الصحفيون في العراق بين متطلبات المهنة واخطارها
لم يكن أمام الصحفي البريطاني روبرت فيسك من خيار غير مغادرة المكان الذي كان قد سارع إلى الوصول إليه عقب حدوث انفجار قنبلة أودى بحياة 43 شخص."في ظرف دقيقة واحدة كنت محاطا برهط من الغاضبين"، يروي فيسك الذي يعرف جيدا خطورة الموقف بحكم عمله لأكثر من ثلاثين عاما كصحفي في المنطقة وبالذات في المناطق الساخنة. ويعتبر انه من العقلانية الابتعاد قدر الإمكان عن المواقع التي تتعرض لحوادث من هذا النوع، غير انه مع ذلك يتساءل في الوقت نفسه "كيف يمكننا إذا والحال كذلك أن نكتب تقارير عن الوضع في العراق؟"
قتل "شهود" الحقيقة!
كثير من الصحفيين دفعوا حياتهم ثمنا لنقل الحقيقة في هذه الحرب. الإحصائيات المتحفظة تقدر عدد الذين قضوا في هذه الحرب بـ 66 صحفي، وهو ما يفوق عدد الذين سقطوا خلال عشرين عاما في حرب فيتنام. وتتحمل القوات الأمريكية المسؤولية عن مقتل على الأقل ثمانية عشر من هولاء. وتنتقد لجنة حماية الصحفيين وموقعها نيويورك الحكومة الأمريكية لعدم التحقيق في معظم هذه الحالات. غير أن متحدثا باسم وزارة الدفاع الأمريكية رد على هذه الانتقادات بان الجيش الأمريكي يحقق في كل تقرير يتمتع بالمصداقية: "ومن يدعي غير ذلك فهو لا يستند إلى الحقائق"، حسب تعبير المسؤول الأمريكي. فهل يعني ذلك أن لا أحد يستند إلى الحقائق ووحدها هي الوزارة الأمريكية التي يتوجب تصديقها في هذا الموضوع؟ صحيح أن هناك بعض الأحيان تحقيقات تتم ولكنها، حسب روبرت شاو، المتحدث باسم الاتحاد الدولي للصحفيين، تتم من قبل القوات الأمريكية نفسها وهي نفسها المسؤولة عن عمليات القتل. "نفسها الوحدات المسؤولة عن القتل تقوم بعملية التحقيق وتغلق في النهاية الملفات".
لوكالة رويترز وحدها قتل أربعة من منتسبيها من صحفيين ومصورين. وفي الوقت الذي تضغط الوكالة فيه لإجراء تحقيق بشأن تلك الحالات بقيت جهودها بدون نتيجة "صحيح ليس هناك أدلة على أن القتل كان متعمدا، غير أننا نريد ان نعرف، لماذا كل هذا العدد من القتلى؟"، طالبت، سوزان السوب، المتحدثة باسم وكالة رويترز.
و صحفيون خلف قضبان" أبو غُريب"
هناك أيضا صحفيون يقبعون في سجون القوات الأمريكية في العراق. احد هولاء صحفي يعمل لحساب وكالة رويترز ويقبع خلف قضبان "أبو غريب" سيء الصيت. وترفض وزارة الدفاع الأمريكية كل محاولات وكالة رويترز بالسماح لزيارته من قبل مندوبها. و حسب تصريح المتحدثة باسم رويترز، فان الوكالة لا تستطيع الاتصال به كما ولا تعرف ماهية التهم الموجهة اليه وليس لديها الإمكانية لمتابعة قضيته قضائيا. الشيء الوحيد الذي أفصح عنه الجيش الأمريكي هو انه "بعد التحقيق معه سيتم في غضون ستة اشهر إطلاق سراحه". بالإضافة إلى ذلك هناك أيضا أربعة صحفيين لرويترز في قبضة القوات الأمريكية في الوقت الحالي.
الصحفي العراقي "درجة ثانية"
الوضع بالنسبة لحوالي 1500 صحفي أجنبي و 3000 صحفي عراقي يزداد خطورة من يوم إلى آخر، حسب تقدير المتحدث باسم الاتحاد الدولي للصحفيين. كثير من وسائل الإعلام سحبت مراسليها الأجانب و أحلت محلهم صحفيين عراقيين. وصحيح إن هولاء الصحفيين العراقيين يستطيعون التحرك بحرية إلى حد ما ولا يقعون دائما في قبضة المسلحين ولكنهم بطبيعة الحال ليسو في مأمن. وأضاف شاو: " في السنة والنصف المنصرمة كان ثلاثة أرباع الصحفيين الذين تعرضوا للقتل عراقيين"، كما أن بعض وسائل الأعلام الكبيرة تتعامل مع الصحفيين العراقيين باعتبارهم درجة ثانية من حيث التأمين على حياتهم ووسائل الحماية التي توفر لهم.
"صحفيو الفنادق"
بالنسبة للصحفيين الغربيين المتبقيين في العراق يضطرون للبقاء معظم الوقت خلف جدران الفنادق التي يقيمون فيها. هنا يثور السؤال حول مصداقية ودقة التقارير التي ينقلها هؤلاء من خلف الشبابيك المغلقة إلى وسائلهم الإعلامية وجمهورهم. غالبا ما ينقل هؤلاء الصحفيين ما يدور في "المنطقة الخضراء" التي يقطنون فيها. وبدلا من البحث عن المعلومات بأنفسهم، يعتمد "صحفيو الفنادق" على ما تزودهم به الحكومة والجيش الأمريكي من معلومات عن طريق التلفون، على حد قول المتحدث باسم الاتحاد الدولي للصحفيين، شاو." هنا يتحدث الحبساء إلى حبساء آخرين"، حسب تعبير روبرت فيسك الذي يعد من الصحفيين الغربيين القلائل الذين لازالوا يتحركون داخل العراق. أما الأغلبية فإنهم أما في الفندق المحصنة والمحاطة بالحراسة المشددة أو لا يتحركون إلا مع القوات الأمريكية، الأمر الذي جعل فيسك يعلق على عمل هؤلاء بأنه حتى ليس "صحافة فنادق" بل "صحافة سجون". كما ينتقد فيسك هؤلاء الصحفيين لأنهم لا يقولون تحت أي ظرف يعملون ومن أي وكيف ينقلون تقاريرهم ومدى دقة ما ينقلون في ظل عدم القدرة على التحرك داخل الأراضي العراقية.
دينيس ستوتا
ترجمة وإعداد: عبده جميل المخلافي