الجزائر ودور الجيش..هل انتهى زمن الانقلابات العسكرية؟
٨ سبتمبر ٢٠١٧تصاعدت في الجزائر مؤخراً أصوات تطالب المؤسسة العسكرية بالتدخل لتفعيل أحد مواد الدستور والتي تقضي بإزاحة الرئيس من منصبه حال تعذر قيامه بأداء مهام وظيفته وإعلان منصب الرئيس شاغراً والدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة، حيث يفترض أن تعقد انتخابات الرئاسة في عام 2019.
يأتي ذلك على خلفية الحديث عن تدهور الحالة الصحية للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الذي يحكم الجزائر منذ العام 1999. وطالب سياسيون جزائريون الجيش بتطبيق المادة 102 من الدستور التي تنص على تنظيم انتخابات مبكرة بسبب عجز الرئيس أو وفاته.
الجيش.. رد سريع وقاسٍ
لكن المؤسسة العسكرية لم تترك الأمر يمر دون رد منها، وبسرعة نشرت مجلة "الجيش" الأسبوعية الناطقة باسم القوات المسلحة الجزائرية افتتاحية أكدت فيها على التزام الجيش بالشرعية.
هؤلاء يدعون لإقالة بوتفليقة
رفضت أغلب المعارضة الجزائرية فكرة استمرار بوتفليقة في الحكم حتى انتهاء ولايته في 2019، ومنهم رئيس حزب "جيل جديد" جيلالي سفيان الذي قال إن الرئيس لم يعد في مستوى التحديات التي تواجهها الجزائر وأن الرجل مريض تماماً وغير قادر على حمل ثقل المسؤولية وقراره بالبقاء ليس موقف رجل مسؤول.
نور الدين بوكروح رئيس حزب التجديد الجزائري سابقا ووزير التجارة في بداية عهد بوتفليقة، وأحد قادة المطالبين بإقالة بوتفليقة اعتبر أن رد مؤسسة الجيش الجزائري اختصه بالهجوم بل وبالتهديد خاصة أنه أحد أبرز الداعين لإقالة بوتفليقة ما دعاه لنشر رد مطول على صفحته بموقع فيسبوك:
هؤلاء يعارضون اقالة بوتفليقة
تزعم المدافعين عن بقاء بوتفليقة في منصبه رئيس الوزراء أحمد أويحيى، ورئيس البرلمان السعيد بوحجة، ورئيس مجلس الأمة عبدالقادر بن صالح، والأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطنى جمال ولد عباس، معتبرين أن دعوات إجراء انتخابات رئاسية مبكرة تتجاوز الأخلاقيات السياسية وتتجاهل المنطق الدستورى، فيما قال ولد عباس، الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم إن "بوتفليقة يستمد قوته من الشعب وليس من الصالونات".
صراع خفي بين أجنحة الحكم
الرد السريع والقاطع من المؤسسة العسكرية الجزائرية جاء ليؤكد على استمرار التوافق بين المؤسستين (الجيش والرئاسة) نافياً بذلك ما يقال عن وجود صراعات بين أجنحة الحكم في الجزائر، لكن في خلفية المشهد وقائع قد يفسرها البعض بخلاف ما تبدو للعيان.
فلا زالت إقالة او استقالة أمين عام حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم عمار سعداني (67 عاما) في اكتوبر من العام الماضي من منصبه بدعوى "الظروف الصحية" وتعيين الوزير السابق جمال ولد عباس خلفا له (82 عاما وأكبر أعصاء المكتب السياسي سناَ) تلقي بظلالها على المشهد
حالة الضبابية في المشهد السياسي مع ضعف الاحزاب السياسية والتكهنات بوجود صراعات خفية بين اجنحة الحكم تدفع بالبعض للواجهة وتزيح آخرين من المشهد مع وجود رئيس مريض ـ أصيب بجلطة دماغية في عام 2013- وحديث عن دائرة ضيقة تتخذ القرار نيابة عنه وتسيطر على مفاصل الدولة دعت عدداً من الكتاب والمحللين السياسيين للتحذير من وضع اجتماعي وسياسي قابل للانفجار في أي لحظة خاصة مع غياب سيناريو واضح لفترة "ما بعد بوتفليقة".
سيناريو ما بعد بوتفليقة
تتعدد أسماء المرشحين لخلافة الرئيس الجزائري، لكن أكثر الأسماء بروزاً هو السعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس الذي يتردد اسمه كثيراَ في الأوساط السياسية على أنه الحاكم الفعلي للجزائر. أيضاً طرح اسم عبد المالك سلال و أحمد أويحيى.
وفي مقابلة لــ DW عربية مع الدكتور اسماعيل معراف الخبير الجزائري في الشؤون الاستراتيجية وسؤاله عن رؤيته لجزائر ما بعد بوتفليقه قال إنه يبدو أن الغرب لا يمانع من تكرار سيناريو راؤول ـ كاسترو أي انتقال السلطة من الشقيق الأكبر إلى الشقيق الأصغر لكن حتى هذا الخيار يعد اختراقاً للقرار السيادي الجزائري وخصوصاً من فرنسا التي تجثم على الاقتصاد الجزائري"، مضيفاً أن لقاء الرئيس الفرنسي ماكرون مع القيادات الجزائرية في أكتوبر أو نوفمبر غالباً ما سيرسم في هذا اللقاء مستقبل جزائر ما بعد بوتفليقة
أضاف أن الشارع الجزائري اليوم في غيبوبة ومنوم بشكل غير مسبوق لكن الحكومة الآن في أزمة اقتصادية خانقة وإذا ما تلاقت الأزمة الاقتصادية مع إقرار سيناريو ولاية الأخ الشقيق لمقاليد الحكم فقد يصطدم ذلك بالشارع الذي ربما قد ينتفض بعكس كل التوقعات كما حدث في الخامس من اكتوبر 1988 حيث انتفض الشعب بسبب تردي الاحوال الاقتصادية وانتشار البطالة والإقصاء السياسي والبيروقراطية.
لكن الصادق بوقطاية عضو المكتب السياسي لحزب جبهة التحرير الوطني الجزائري كان له رأي مختلف، فقال إن الحزب يرفض تماما ًمسالة المادة 102 من الدستور الجديد بزعم أن الرئيس بوتفليقة غير قادر صحياً على إدارة شئون الدولة مضيفاً أنها أطروحات واهية ويجانبها الصواب لأن الجزائر دولة ديمقراطية وبها تعددية سياسية ورئيس الجمهورية مدني انتخبه شعب الجزائر بإرادة حرة ويمارس مهامه بكل إرادة وعزيمة.
وقال إن السيناريو الوحيد المطروح هو "أن يتم الرئيس فترة ولايته في عام 2019 وهنا على كل من يرى نفسه مؤهلا لقيادة هذا البلد العظيم أن يتقدم في هذا التاريخ ويرشح نفسه لمنصب الرئاسة ويقدم نفسه للشعب الجزائري المخول دون سواه بمنح السلطة لمن يشاء"
من يملك القرار؟
ويقول الدكتور معراف إن "فرنسا اليوم للأسف هي التي تتحكم في القرارات السياسية الجزائرية وعلى الرغم من أن شقيق الرئيس قد يبدو هو المتحكم فعلياً الآن في الأمور من خلف الستار لكن لا يمكنه أن يتصرف كما يحلو له لكنه يدير الأمور مع مجموعة من كبار الضباط الذين لديهم الكثير من الصفقات المتعلقة بالاقصاد الوطني ومتورطين في قضايا فساد كبيرة وبالتالي من مصلحة فرنسا بل وأمريكا أيضاً بقاء الوضع على ما هو عليه والمناسب تماما لمصالحهم".
فيما يقول بوقطاية إن قرار مثل هذا منوط فقط بالشعب الجزائري وليس أحد غيره مضيفاً أن الرئيس الجزائري يمارس مهامه الدستورية بكل إرادة وقوة وقد ترأس أول أمس اجتماع مجلس الوزراء واتخذ العديد من القرارات ووافق على خطة الحكومة التي ستطرح أمام البرلمان بغرفتيه الاثنين المقبل، وأضاف أن السيد "السعيد بوتفليقة" شقيق الرئيس الجزائري هو مستشار للرئيس فقط ولم يوقع في أي يوم من الأيام على أي قرار في أي مستوى من المستويات وهو لم يقل في يوم أنه مترشح لمنصب الرئاسة.
هل يمكن أن يتدخل الجيش؟
ويقول معراف إن القضية في الجزائر هي أن "الجيش هو من أنشأ الدولة، والمؤسسة العسكرية هي صاحبة القرار السياسي والمتحكمة في كل مفاصل الدولة، والرئيس بوتفليقة هو اختيار الجيش وصقوره وكذلك من لهم قرار من خارج الجزائر"، وتابع قائلاً إن الرجل جاء لينقذ الجيش من العشرية السوداء وهو الضامن لكل مصالح الجيش الآن، وقال إن "مطالبة البعض للجيش بالتدخل لإقالة الرجل وفق المادة 102 من الدستور هو أمر مثير للسخرية لأن الجنرالات لن يقدموا على التخلص من شخص قام بدور متميز حتى اليوم".
فيما قال الصادق بوقطاية إن الجيش الوطني الشعبي الجزائري هو سليل جيش التحرير وقد انسحب من الحياة السياسية تماماً في عام 1989 عندما دخلت الجزائر عهد الأحزاب والتعددية السياسية والجيش مؤسسة تلعب دورها في إطار الدستور الممثل في حماية الوطن والسيادة الوطنية وحماية الحدود ومحاربة الإرهاب والجريمة المتنقلة وهي المحافظة على ضمان تطبيق الدستور والجيش لن يستجيب أبداً لبعض الأحزاب أو الأفراد لإقالة الرئيس هذا لن يحدث أبداً لأننا دولة مؤسسات".
ع.ا.ح