبع الاتجاه الأوروبي. "ألمانيا ليست رائدة. لقد حدث ذلك في هولندا، وإيطاليا، وفرنسا، والسويد. وألمانيا تتبع هذه الموجة وليست معفاة من التطور"، بحسب ما قال مراسل يوراكتيف في أحدث "بودكاست" له.
إيطاليا يحكمها متطرفون يمينيون
هناك مثلا بعض أوجه الشبه مع إيطاليا، فحزب "ليغا" (الرابطة)، بزعامة ماتيو سالفيني، الذي كان في السابق حزبا إقليميا، شارك في الحكومة الإيطالية عدة مرات. وفي الوقت نفسه، هو قوي في مناطق شمال إيطاليا ومنه يأتي حكام مناطق فينيتو ولومباردي وفريولي وأومبريا. ولم يكن هناك قط ما يعرف بـ"جدار حماية"، أي استبعاد للتحالف مع المسيحيين الديمقراطيين.
وقد شارك حزب الرابطة في الحكم مع حزب سيلفيو برلسكوني، المسيحي الديمقراطي. بل إن حزب الرابطة حكم كشريك صغير إلى جانب الشعبويين الأكثر يسارية في حركة الخمس نجوم. وهذا بمثابة تشكيل حزب البديل من أجل ألمانيا وتحالف سارة فاغنكنشت (BSW) ائتلافًا مع بعضهما البعض. ومنذ عام 2022، تجاوز حزب "إخوان إيطاليا" اليميني المتطرف (Fratelli d'Italia) حزب الرابطة، فأصبح القوة السياسية الأولى في الانتخابات العامة، متقدما على حزب الرابطة. ومنذ ذلك الحين، قادت رئيسة الوزراء جيورجيا ميلوني ائتلافًا يمينيًا مكونًا من "إخوان إيطاليا"، و"الرابطة"، والمسيحيين الديمقراطيين.
النمسا - يمكن أن يأتي المستشار من حزب متطرف
لا يوجد "جدار حماية" في النمسا أيضًا. بل على العكس من ذلك: كان حزب الحرية اليميني المتطرف في النمسا (FPÖ) بالفعل في الحكومة في الثمانينيات في ائتلاف مع الاشتراكيين الديمقراطيين. ومنذ عام 2000 فصاعدًا، كانت هناك أربع حكومات ائتلافية مع المسيحيين الديمقراطيين. بدأ حزب الحرية كحزب إقليمي في ولاية "كيرنتن". وبعد انقسامات عديدة وإعادة تنظيم برنامجه ــ على غرار حزب البديل من أجل ألمانيا ــ رسخ حزب الحرية النمساوي نفسه الآن في تسع برلمانات ولايات ويشارك في حكومات ثلاث ولايات نمساوية.
ورغم العديد من الفضائح، التي وقع فيها، يحتل حزب الحرية النمساوي المركز الأول في استطلاعات الرأي الخاصة بالانتخابات البرلمانية الوطنية التي ستجرى في نهاية سبتمبر/أيلول بنسبة تتراوح بين 27% و31%. ويأتي الحزب المسيحي الديمقراطي في المرتبة الثانية. ويعتقد زعيم حزب الحرية، هربرت كيكل، أن هناك فرصًا جيدة ليصبح - كما يسميه - "مستشار الشعب" للنمسا. ويحافظ حزب البديل من أجل ألمانيا وحزب الحرية النمساوي على تبادل وثيق. ومن الممكن أن يكون كيكل قدوة لزعيم حزب البديل من أجل ألمانيا بيورن هوكه في ولاية تورينغن.
فرنسا بين قطبين متطرفين
وفي فرنسا لا يزال "جدار الحماية" صامداً. فالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لا يريد العمل مع حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف أو الفرنسيين اليساريين المتطرفين. ولهذا السبب لا توجد أغلبية في البرلمان بعد الانتخابات المبكرة التي جرت في يوليو/تموز الماضي لأن ماكرون لم يتمكن من العثور على شريك في الائتلاف. (كلف الرئيس ماكرون الخميس (5 سبتمبر أيلول 2024) مفاوض الاتحاد الأوروبي السابق في ملف بريكست ميشال بارنييه، تشكيل الحكومة الفرنسية المقبلة، وبارنييه سياسي من حزب الجمهوريين (الديغوليين) المحافظ).
وهذا يذكرنا إلى حد ما بالوضع في برلمانات الولايات في إرفورت ودريسدن بشرق ألمانيا. وكان أداء "التجمع الوطني" في الانتخابات أضعف من المتوقع بشكل مثير للدهشة وجاء ثالث قوة سياسية فقط.
بيد أن الحزب الذي انبثق عن "الجبهة الوطنية" أصبح أقوى بشكل متزايد في السنوات الأخيرة. وهو ممثل في العديد من الهيئات البلدية والإقليمية، لكنه لا يستطيع أن يحكم بمفرده في أي مكان. وتحقق مارين لوبان، زعيمة الحزب السابقة، مكاسب في كل مرة في الانتخابات الرئاسية. وهي تريد المنافسة مرة أخرى في عام 2027 ولديها فرصة جيدة للفوز فعليًا في محاولتها الثالثة بعد عامي 2022 و2017.
إسبانيا - المتطرفون اليمينيون في الحكومات الإقليمية
وفي إسبانيا، ما زال الاشتراكيون الديمقراطيون في السلطة، في ظل حكومة أقلية تتسامح معها الأحزاب الانفصالية اليسارية. وينمو حزب "فوكس" اليميني المتطرف بشكل مطرد منذ سنوات ويحتل المركز الثالث على مستوى البلاد. ولكن في يوليو/تموز، حدث خلاف بينه وبين "الحزب الشعبي"، المسيحي الديمقراطي المحافظ، الذي يشاركه في الحكم في أكثر من 100 بلدية وخمس مقاطعات. ولم يكن هناك أي حديث عن "جدار الحماية".
وفي يوليو/تموز، أعلن زعيم الحزب سانتياغو أباسكال القطيعة مع الحزب الشعبي؛ لأن المسيحيين وافقوا على قبول مهاجرين من جزر الكناري إلى البر الرئيسي الإسباني. ويبقى أن نرى ما إذا كانت هذه الاستراحة فرقعة إعلامية أم أنها مقصودة وجادة. ويريد حزب فوكس والحزب الشعبي في الواقع أن يحلوا محل الاشتراكيين في الحكومة الوطنية.
المجر - استقرار اليمين الشعبوي
المتطرفون اليمينيون ممثلون أيضًا في حكومات هولندا والسويد وفنلندا ودول أخرى بالاتحاد الأوروبي. ففي المجر، يتولى حزب "فيدس" اليميني المتطرف رئاسة الوزراء منذ 14 عاماً دون انقطاع. ولقد عمل فيكتور أوربان على تطرف الحزب والمجر خلال فترة ولايته الطويلة في منصبه وقادهما إلى مواجهة مع الاتحاد الأوروبي. وتعد المجراليوم الدولة الأوروبية التي تتمتع بالحكومة الشعبوية اليمينية الأكثر استقرارًا. لكن في بولندا انتهت هذه المرحلة. فهناك، حل الحزب المسيحي الديمقراطي محل حزب القانون والعدالة اليميني المتطرف بعد انتخابات العام الماضي.
كما اجتاحت الشعبوية، وإن كانت من اليسار، اليونان. لكن في عام 2019 حلت حكومة المسيحيين الديمقراطيين محل حكومة "سيريزا" اليسارية المتطرفة، التي كانت في ائتلاف مع حزب أنيل اليميني المتطرف وحكمت البلاد لمدة أربع سنوات.
"شرق ألمانيا ليس حالة خاصة"
بشكل عام، يمكن ملاحظة التوجه صوب الأحزاب اليمينية المتطرفة في العديد من البلدان الأوروبية، ويرجع ذلك أساسًا إلى سياسة الهجرة والاضطرابات الاقتصادية والشعور العام بالانفصال لدى العديد من الناخبين والناخبات.
ويرى السياسي الاشتراكي فولفغانغ تيرزه، الرئيس الأسبق للبرلمان الألماني (بوندستاغ) أن الميل إلى التطرف لا يوجد في تورينعن وسكسونيا فقط. فحزب البديل من أجل ألمانيا قوي أيضًا في بافاريا وهيسن، أي خارج شرق ألمانيا. وهذا ينطبق أيضًا على أوروبا، كما قال تيرزه لراديو "دويتشلاند فونك". وأضاف السياسي الاشتراكي: "هذا لا ينطبق فقط على شرق ألمانيا، ولكن (تراه أيضا) إذا نظرت حولك إلى هولندا أو فرنسا أو إيطاليا أو الدول الاسكندنافية. في كل مكان نشهد تقدمًا للأحزاب المتطرفة والشعبوية. ولو كان الأمر مجرد حالة خاصة في شرق ألمانيا، لكان من الممكن أن يهدأ المرء ويقول إنه أمر يمكن تجاوزه، لكن هذا (في الواقع) تحول جذري(تكتوني)".
أعده للعربية: صلاح شرارة