"السجال حول الثقافة المهيمنة في المجتمع الألماني غير بناء"
٢١ سبتمبر ٢٠٠٧أعادت تصريحات السياسي ادموند شتويبر الأخيرة السجال حول "أولية الثقافة الألمانية" إلى الأضواء. فقد طالب رئيسِ وزراء ولاية بافاريا ورئيس الحزب الاجتماعي المسيحي اليوم CSU اليوم في مقابلة مع صحيفة "بيلد تسايتونج" الواسعة الانتشار بالمزيد من الحسم في المناقشات حول الإسلام، وقال شتويبر "هناك ثقافة أصلية نمت في ألمانيا عبر قرون"، مضيفا: "مع كل التسامح، فإن الكاتدرائيات يجب أن تكون أكبر من المساجد" في ألمانيا. شتويبر الذي سيتنحى رسميا عن منصبه نهاية الشهر الحالي سبتمبر/أيلول أعرب أيضا عن قلقه من ابتعاد الحزب المسيحي الديمقراطي الذي ترأسه المستشارة ميركل، وهو الحزب الشقيق لحزبه، عن جذوره المحافظة.
يُعد شتويبر شخصية سياسية مثيرة للجدل في الشارع السياسي الألماني، فقد عُرف عنه تشبثه بالهوية والتقاليد البافارية المحافظة التي نشأ وترعرع في ظلها، وساهم بشكل كبير في تطوير اقتصاد ولاية بافاريا وجعلها قطبا اقتصاديا مهما. وقد ترأس مجلس وزراء الولاية منذ عام 1993، كما ترشح لمنصب المستشارية عام 2002 وخسر أمام جيرهارد شرودر.
"تقليص الحريات ليس مثالا يُحتذى"
السجال حول الثقافة الأصلية أو الأولية في المجتمع الألماني يطفو على السطح من حين إلى آخر من قبل سياسيين محافظين، ويدور عادة حول ضرورة إبراز الألمان لانتمائهم الاجتماعي والثقافي من أجل المحافظة على كيانهم في ظل تزايد أعداد المهاجرين الأجانب. يوتا أومولر الباحثة في المعهد الأوروبي لأبحاث الهجرة ترى أن هذا السجال غير بناء من وجهة نظرها، وتصفه بأنه سجال عفا عليه الزمان ولا يحمل أية عناصر إيجابية، وأضافت الباحثة الألمانية أن هذا السجال يذكر المرء بسجال آخر موغل في القدم حول من يحق له بناء كنائس أكثر ارتفاعا في ألمانيا: الكاثوليك أم البروتستانت؟
لكن المؤيدون لآراء شتويبر حول أولية الثقافة الألمانية يرون أن من المنطقي أن تكون الثقافة السائدة في مجتمع ما هي ثقافة أغلبية سكانه، ويقولون إن هذا الأمر موجود أيضا في المجتمعات الإسلامية، فالإسلام هو الدين الغالب فيها بينما يلاقي أبناء الأقليات من الديانات الأخرى مصاعب جمة في بناء دور عبادة لهم أو ممارسة طقوسهم. الباحثة يوتا أومولر تعارض مثل هذا الرأي ولا ترى في تقليص حريات أتباع الديانات الأخرى مثالا يُحتذى، فالمجتمع الألماني مجتمع مفتوح على كافة الثقافات ويجب أن يبقى كذلك.
"الحل لا يكمن في تقوقع الأقليات"
من ناحيتها تشتكي جاليات المهاجرين في ألمانيا من مثل هذا السجال، إذ أنها تشعر بأنه يرمي إلى التذكير بموازين القوة في المجتمع، كما ترى أنه يكرس لتهميش الأقليات باعتبار أن على ثقافتهم أن تبقى هامشية في المجتمع. الباحثة يوتا أومولر تتفهم تلك الاعتراضات التي تقدمها الجاليات الأجنبية، غير أنها في الوقت نفسه ترى أن الحل لا يكمن في انعزال الأقليات ورفضها التعامل مع المجتمع المحيط، وإنما في الانخراط في المجتمع ومحاولة فتح قناة حوار مع القيم السائدة فيه.
وتشير أومولر إلى أن مشروع بناء مسجد في مدينة كولونيا هو مثال ناجح لهذا الحوار، فالمسلمون في ألمانيا لهم كغيرهم من أصحاب الأديان حق مشروع في بناء دور عبادة، لكن من ناحية أخرى عليهم واجبات تتعلق بالمجتمع الذي يعيشون فيه، مثل المتطلبات المعمارية التي يجب تلبيتها، أو المتطلبات الاجتماعية التي يجب مراعاتها. والمسلمون في حالة مسجد كولونيا تخلوا عن الحساسية الزائدة وأظهروا رغبة وقدرة على النقاش والتفاهم مع المحيطين بهم.
هيثم عبد العظيم