المدونات اللبنانية والإسرائيلية قناة للحوار بين طرفي النزاع
٢٥ يوليو ٢٠٠٦منذ الحرب على العراق وأهمية المدونات الالكترونية في الكشف عما تعجز عنه وسائل الإعلامية التقليدية في تزايد. فالمدون يسجل بأسلوب بسيط وبعيدا عن أعين الرقيب ما يدور في عالمه الحقيقي خلف شاشة الكمبيوتر، وينقل صورة حية لما يحدث حوله إلى العالم بدقة لا يستطيع المراسل مجاراتها. ومن أهم المدونات العراقية التي لعبت دورا في فضح فظائع الحرب مدونة رائد ومدونة عائلة من بغداد ومدونة بغداد تحترق. واليوم يعبر اللبنانيون والإسرائيليون من خلف شاشاتهم عن الحرب، كل من موقعه. وامتلأت مدوناتهم بأخبار العمليات العسكرية وتفاصيلها على جانبي الجبهة، كما امتلأت بالتعليقات عليها والمناقشات المشتركة حولها. وبرغم وجود بعض التجاوزات في الحوار نجحت المدونات في فتح قناة حوار بين المتحاربين، قد تسهم في خلق أرضية للسلام، وهو الأمر الذي عجز عنه السياسيون.
المدونات تقوم على التفاعل
الصور متماثلة، سواء كانت من حيفا أم من غزة أم بيروت: قتلى وجرحى من المدنيين، مباني مهدمة ومحطمة. والمدونون يريدون التعبير عن هذه المآسي التي تحدث حولهم منذ أول أيام التصعيد العسكري، كما يرغبون في معرفة ما يحدث على الجانب الآخر عن طريق الفضاء الافتراضي(فضاء الانترنت)، الذي يتيح لهم عبور الحدود الجغرافية الضيقة. وتحولت المدونات فجأة إلى وسيلة يكتشف من خلالها كل جانب الجانب الآخر، ويتعرف على وجهة نظره، بل ويمكنه أيضاً التعليق عليها وبالتالي الدخول في حوار مفتوح، ففكرة المدونات في النهاية قائمة على التعليق على ما يُكتب. ولأن التعليق على المدونة يتطلب إدخال عنوان البريد الالكتروني أو عنوان صفحة المدونة الشخصية على الانترنت، فقد فتحت المدونات قناة حوار مباشرة بين طرفي نزاع لأول مرة. بالطبع كثيراً ما تحتد لهجة المناقشات، إلا أنها تبقى وسيلة للتعرف على الآخر وعلى رؤية أخرى للقضية.
حرب مدونات منذ اليوم الأول
وربما يخشى البعض أن تتحول الصور والتعليقات إلى وسيلة لتسويق لفكرة ما، أو للتأثير على الرأي العام. وقد يكون البعض قد بدأ مدونته من هذا المنطلق بالفعل، لكن توفر فرصة التعليق على المدونة يخلق أداة فعالة لتقييم مدى صدق محتواها. فالصور المؤثرة للأطفال المصابين والأمهات الباكيات تأخذ بعداً مختلفاً بعدما تقرأ التعليقات عليها والتي تعطي وجهة نظر أخرى أو تعطي للصور حجمها دون مبالغة. وعلى الانترنت، توجد لقاءات غير معتادة: فهذا الجندي الإسرائيلي الذي أقام فترة على الحدود يتعرف على نتائج مهمته عبر مدونة "المنتدى اللبناني للمدونين". ويقول: "إننا في إسرائيل لا نرى إلا الضربات الموجهة إلينا. أما التفجيرات التي تحدث في لبنان، فنحن لا نعرف عنها شيء ولا نرى منها شيء".
وتعد هذه الحرب أكثر حرب دُوِن عنها، وعُرفت بكل تفاصيلها كما لم يحدث من قبل. فيومياً يكتب عشرات المدونين من أماكن مختلفة تفاصيل دقيقة عن الحرب. يكتب البعض من الشرق الأوسط ويكتب آخرون من بلاد المهجر، معبرين بذلك عن الأحداث التي تدور حولهم وتداعياتها عليهم. فهذا اللبناني الذي يحيا في الولايات المتحدة يكتب في مدونته عن ردود الفعل الأمريكية وعما لا يراه الأمريكيون من صور، والآخر الذي يحمل جنسية كندية وتمكن من الخروج من لبنان يبحث عن عائلته عبر مدونته ويود التعرف على مصيرها.
الحوار مازال مستمرا
بالطبع هناك أيضاً عبر هذه الملتقيات الافتراضية تبادل اتهامات، وتخرج بعض المناقشات عن النطاق الأخلاقي. إلا أن أغلبية المدونين، خاصة الأصغر سناً منهم يتمنون أن يعم السلام. وتعد أهم أدوار الانترنت هي إتاحة الفرصة للتعرف على وجهات نظر مختلفة كما يؤكد أحد المدونين في مدونته. ومؤخراً أثارت صورة استياء عارما وسط المدونين العرب. في الصورة تظهر فتاتان من إسرائيل يكتبان على صاروخين: "إلى نصر الله مع حبي، من إسرائيل ودانيلا". الاستياء من هذه الصورة جعل "الجبهة" على الانترنت أعنف وأقسى. وبلا شك هناك السخرية والاستهزاء التي توجه من الجانبين، إلا أنها تبقى وسيلة ليعرف كل فرد ما لا يعرفه عن أعدائه، كما أنها قد تسمح له بالتعرف على الجانب الإنساني للقضية، والأهم أنها تبقي الحوار مفتوحاً.