الخادمات الأجنبيات في لبنان بين نظام الكفالة وقلة الحقوق
٨ أكتوبر ٢٠١٠يعيش ما يقارب الـ 200 ألف خادمة أجنبية في لبنان، معظمهن ينحدرن من دول إفريقية على غرار أثيوبيا، وأخرى آسياوية مثل النيبال وسيريلانكا والفلبين. يتم استقدامهن من قبل وكالات خاصة للعمل في لبنان كخادمات في البيوت ومربيات أطفال لمساعدة أهاليهن بالمال. ولكنهن كثيرات اللواتي يعانين من سوء المعاملة إلى درجة التعرض للعنف الجسدي والمعنوي. ولا يبقى للكثيرات منهن، اللواتي تعرضن للضرب أو التحرش الجنسي أو الاستغلال، من ملاذ سوى اللجوء إلى "مركز المهاجر في بيروت"، بحثا عن المساعدة والحماية.
مركز لمساعدة الخادمات الأجنبيات
يعد "مركز المهاجر" في بيروت مكانا لمساعدة الخادمات، اللواتي تعرضن لسوء المعاملة أو يعانين من مشاكل تتعلق بوظيفتهن. ويرعى هذا المركز القس مارتي ماكدرموت مع فريق مكون من محاميين لبنانين لمساعدة الخادمات الأجنبيات على حل مشاكلهن مع أرباب العمل أو مع وكالات التوظيف. وينتقد رجل الدين المسيحي عدم وجود مراقبة في مجال الخدمة في البيوت من قبل القانون اللبناني ويقول: "لصاحب البيت كل الحرية المطلقة في بيته على مستخدميه." ويرى أن تصرف صاحب البيت التعسفي إزاء مستخدميه يعد أحد أسباب الارتفاع الكبير لمعدلات الحوادث للخادمات الأجنبيات في لبنان، "مثل وقوع الكثير منهن من نوافذ المنازل، ولا أحد يعرف، ماذا حدث لهن". ويشير القس إلى أن سبب هذه الحوادث غالبا ما يكتنفه الغموض ويطرح أسئلة عدة، مثل هل حاولت الخادمات الهروب أو الانتحار بسبب إصابتهن باليأس والإحباط؟ أم أنهن قد وقعن من من أعلى المنازل بفعل فاعل؟
يذكر في هذا السياق أن منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية أصدرت عام 2008 دراسة حول الخادمات الأجنبيات في لبنان، جاء فيها أنه تم في المتوسط تسجيل حالة وفاة خادمة كل أسبوع. وطبقاً لما ذكره التقرير فإن سبب الوفاة هو غالباً السقوط من الطابق الرابع أو الخامس.
"نظام الكفالة يكرس سلطة رب العمل"
يبدو أن العمل في البيوت اللبنانية يعني بالنسبة للعديد من الخادمات الأجنبيات الاستغناء عن استقلاليتهن وإرادتهن الشخصية، التي تصبح رهن إرادة طرف آخر، إما رب العمل أو وكالة التوظيف، وذلك بسبب نظام الكفالة المعتمد في لبنان. الأمر الذي ينتقده القس ماكدرموت، الذي يقول: "مسموح لهن الدخول إلى لبنان فقط في حالة وجود كفيل لبناني". وغالباً ما يكون صاحب العمل هو الكفيل، الذي يسجل اسمه في تأشيرة الدخول التي تحصل عليها الخادمة قبل قدومها إلى لبنان. كما لا يُسمح لها بمغادرة البلاد دون موافقة كفيلها، الذي يسحب منها جواز سفرها طيلة فترة إقامتها في البلاد. الأمر الذي يدفع بالكثيرات إلى تجنب المشاكل مع الكفيل وتحمل العيش في ظل أوضاع سيئة. "كما لا يُسمح لهن بتغيير صاحب العمل، فذلك الأمر يحتاج إلى موافقة خاصة من الجهات الأمنية اللبنانية"، بحسب ماكدرموت. ويطالب بقانون يعطي للخادمة حق الحصول على يوم إجازة أسبوعي تقضيه خارج البيت، على الأقل للحصول على إمكانية "طلب المساعدة، إذا ما أساء صاحب العمل في معاملتها."
لبنانيون يطالبون بحماية الخادمات الأجنبيات
من جهتها، تطالب المخرجة السينمائية اللبنانية كارول منصور، التي أنتجت فيلمين وثائقين عن هذا الموضوع، بقانون لحماية العاملات الوافدات. وأظهر الفيلمان مدى العنف والاستغلال، الذي يتعرضن له. وتقول كارول منصور: "رأينا حالات قليلة فقط، تم فيها فعلا محاكمة أرباب عمل بسبب إساءة معاملة مستخدميهم." كما تشير إلى أنها قد تحدثت مع خادمات أجنبيات كن سعيدات مع عائلاتهن الجديدة وأخريات قد ظهرت عليهن أثار الضرب والإساءة. وتقول كارول منصور إنها سمعت أن إحدى العاملات الأجنبيات لم تتلقى راتبها منذ ثمانية سنوات. "لم أستطع أن أصدق ذلك، إنها عبودية."
من جهتها، انتقدت منظمة "هيومان رايتس ووتش" الحقوقية في تقرير نشرته في بيروت الأسبوع الماضي عدم تقديم أصحاب الأعمال للمحاكم اللبنانية، بل وعلى العكس من ذلك يزج بالخادمات في السجن، بناءاً على أقوال أصحاب العمل. ولا يحق للمتهمين الاستعادة بمحامي أو مترجم أمام المحكمة.
خطوة صغيرة في الطريق الصحيح
ولكن، لماذا تُعامل الخادمات الأجنبيات بهذه الطريقة السيئة؟ نديم خوري، رئيس مكتب "هيومان واتش" في بيروت، يرى أن العداء للأجانب يعد أحد الأسباب، ويقول: "أرباب العمل ينظرون بتعالي إلى العاملات القادمات من إفريقيا وآسيا"، لافتا إلى أن "ثقافة عدم المحاسبة السائدة في لبنان"، سبب آخر في ارتفاع حالات المعاملة السيئة. ولكن خوي يؤكد في الوقت نفسه على أن الآونة الأخيرة قد شهدت تحسنا بعض الشيء في أوضاع العاملات.
وفي سياق متصل، خصصت الحكومة خطا هاتفيا ساخنا لتلقي شكاوى العاملات الأجنبيات. كما أصبحت هناك إمكانية توقيع عقد عمل بين العاملة وصاحب العمل. والسؤال، الذي يطرح نفسه هنا، هل سيقبل صاحب العمل بذلك؟ كما أن هناك مشكلا آخر يكمن في أن هذه العقود عادة ما تكون مكتوبة باللغة العربية وغير مترجمة وبالتالي قد تعجز العاملة الأجنبية عن فهمها. خوري يؤكد في هذا السياق قائلا: "يسعى كلاً من المجتمع المدني والصحافة إلى نشر التوعية". بيد أن التوعية وإن كانت تمثل خطوة جيدة، ينبغي أن يدعمها تدخل الدولة للحد من هذه الظاهرة.
ماغدلينا زورباوم / حسام صابر
مراجعة: شمس العياري