الشرق الأوسط: هل هو حقا جحيم للمثليين؟
٩ يوليو ٢٠١٣نشر وايتكر كتابه "الحب الممنوع" أول مرة بالانجليزية عام 2006 بعد أن زار بلدان الشرق الأوسط مسجلا ملاحظاته على الموضوع في شكل إستقصائي، وهو نوع من التقارير الصحفية يفتقر اليه الإعلام العربي بشدة.
في عام 2010 نشر وايتكر النسخة الألكترونية لكتابه محدّثة المعلومات، فلقيَ انتشارا منقطع النظير وعدّته عدة منظمات من المجتمع المدني والمؤسسات الدولية المعنية بحماية الأقليات ( وضمنها المثليين والمثليات) "نصرا للحقيقة" وكشفا عما سكتت عنه الأنظمة العربية.
ينطلق الكاتب من حقيقة مخيفة مفادها أنّ الدول العربية والإسلامية لا تكشف عن حجم إصابات الأيدز( نقص المناعة المكتسبة) في مجتمعاتها لسبب عدم رغبتها في الإعتراف بوجود المثليين والمثليات. وما زالت البلدان العربية تسمي الظاهرة بالشذوذ الجنسي، ثم تختص بتسمية اللواط للعلاقة الجنسية بين الذكور، والسحاق للعلاقة الجنسية بين الإناث.
وفي معرض بحثه في التشريعات الاسلامية الخاصة بعقوبة اللواط، وصل الكاتب الى أن "الحد" لايشمل اللواط نصا، أي أن القرآن لم ينص عليه، بل جاء إجتهادا من علماء الحديث مؤكدا أنه " لا يوجد دليل تاريخي يدعم ويؤكد أن الرسول قد أقام الحد على اللوطيين" ومشيرا الى أن مؤرخا للحديث يدعى (كوغله) قد توصل الى أنّ الأحاديث المنسوبة الى الرسول بخصوص اللواط قد ابتدعت في العصر العباسي.
"الاعلام العربي يتعامل مع فضائح المثليين باعتبارها رذائل غربية"
ركزبرايان وايتكر كثيرا على الإعلام العربي ، مشيرا إلى غياب التحقيقات الاستقصائية عن ميادينه ومبينا أنه اعلام يستقي معلوماته وأغلب أخباره من وكالات الأنباء العالمية حصرا أو حتى من وسائل الإعلام المؤدلجة في الدول ذات الأنظمة الشمولية. هذا الاعلام – كما يرى برايان وايتكر- ينتقي أخبار العلاقات المثلية في الغرب، خصوصا تلك التي يأتي أبطالها من النخب الغربية، ثم يضع على أصول الأخبار توابل فضائحية لتبدوا وكأنها رذائل غربية حصرية ( تنأى المجتمعات العربية والإسلامية والشرقية عموما بنفسها عنها).
ويتفاقم هذا الحديث بانتشار فضائح العلاقات الجنسية والمثلية في مجتمعات الكهنة والقساوسة خصوصا الكاثوليك منهم والتي صارت حديث الألسن في كل مكان اليوم.
ويتوسع وايتكر في الحديث عن إنتشار المثلية في السعودية لسبب الكبت ومساحات التحريم الكبيرة، لافتا الأنظار في الوقت نفسه الى أن السعودية ليست جحيما للمثليين كما يسعى بعض مروجي الإسلام المتشدد إظهارها، وكما يسعى بعض المثليين أيضا الى نشره لتخفيف الضغط عليهم، والى ذلك يشير وايتكر أن المملكة لا تنظر بإهتمام الى تجمعات الذكور، بل تعتبرها (بحسن نية) ، تجمعات إخوانية لا تتجاوز فيها علاقات الذكور مجالات الصداقة المجردة.
ويصدق هذا أيضا على تجمعات النساء، فهي تضم صديقات تجمعهن ( بحسن النية) اهتمامات نسوية بسيطة لا تتعدى أحاديث الموضة والأزياء والتبضع الذي هو سمة المجتمعات الخليجية السائدة. لكن هذا التغاضي المقصود عن لقاءات الجنس المثلية، صنع خير مناخ لنشر ممارسات المثلية الجنسية بشكل واسع في الممكلة.
السعودية: حفلات جنس للواط والسحاق تحت مظلة تحريم الاختلاط
وينقل وايتكر وقائع موثّقة عن حفلات جنس رجالية جماعية يرتدي فيها بعض الشبان ملابس نسوية داخلية ويرقصون بين ذكور يتناوبون على مضاجعتهم على مرأى من بعضهم وسط موسيقى صاخبة وتصرفات ماجنة تشتد بفعل تعاطي المخدرات بشكل واسع، كما ينقل اخبار مداهمات تتعرض لها كثير من الديوانيات والبيوت والفيلات خاصة في مناطق المملكة الساحلية النائية وفي الطائف.
وبنفس الطريقة تقيم كثير من النسوة في المملكة- والكلام دائما لبراين وايتكر- مثل هذه الحفلات بشكل باذخ، حيث يمارسن علاقات السحاق مع مثليات يتلذذن بهذا النوع ، ويشير وايتكر إلى أن العرب والمسلمين لا يعتبرون السحاق عموما خروجا عن الخلق الإسلامي كما يتصورونه، والسبب أن الطبيعة البايولوجية لعلاقات السحاق لا توفر خاصية الإختراق، وهذا يحفظ - وفق تقاليد العرب - شرف المرأة كما أنه لا يترك آثارا مدمرة لاحقة كما في حالات الحمل غير الشرعي وفقدان العذرية...وبالتالي فإن السحاق يصبح ممنوعا مسكوتا عنه في السعودية.
ويخلص برايان وايتكر الى ان الإعلام السعودي تجرأ مؤخرا على تناول هذه الظواهر علنا " فقد نشرت صحيفة عكاظ فضيحة علاقات سحاقية واسعة الانتشار في مدارس البنات ، ونشرت بضع تفاصيل عنها، ثم بررت نشرها المقال بقول نسبته الى السيدة عائشة إحدى زوجات الرسول ومفاده أن ( لا حياء في الدين) " .
" حسن نصر الله يعتبر منظمة حلم من اصدقاء حزب الله"
وينقل برايان أنّ منطقة الخليج ولبنان وشمال افريقيا شهدت نشاط www.al-fatiha.org منظمة (فاتحة) التي تساعد المثليين على اخفاء هوياتهم وتمرير علاقاتهم الطبيعية.
كما يذكر وايتكر ان لبنان هو أكثر دول المنطقة تسامحا بشأن المثلية، مشيرا إلى أن فيه اكثر من 20 منظمة تدافع عن المثليين، وإن كان بعضها مقيما خارج لبنان،ثم يشير الى منظمة (حلم) التي اشتهرت لأنها أعلنت عن نفسها ونشاطها في لبنان باعتباره جزءا من نشاط إجتماعي أكبر يضم مدافعين عن حقوق الانسان والاقليات، وتضم معلمين وحقوقيين وصحفيين ومقرها علني في بيروت.
وقد تعمّق قبول اللبنانيين لدور هذه المنظمة ابان حرب حزب الله مع اسرائيل عام 2006 ، حيث لجأ الى مقرها مئات من أبناء الضاحية الجنوبية ( الشيعة) الذين تقطعت بهم السبل، فقدمت لهم المنظمة فضل خدمات الاغاثة، حتى أن حسن نصر زعيم حزب الله غيّر موقفه منها واعتبرها من اصدقاء حزبه واصدقاء شيعة لبنان.
" إيران: قانون يعفي الذكر من الخدمة العسكرية اذا أعلن انحرافه الجنسي"
ولا يفوت وايتكرأن يذكر أن الجمهورية الإسلامية في إيران والمملكة العربية السعودية والسودان هي الوحيدة بين الدول العربية والاسلامية التي توقع قوانينها عقوبة الاعدام على كل من يمارس علاقة جنسية خارج إطار الزواج، الا أنه يعود ليؤكد أن هذه القوانين لا تطبق إلا في حالات قليلة للغاية، شارحا بإسهاب أسباب ذلك ليصل الى أنّ الشرع الإسلامي ينص على وجوب شهادة 4 أشخاص عقلاء صادقين بالغين شاهدوا المواقعة الجنسية غير الشرعية ( ورأوا فعل المواقعة كما يُرى دخول الميل في المكحلة)، وهو شرط بالغ الصعوبة ومستحيل التطبيق تقريبا.
وهذه الصعوبات تشتد أكثر في إيران التي تربط شرط تطبيق العقوبات في الغالب بالوضع السياسي للمتهمين بالفعل الفاحش، فأذا كانوا لا يصنفون في صف أعداء الثورة فإن شرط رؤية دخول الميل في المكحلة يجد سبيله لإنقاذهم، وإلا فإنهم يواجهون عقوبة الإعدام شنقا ( رغم أن التشريعات تنص على القائهم من شاهق، الا أن هذا لم يطبق إلا في غزة ، حيث القى بعض عناصر حماس متهمين باللوط من سطوح المباني ).
ويسجل براين وايتكر نقطة في صالح نظام الجمهورية الإسلامية في إيران حين يشير الى وجود مادة في القانون تُعفي الذكر من الخدمة العسكرية إذا أعلن أنه يعاني من إنحراف جنسي ( وهو ما يسمى عندهم عدم وضوح الهوية الجنسية) ، دون أن يعلن أنه قد أقام علاقات مثلية مع أحد.
ويستفيد من هذه المادة في العادة الذكور الذين يسعون الى الحصول على اللجوء الإنساني في الدول الغربية، حيث يُعفون من الخدمة العسكرية، ويُثبّت عدم وضوح الهوية الجنسية في دفاتر خدمتهم، ثم يقدمون هذا المستمسك الرسمي الى سفارات دول اللجوء ليعلنوا أنهم مثليون جنسيا وفق القانون ، وأنهم يعانون من مخاطر الإنكشاف التي قد تقود الى الإعدام، وبالتالي فهم يطلبون حق اللجوء بناء على هويتهم الجنسية غير الواضحة، ويحصلون في الغالب على لجوء بهذه الطريقة.
" القاعدة في العراق: حملة ابادة الماعز لأن مؤخراتها مكشوفة"
برايان وايتكر الذي يدير موقعا اخباريا سياسيا اجتماعيا اسمه ( الباب) (www. al-bab.com)
ينتقل في دراسته الصحفية الاستقصائية الى مصر، ليروي وقائع ما جرى سنة 2001 حين داهمت الشرطة سفينة كوين بوت واعتقلت كل من عليها بتهمة ممارسات سدومية وحفلات تحشيش زبائنها من أثرياء الخليج وغلمانها مصريون.
ثم ينتقل بالحديث الى العراق، فيقارن بين ما كان عليه المثليون في زمن صدام حيث دأبوا على اللقاء في ديسكوات وصالات رقص و فنادق ومطاعم ومقاه خاصة بهم في العاصمة وفي البصرة والموصل ومصايف كردستان العراق، وبين ما آل اليه حالهم بعد التغيير عام 2003 حيث شنت عليهم ميلشيات جيش المهدي التابعة للزعيم الشيعي مقتدى الصدر حملات ابادة وقتل وحشي في أعوام 2006 و2007 و2008 وصولا الى اليوم.
ثم تطرق وايتكر الى ما قامت به عصابات تنظيم القاعدة في غرب العراق من حملات فصل بين الذكور والإناث وصلت الى قتل الماعز لأنها تكشف عن مؤخراتها، ومنع وضع البندورة الى جانب الخيار، ومنع النساء من شراء الموز والخيار لأنه يثير الشهوة !!
وتابع وايتكر قصة لوط وقومه في الكتب المقدسة، وما جرى في سدوم وعمورية، وكيف ترك ذلك أثرا في سلوك الأديان تجاه المثلية الجنسية.
ويشير الكاتب الى أنّ تاريخ الديانة اليهودية كان متشددا جدا في مسألة المثلية الجنسية، لكنه أضحى أكثر تسامحا بعد قيام دولة إسرائيل التي باتت اليوم من أكثر دول العالم تسامحا في قضية المثلية الجنسية باعتبارها تكوينا طبيعيا في الإنسان ( كما لون بشرته ولون عينيه ولون شعره، ولا يمكن مطالبته بتغييرها).
اليوم تعتبر تل أبيب اكثر مدينة صديقة للمثليين في الشرق الأوسط. ويشير وايتكر بالإسم الى أدلب في سوريا وقزوين في إيران والحلة في العراق وسرت في ليبيا باعتبارها مدن اشتهرت بوجود المثليين فيها بشكل واسع.
الى متى يتجنب الشرق الاوسط قضية المثليين؟
بعد 220 صفحة من كتابه الموسوم الحب الممنوع Unspeakable Love
بغلافه الذي يحمل ألوان قوس قزح ، الرمز الأكثر إنتشارا للمثليين في العالم ، يخلص برايان وايتكر الى أنّ الدول العربية ترفض فكرة التنوع، ورغم أنّ العالم العربي يضم المسيحيين واليهود والأرمن والعلويين والدروز والأيزيدية والنصيرية والبربر والأمازيغ والمندائيين والآشوريين والأكراد والتركمان والبهائيين والزرادشتيين والشبك في العراق ، فإن العرب يتحدثون عن مجتمع عربي منسجم ومتوافق واحد، وهم يتحدثون بنفس الطريقة عن مجتمع إسلامي خال من العلاقات المثلية ، فالمهم في العالم العربي الحفاظ على المظاهر وتجنب ما يدعى ب" الفتنة".
لكنه يرى في ختام الكتاب أن العالم العربي في طريقه إلى الإنفتاح بسبب انتشار وسائل الإتصال السريع والإجتماعي ( نُشر الكتاب في عام 2010 قبل براكين الربيع العربي وما تلاها والتي غيرت المنطقة و تغيرها باتجاهات غير معلومة). ويبدو وايتكر في سطوره الأخيرة متفائلا بشأن مستقبل المثليين العرب والمسلمين وبشأن حقوقهم .
المؤلف Brian Whitaker
عمل مراسلا لصحيفة غارديان في المنطقة قبل ان يتفرغ للتأليف ولإدارة وتحرير موقعه الموسوم الباب. له مؤلفات اخرى .