"الشيك الغربي على بياض للثوار تنهيه ملابسات مقتل القذافي ومسألة الشريعة"
٢٤ أكتوبر ٢٠١١يعتقد الدكتور حسني عبيدي، مدير مركز الدراسات العربية والمتوسطية في جينيف، إن عقد رئيس المجلس الانتقالي الليبي، مصطفى عبد الجليل، مؤتمرا صحافيا الاثنين(24 أكتوبر/تشرين أول)، ساعات بعد خطابه أمس بمناسبة تحرير ليبيا، يؤشر إلى "ارتباك وحرج كبير" وقع فيه المجلس بسبب قضيتي مقتل القذافي وإعلان الشريعة الإسلامية كمصدر للتشريع في ليبيا الجديدة.
وفي حوار مع دويتشه فيله، يقول عبيدي إن "المواقف المرتبكة التي وقع فيها المجلس الوطني الانتقالي في الأيام القليلة الأخيرة، تشكل انتكاسة لعملية الانتقالي السلمي والديمقراطي للسلطة" في ليبيا.
وفيما يلي نص الحوار:
دويتشه فيله: ألا تعتقد أن الطريقة التي قُتل بها القذافي ربما تسيء إلى صورة ليبيا الجديدة؟
حسني عبيدي: من المؤكد أن ظروف مقتل العقيد القذافي ستبقى لغزا كبيرا. وقد لاحظنا أنه منذ اللحظات الأولى لمقتل القذافي كان هنالك تريث كبير من قبل المجلس الانتقالي في إعلان الوفاة. وهذا يدل على أنه حدث ارتباك على مستوى المجلس الانتقالي نفسه بشأن عملية إخراج نبأ مقتل القذافي سواء بالنسبة للمواطنين الليبيين أو بالنسبة للمجتمع الدولي.
والملاحظة الثانية، هي أن المجلس الانتقالي لا يبدو أنه يبسط سيطرته بشكل تام على تجمعات الثوار، وهذا يعني غياب التنسيق، ووجود رغبة في الانتقام والثأر لدى بعض الأوساط، إضافة إلى عدم التنسيق بين مجموعات الثوار نفسها. ويظهر هذا الارتباك أن العملية محرجة جدا بالنسبة للقيادة الليبية الجديدة.
وما هي أوجه الإحراج تحديدا؟
لقد قامت الثورة الليبية من أجل قيام دولة القانون، ولاشك أن عملية قتل العقيد القذافي قد تمت خارج القانون. وثانيا مبدأ محاكمة المتهم، وتعارض الإفلات من العقبات مع مبادئ دولة القانون. وثالثا، ان عملية قتل القذافي تدل على أن المجلس الوطني الانتقالي لم يصل بعد إلى درجة إقناع الرأي العام الدولي والإقليمي بسيره على مبادئ التسامح والمصالحة وإدماج كافة أفراد الشعب الليبي، والتي بدونها لا يمكن أن تتم عملية انتقال سلمي للسلطة. أما أن تبدأ هذه المرحلة بالتخلص من بعض الشخصيات سواء العقيد القذافي أو مقربين منه، فهي انتكاسة كبيرة وأول خطوة في الاتجاه الخاطئ بالنسبة لعملية الانتقال السلمي والديمقراطي في ليبيا.
وما هي قراءتك لخطاب رئيس المجلس الانتقالي، مصطفى عبد الجليل، بمناسبة إعلان تحرير ليبيا، وتضمنه تأكيدا على عُلوية الشريعة الإسلامية في التشريع الليبي؟ هل يشكل ذلك تراجعا عن هدف قيام دولة مدنية ديمقراطية في البلاد؟
مثلما لم يوقف المجلس الوطني الانتقالي في عملية إخراج مسألة مقتل القذافي وظهرت خلافات داخل المجلس ومع مجموعات الثوار، فإن خطاب المستشار مصطفى عبد الجليل الذي ألقاه يوم الأحد (23 أكتوبر/ تشرين الأول) شكََل خيبة، فقد أسهب في التفاصيل دون أن يذكر حيثيات ومبادئ أساسية فيما يتعلق بالانتقال السلمي والديمقراطية، فقد خلا الخطاب من مصطلحات الحرية والديمقراطية والانتقال السلمي وحقوق الإنسان والتداول السلمي على السلطة، وهي المفردات التي جعلت من الثورة تحظى بشعبية كبيرة جدا في ليبيا وفي محيطها الإقليمي والدولي.
واعتقد أيضا أن طرح مسألة الشريعة الإسلامية، كان سابقا لأوانه، لأنه لا مصطفى عبد الجليل ولا المجلس الانتقالي، يملك الشرعية الضرورية التي تخوله الحسم في قضايا تتعلق بمستقبل ليبيا. فهذه المسألة تعود للشعب الليبي، الذي سيقرِّر بعد انتخابه مجلسا تأسيسيًّا إستفتاء شعبي على دستور جديد، وحده سيقرِّر مستقبل ليبيا.
واعتقد أن هذه الأمور أحدثت حرجا كبيرا داخل المجلس الانتقالي، وهو ما يفسر اضطرار رئيسه (المستشار مصطفى عبد الجليل) إلى عقد مؤتمر صحافي جديد الاثنين لتوضيح الأمور، لكن الضرر قد وقع، وهو ما نرصده من خلال معظم وسائل الإعلام الأوروبية التي ركزت اليوم على مسألة الشريعة الإسلامية كمصدر وحيد للتشريع في ليبيا.
وكيف تفسر خطاب رئيس المجلس الانتقالي، هل يعتبر رضوخا للجماعات الإسلامية التي كان لها دور أساسي في الثورة المسلحة التي أدت لإسقاط نظام القذافي؟
أولا يتعين الإشارة إلى أن المستشار عبد الجليل، قد وعد الليبيين بأنه سيغادر المجلس الوطني الانتقالي ولن يترشح لمناصب في المستقبل، وهذا ما يشفع له. وثانيا أن الرجل هو يدرك أن البعد الإسلامي ومشاركة التنظيمات الإسلامية المعتدلة والمسلحة ساهمت بشكل كبير في نجاح الثورة، وهو إطار يتعين عدم الخروج عنه. كما أن المستشار عبد الجليل هو قاض، ولا ينتظر منه الشيء الكثير فيما يتعلق بقضايا السياسة الدولية وعملية البناء الديمقراطي، وقد أعطى الرجل ما يمكله.
هل تعتقد أن ما وصفته بانتكاسات للمجلس الانتقالي الليبي، ستؤثر سلبيا على حجم الدعم الذي يلقاه من الغرب بعد أن قدم له دعما قويا عبر الناتو أدى لإسقاط القذافي؟
بالتأكيد فإن المجتمعات الغربية سيحدث لديها احتراز كبير، بعد كانت قد ساندت إلى حد كبير صانعي القرار في العواصم الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية من أجل مساعدة الثوار الليبيين. ولذلك فإنني اعتقد الشيك على بياض قد انتهى بعد خطاب مصطفى عبد الجليل.
وثانيا، اعتقد أن خطاب يوم الأحد، أساء لفئات من الليبيين، مثل النساء والتنظيمات المدنية والسياسية التي شاركت في الثورة، وأعني كل الليبيين الذين لا يشاطرون ما تضمنه خطاب مصطفى عبد الجليل. فقد بدا خطابه وكأنه تهميش لهؤلاء وتركيز على طمأنة تيار معين، في حين أن ليبيا تستمد قوتها في تعدديتها، خصوصا في ظل تعقيدات الأبعاد القبلية والمناطقية. وبرأيي فقد خسر عبد الجليل بخطابه المجتمع الدولي كما خسر قطاعات من الشعب الليبي والشعوب العربية، التي رأت في خطابه خروجا عن نسق الإجماع والتوافق.
أجرى الحوار: منصف السليمي
مراجعة: عبده جميل المخلافي