السوريون في قبرص..14 ألف طلب لجوء معلق وعمليات ترحيل تنتظرهم
١٢ سبتمبر ٢٠٢٤اتت جمهورية قبرص أول دولة أوروبية تنفذ عمليات إعادة قسرية إلى سوريا بشكل غير مباشر، عبر ترحيل السوريين إلى لبنان والتي تعمل بدورها على نقلهم قسريا إلى الحدود السورية، في ممارسات تنتهك حقوقهم وتخالف القوانين الدولية.
منظمات حقوقية وثقت ممارسات عنيفة بحق الوافدين الجدد إلى قبرص، لا سيما السوريين منهم، وذلك عبر إجبار السلطات القبرصية القوارب المحملة بالسوريين على العودة إلى لبنان، رغم خطر تعرضهم للإعادة القسرية إلى سوريا، حيث يواجهون خطر الاعتقال من قبل الأجهزة الأمنية هناك.
وباتت السياسة المتشددة التي تنتهجها السلطات القبرصية تجاه المهاجرين تطال أيضا طالبي اللجوء السوريين المتواجدين على أراضيها، إذ علقت السلطات دراسة ملفات السوريين منذ نيسان/أبريل الماضي وذلك حتى فترة غير معروفة.
من قبرص إلى لبنان إلى سوريا
منظمة "هيومن رايتس ووتش" أصدرت تقريرا قالت فيه إن خفر السواحل القبرصي والقوى الأمنية القبرصية الأخرى تعيد السوريين، الذين وصلت قواربهم إلى قبرص، إلى لبنان، دون اعتبار لوضعهم كلاجئين أو خطر طردهم إلى سوريا. مشيرة إلى أن الجيش اللبناني "طرد العديد من الذين أعادتهم قبرص إلى لبنان إلى سوريا على الفور".
التقرير الصادر بعنوان "لا أستطيع العودة إلى بلدي أو البقاء هنا أو الرحيل: صدّ وإرجاع اللاجئين السوريين من قبرص ولبنان"، يوثق حالات الأشخاص الذين أعيدوا بين آب/أغسطس 2021 وأيلول/سبتمبر 2023.
تستمر هذه الممارسات حتى العام الحالي، وكانت آخر الحالات التي رصدها مركز "وصول" لحقوق الإنسان تعود إلى نيسان/أبريل الماضي، وإعادة ثلاثة قوارب من قبرص إلى لبنان، وفقا للمدير التنفيذي للمركز محمد حسن، موضحا لمهاجرنيوز أن "المركب الأول كان يحتوي على 130 شخصا تقريبا، والثاني على 160 شخصا تقريبا، والثالث على 100 شخص تقريبا، بينهم رجال ونساء وأطفال. حيث رصد الفريق الميداني ترحيل 12 شخصا من المراكب الثلاثة قسرا إلى سوريا. وقد تكون الأرقام أكثر من ذلك".
وبحسب منظمة "هيومن رايتس ووتش"، طردت السلطات القبرصية "المئات من طالبي اللجوء السوريين بشكل جماعي دون السماح لهم بالوصول إلى إجراءات اللجوء، وأجبرتهم على ركوب سفن سافرت بهم مباشرة إلى لبنان". ومن ثم سلّم الجيش اللبناني هؤلاء المرحلين بشكل مباشر "إلى جنود سوريين ومسلحين مجهولين داخل سوريا".
وبذلك، تكون جمهورية قبرص أول دولة أوروبية رحّلت سوريين إلى بلدهم عبر دولة ثالثة.
مناورات خطرة في البحر يتبعها ترحيل متسلسل
تغادر عادة القوارب المحملة بالسوريين بشكل أساسي من سواحل مدينة طرابلس اللبنانية، إضافة إلى عدد أقل من القوارب التي تغادر بشكل مباشر من مدينة طرطوس السورية.
استنادا على المقابلات التي تحققت منها المنظمة الدولية، نفذ حرس السواحل القبرصي "عمليات اعتراض عنيفة ومناورات خطرة"، فعلى سبيل المثال "قام عناصر من الشرطة القبرصية بتقييد معصمي صبي (15 عاما) غير مصحوب بذويه ووضعوه على متن سفينة قبرصية أعادته مباشرة إلى مرفأ بيروت. ثم قام الجيش على الفور بترحيل الطفل مع مجموعة من السوريين الآخرين عبر معبر المصنع الحدودي مع سوريا".
تعتبر عمليات الصد في قبرص عمليات طرد جماعي محظورة بموجب "الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان"، وتنتهك حظر الإعادة القسرية غير المباشرة أو المتسلسلة أو الثانوية.
إلا أن قبرص شرّعت ممارسات الصد والإعادة القسرية عام 2020 حين أبرمت اتفاقية مع لبنان، تتيح دفع الوافدين الجدد وإعادتهم إلى لبنان، إلا أنها لم تكن تطبق بشكل واسع.
تعليق دراسة طلبات لجوء السوريين.. 14 ألف ملف معلّق
الانتهاكات بحق السوريين لا تقتصر فقط على الممارسات المتعلقة بالقوارب الوافدة إلى الجزيرة المتوسطية، بل قررت السلطات في نيسان/أبريل الماضي تعليق دراسة ملفات السوريين فقط، رغم عدم وجود أي أساس قانوني لعدم دراسة طلبات لجوء حاملين جنسية معينة، حسبما أوضحت لمهاجرنيوز في لقاء سابق كورينا دروسيوتو، المنسقة في جمعية المجلس القبرصي للاجئين.
ووفقا لمفوضية اللاجئين، من المتوقع أن يستمر تعليق معالجة طلبات اللجوء للسوريين لمدة 21 شهرا، اعتبارا من صدور القرار. أي من المفترض أن يستمر ذلك حتى بداية عام 2026.
تقول المفوضية لمهاجرنيوز إن القرار يؤثر على جميع السوريين حتى أولئك الذين ينتظرون منذ حوالي عامين الرد على ملفاتهم. وبحسب أرقام المفوضية، يؤثر الإجراء الجديد على أكثر من 14 ألف طالب لجوء سوري لا تزال طلباتهم معلقة حاليا.
لاجئون يشعرون بالرفض والإهمال والتمييز
نتيجة للسياسة الجديدة، "لا يمكن للسوريين الحصول على مساعدات الرعاية الاجتماعية لدعم العيش المستقل في المجتمع". ويقتصر الدعم على المقيمين فقط في مراكز الاستقبال، و"يواجه أولئك الذين يغادرون هذه المراكز مخاطر فورية للتشرد والعوز والاستغلال المحتمل"، بحسب تصريحات المفوضية لمهاجرنيوز.
كما تسبب هذا القرار في حالة من القلق والتساؤلات بين السوريين حول ما يحمله المستقبل لهم. "يخبرنا الكثيرون أنهم يشعرون بالرفض والإهمال والتمييز. ولدينا بلاغات حول حالات من الفقر والعوز والتشرد خاصة لأولئك الذين ليس لديهم عائلة هنا".
ولا يزال توافد السوريين مستمر، إذ منذ بداية العام الجاري وحتى تموز/يوليو، قدم حوالي 3,825 طلب لجوء جديد من قبل السوريين.
وبالتوازي مع ذلك، كانت تعمل قبرص خلال الأشهر الماضية على الدفع باتجاه تعيين مناطق آمنة في سوريا، من أجل ترحيل السوريين مباشرة إلى دمشق، إلا أنها لم تتمكن من إقناع نظرائها الأوروبيين من تطبيق هذا الإجراء المثير للجدل، لا سيما وأنه يتطلب استعادة العلاقات مع النظام السوري المتهم بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
تنبه كورينا دروسيوتو من خطورة قرار السلطات تعليق دراسة ملفات السوريين، مشيرة إلى احتمالية أن يكون الهدف وراء ذلك يكمن في نية السلطات ترحيل السوريين إلى بلدهم، ريثما تنجح قبرص بتعيين "مناطق آمنة" في سوريا يمكن ترحيل اللاجئين إليها.
تواصل فريق مهاجرنيوز مع إدارة الهجرة القبرصية للتعليق على ما ورد في التقرير، ولم يصله رد.
دانا البوز