الدور الإيراني في العراق في ظل الحرب على الإرهاب
٢٨ أغسطس ٢٠٠٦بعد انتهاء العمليات العسكرية للحرب التي قادتها الولايات المتحدة على العراق لإسقاط نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، تأكد القادة العسكريون الأمريكيون ان المهمة لم تكن لتنتهي بتلك السهولة التي كانوا يتوقعونها. فهم أدركوا أنهم دخلوا بأرجلهم إلى خضم تركيبة عرقية معقدة الى حد بعيد. تصاعدت وتيرة هذه العمليات بصورة كبيرة في الفترة التي أعقبت "الإعلان الشكلي" عن انتهاء العمليات العسكرية وهيمنت حالة دموية من عدم الاستقرار في العراق، وقع ضحيتها الآلاف من الأبرياء بشكل أصبح الاستقرار في العراق لا يعدو كونه مجرد حلم ليس إلا.
اتهام ايران مباشرة
وفي خضم هذه الأحداث وفي سياق عملية البحث عن المسئول الأول عن حالة العراق الدموية، اتهم جنرال أمريكي رفيع المستوى لأول مرة إيران بدعم جماعات شيعية متشددة في العراق. ويرى الجنرال مايكل باربيرو ان طهران تنتهج سياسة "دعم اللاستقرار في العراق" وتغذي العنف المستمر هناك. كما أشار باربيرو الى انه من غير المستبعد ان تكون ايران مسؤولة عن تمويل وتسليح جماعات متشددة في "المعسكر الشيعي" في ظل الانقسام والتخندق الطائفي الذي يشهده العراق. وقال باربيرو ان ايران زودت هذه الجماعات بمعدات تفجير حديثة، ساهمت بدورها في مقتل أكثر من 3000 عراقي خلال شهر تموز/يوليو الماضي وحده. ويبدو ان ارتفاع عدد ضحايا حمام الدم العراقي خلال الأشهر الماضية كان ليس وحده السبب في تجديد توجيه هذه الاتهامات. فالمشهد السياسي في المنطقة عموماً مازال مثقلاً بعد بتداعيات الصراع بين إسرائيل وحزب الله اللبناني ومسألة الدور الإيراني في دعم حزب الله، بالإضافة إلى حالة الغموض التي ما تزال تكتنف مستقبل التعامل مع البرنامج النووي الإيراني. فهذه الانتقادات الأخيرة أتت متزامنة مع مهاجمة الإدراة الأمريكية للحضور الإيراني على كثير من الجبهات الإقليمية في المنطقة.
دور إقليمي كبير وقلق دولي أكبر
يرى اغلب المحللين ان عهد الرئيس الإيراني الحالي أحمدي نجاد شهد زيادة ملموسة في التطلعات الإيرانية إلى لعب دور أكبر في محيطها الإقليمي وبالتالي زيادة نفوذها في المنطقة. ويبدو ان ظروف إقليمية ودولية كثيرة ساهمت في زيادة هذا الدور والنفوذ الإيرانيين في المنطقة، الأمر الذي مهد لحضور إيراني أكبر في الصراعات الإقليمية التي تكتنف المنطقة عموماً. ومما لا شك فيه أن دورها في العراق، الذي ينبغي الا ينظر اليه بمعزل عن دورها كقوة أقليمية في المنطقة، قد اخذ يثير قلق دولي وإقليمي. وبشأن ذلك ترى دارسة صدرت مؤخراً عن المعهد الملكي البريطاني للدراسات الدولية ان حرب أمريكا على الإرهاب أتت بالمنفعة الكبيرة على تقوية دور ايران في المنطقة، إذ أزالت هذه الحرب اثنتين من الحكومات الإقليمية المنافسة للدولة الإسلامية الإيرانية. فبعد ان أسقطت الولايات المتحدة وحلفائها نظام طالبان عام 2001 ونظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين في نيسان/ أبريل 2003، فشلت الإدارة الأمريكية في استبدالهما "بهياكل سياسية مستقرة ومتماسكة". وقد منحت حالة الفراغ الإقليمي هذه ايران الفرصة، لا لان تحتل مركز القوة الوحيدة في المنطقة فحسب، بل للعب دور مباشر في العراق، وجهاً لوجه مع عدوها اللدود أمريكا.
إيران في المنظور العراقي
تتباين النظرة إلى طبيعة العلاقات التي تربط العراق بإيران. فمن جانب يرى سنة العراق في إيران "عدواً تاريخياً للعرب والعروبةً"، كان لسياسته في "تصدير الثورة" تبعات جسيمة على انزلاق العراق إلى هاوية التخندق والتناحر الطائفي. فالزعماء السنة يتهمون طهران بالتحريض على إثارة القلاقل في العراق لاضعاف القوة العسكرية الأمريكية في المنطقة والتطلع إلى الاحتياطيات النفطية في جنوب العراق الشيعي. وقد لا تتفق هذه النظرة إلى العلاقات الإيرانية-العراقية مع المفهوم العروبي الذي انتهجه حزب البعث في تقييم طبيعة العلاقة مع ايران فحسب، بل مع نظرة دول الخليج أيضا التي تخشى من تنامي الدور الإيراني في الشرق الاوسط. ويبدو ان للتنافس بين إيران "الشيعية" والمملكة السعودية "السنية" على الصعيدين السياسي والمذهبي بصورة خاصة دور في تعميق هذه النظرة. فعلى المستوى الخليجي أثارت السياسة الأمريكية الخاطئة في العراق، التي قادت إلى تعاظم الدور الإيراني فيه، هواجس هذه الدول المتفقة مذهبياً مع سنة العراق، على خلفية الميراث السلبي لكل منها في علاقاتها مع حكومة طهران. كما أن التخوف من انتقال النفوذ الإيراني المباشر إلى خارج حدود العراق، في ظل إصرار ايران على امتلاك التكنولوجيا النووية، دفع الكثير من زعامات هذه الدول للحديث عن الخشية من منطقة نفوذ "شيعية" أو كما سماها العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني "منطقة الهلال الشيعي". ويمكن ان تكون منطقة النفوذ هذه احد عناصر عدم الاستقرار في هذه الدول التي تقطنها أقليات شيعية ترتبط مذهبيا بإيران.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنه وبالرغم من الوحدة المذهبية بين شيعة العراق وإيران فأن العلاقة مع ايران تختلف من تيار شيعي إلى آخر. فمن جانب يرى المجلس الأعلى للثورة الإسلامية وحزب الدعوة الإسلامية في ايران صديقا كونها احتضنت قيادات وزعامات هذين الحزبين في ثمانينيات القرن الماضي، بعد ان وقعوا خلال تلك الفترة تحت طائلة المطاردة والاعتقال من قبل نظام صدام حسين السابق. فكبار المسؤولين في هذين الحزبين، اللذين يشكلان اكبر كتلتين شيعيتين في البرلمان العراقي، رفضوا في اكثر من مناسبة الحديث عن الدور الإيراني في العراق. ومن جانب آخر فأن هنالك تيارات شيعية أخرى كالفضيلة والولاء اتهمت إيران علناً بإثارة العنف في العراق ومحاولة زعزعة استقراره، ولذلك فهي تدعو إلى "محاربة النفوذ الإيراني في بلاد الرافدين".