اللبنانيون يعبّرون عن تمايزهم الطائفي والسياسي بالوشم
١ أبريل ٢٠١٣في لبنان الذي أصبح فيه الوشم عنصراً من المشهد التجميلي للإنسان، انعكست الاصطفافات السياسية والشروخات المذهبية على هذا الفن. فبات الوشم أحد وسائل الدعاية. لكن البعض ظل يحب الوشم لجماله بغض النظر عن انتمائه السياسي أو اعتقاده الديني.
يبرّر الصحافي الشاب، عادل السلمان، سبب اختياره للوشم أنه يحبه منذ صغره، قائلاً "كنت أشاهده على التلفزيون ويعجبني. تشجعت حين شاهدت رفاقي قد وشموا أجسادهم". لكن العائلة لم تحب ذلك في البداية ومع الوقت اعتادت الموضوع.
وبالنسبة لأصدقائه يوضح لـ "DW عربية، أن "منهم من عمل وشماً ومنهم من أحب الفكرة ولكن لم يعمل".
رمز الفوضوية
بدوره محمد غربية (25عاماً) الذي يملك 32 وشماً على جسده كلها ذات بعد سياسي وأيديولوجي، بدأ بالوشم منذ كان في الثامنة عشرة من العمر، معتبراً ذلك "نمطا من الحياة".
يوضح الشاب اليساري لـ "DW عربية، أن اهتمامه بالوشم السياسي نبع من التزامه بالحزب الشيوعي سابقاً وتحوله فيما بعد إلى مرحلة أكثر راديكالية وفوضوية، قائلاً "هذا ما دفعني إلى عمل أي شيء، خصوصاً بعدما وجدت أن الحزب الشيوعي لا يحقق آمال الجماهير. فالوشم يعكس نظرتي الفوضوية للعالم".
وعن الوشوم المنتشرة في جسده، أوضح غربية أن لديه شخصيات فكرية وثورية هامة مثل: فلاديمير لينين وآرنستو تشي جيفارا والأمينان العامان الراحلان للجبهة الشعبية، جورج حبش وأبو علي مصطفى، وقائد العمليات الخارجية في الجبهة الراحل وديع حداد.
وثمة عبارة باللغة العبرية على ساعده تقول "كامل تراب فلسطين"، يقول إنها "رسالة إلى كل من أصافحه خارج لبنان بأن هذه الأرض أسمها فلسطين".
لم يشعر غربية حتى الآن بأي ندم على القيام بالوشم، مشدداً على أنه لا ينوي إزالة أي منها في المستقبل "أنا لا اهتم للرسوم بل للقضية التي تحملها هذه الرسوم". ويقول إنه لا يخاف من أي اضطهاد سياسي بسبب رسوم الوشم، فيما لو سيطرت فئات معادية للشيوعية ولليسار على منطقته.
شبهات أمنية
إلا أنه يضيف أن بعض الناس يتعاطى معه كصاحب سوابق جرمية، "إحداهن سألتني هل وشمت نفسك في السجن"، مشتكياً من أن القوى الأمنية هي أكبر عدو شخصي للوشم. فهي تضايقه دائماً في الشارع وفي المطارات وتشتبه به فقط بسبب الوشوم.
ولا يرى الشاب اليساري مانعاً من قيام البعض باستخدام الوشم الديني "هذا يعبر عن أفكاره".
أما الصحافي الشاب قاسم قاسم، فتعبّر وشومه عن هواجسه كفلسطيني يحلم بالعودة إلى وطنه، لكنه يبرر سبب لجوئه إلى هذا الفن بأنه شخصي ويقول: "لم أكن أتوقع في يوم من الأيام أن أوشم جسدي. لكن بعد وفاة صديقي أردت تخليده فكتبت أسمه على معصمي. ثم بعد شهور قررت أن اكتب فلسطين على معصمي الأيسر فأصبح صديقي الراحل على معصمي الأيمن وبلدي المحروم منه على معصمي الأيسر".
يضيف قاسم "من أصل 6 وشوم على جسدي، هناك ثلاثة سياسية. الأول فلسطين وما يرمز إليه من ظلم. والثاني وجه غي فوكس الذي أراد تغيير الملكية في بريطانيا منذ مئات الأعوام واعتقل، وأصبح قناعه الكاريكاتوري اليوم رمزاً للثورة وللدفاع عن المظلوم في كل مكان، لذلك قررت أن أوشمه على ساعدي. وهناك عبارة الأفكار مضادة للرصاص والتي تجسد الأفكار التي أحملها وأؤمن بها".
رموز دينية
بعض الذين وشموا أجسادهم برموز دينية رفضوا التحدث لـ "DW عربية، بذريعة أن هذا شأن خاص وأن التحقيق يهدف إلى انتقاد ما يقومون به.
وحسان، الفنان الذي يقوم بتصميم وعمل الوشوم، يرفض تصوير رسوماته أو كشف أسمه الحقيقي، ويتعاطى بحذر مع أي أسئلة لها طابع ديني أو مذهبي، كانعكاس لما يعيشه لبنان اليوم من شحن غير مسبوق وعصبية فاضحة.
يتحدث حسان عن بعض زبائنه الذين يقصدونه من أجل وشم صليب أو عبارة "الله" أو سيف الإمام علي، أو أسماء صحابة الرسول وأئمة الشيعة وصور المسيح ومريم العذراء. ويقول لـ "DW عربية، إن "كل إنسان حر في أن يعبر عما يؤمن به وهذا أمر طبيعي، حتى أن بعضهم يوشم جسده بصور تعتبرها الدولة رموزا لعبادة الشيطان، لكن أنا أقوم بعملي ولا أتدخل في خيارات ورغبات الزبائن".
أما محمود الذي رفض تصوير وشومه ، فيبرر قيامه بذلك بأنه جزء من الحفاظ على الشخصية والهوية، لأن كل جماعة دينية تعبّر عن نفسها بطريقتها، وأنا أعبر أن حبي لمذهبي بطريقتي"، رافضاً أن يكون لديه أية نية لاستفزاز الآخرين بهذا العمل.
لكن صديقه الذي يقبل الوشم على مضض يقول إن "الوشم أصلاً في الدين حرام لأنه يشوه ما خلق الله".
ويتحدث صلاح لـ "DW عربية عن اصطفافات مذهبية في لبنان تجعل كل شاب يُستَنفَر لتأكيد هويته المذهبية "لذلك لجأنا إلى وشم أسماء بعض صحابة النبي محمد لنؤكد للآخرين ما نؤمن به ونعتقد"، بينما كشف حسن عن "سيف ذو الفقار" الموشوم على ساعده ليقول إنه "يعبر عن ولائي لمذهبي ولآل بيت الرسول وهو أيضاً جميل".
تقنية الوشم
ومن وجهة نظر أخصائية التجميل، منى عياد، تختلف النظرة للوشم عن ما هو سائد في الشارع، ففي مركزها للتجميل (spa) في بيروت، تحدثت عياد لـ "DW عربية، قائلة إنها تقوم بصناعة الوشم منذ 6 سنوات. وإنه "أصبح رائجاً لسهولة تغييره وفق التقنيات والمواد الجديدة"، مشيرة إلى أجهزة خاصة تُستخدم في عملية الرسم بدلاً من الحقن التي كانت سائدة في الماضي.
زبائنها من الجنسين، معظمهم يقوم بذلك من أجل التغيير أو لفت انتباه الجنس الآخر. لكن الطلب على الرموز الدينية والسياسية لديها نادر، إذ أن أكثر الوشوم المطلوبة رسوم حيوانات، مثل أسماك وطيور أو أسماء أشخاص مثل اسم الحبيب.
وتشرح عياد المواد التي تستخدمها في الوشم، مشيرة إلى الحبر المؤقت الذي يمكن إزالته بعد عشرة أيام مثل وشم الحنة، والحبر الفرنسي الذي يدوم لسنوات ثلاث، وينبغي إعادة وشمه أو إزالته بعملية الليزر.
وفي الصيف يزيد الإقبال على الوشم أكثر من الشتاء نظراً لارتداء ثياب تُظهر بعض الوشوم. وعن السعر تقول عياد إنه يتراوح بين 40 و200 دولار أميركي.