المقاطعة الاقتصادية زادت من تأزم الأوضاع في الأراضي الفلسطينية
٢٠ ديسمبر ٢٠٠٦تشهد الأراضي الفلسطينية تصعيدا أمنيا داخليا خطيرا، حيث أعلنت مصادر طبية ان فلسطينيين قتلا وجرح ستة آخرون في مواجهات مساء الثلاثاء بين ناشطين من حركتي حماس وفتح رغم إعلان وقف إطلاق النار بينهما. وفي الوقت ذاته أفادت مصادر صحفية أن عشرات المسلحين ما زالوا يجوبون شوارع مدينة غزة، كما لم ترفع كل الحواجز من الطرقات، خلافا للاتفاق حول وقف إطلاق النار الذي دخل رسميا حيز التنفيذ مساء الثلاثاء. وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء إسماعيل هنية قد أعلنا مساء الثلاثاء البدء بتطبيق "وقف شامل وكامل" لإطلاق النار في غزة بعد هذه الصدامات.
وفي ضوء هذا التصعيد الأمني الداخلي يبرز الدور الذي يمكن أن تلعبه الأطراف الدولية في تخفيف حدة الاحتقان السياسي الداخلي الذي يعود في كثير من أسبابه إلى الحصار الاقتصادي والمقاطعة الغربية للحكومة الفلسطينية التي تقودها حماس، كما يرى العديد من الخبراء والمحللين. فرغم أن حماس وصلت إلى سدة الحكم عن طريق صناديق الاقتراع، إلا أن المجتمع الدولي طالبها بأن تفي بمتطلبات التفاوض معها وعلى رأسها الاعتراف بحق إسرائيل بالوجود ونبذ الإرهاب وهو أمر قد تلكأت حماس في تبنيه. وفي ضوء هذه الإشكالية الديموقراطية فإن تساؤلات عديدة حول الدور الذي يمكن أن يلعبه الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية في التخفيف من حدة الأوضاع المعيشية للشعب الفلسطيني وبالتالي امتصاص موجة العنف هذه، وهل دعوة عباس إلى انتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة قد تساهم في حل المشكلة وإذا ما جرت انتخابات ووصلت حماس إلى سدة الرئاسة، ما هو شكل المنطقة والسيناريو المحتمل في ضوء ذلك؟
المقاطعة الاقتصادية
التطورات الأخيرة في الأراضي الفلسطينية ستنعكس سلبا على المنطقة بأسرها وربما يمتد أثر هذه الأزمة إلى الدول المجاورة. وذلك ليس من مصلحة إسرائيل على المدى البعيد أن تغرق الأراضي الفلسطينية في فوضى السلاح والحرب الأهلية، الأمر الذي ينعكس سلبا على أمنها الداخلي. وفي ضوء هذه المعطيات فإن التدخل الغربي والعربي يعد حاجة ملحة وضرورة قصوى من أجل نزع فتيل الأزمة وإنعاش عملية السلام المحتضرة. وفي تعليقها على التطورات بين حماس وفتح قالت رئيسة حزب الخضر الألماني، كلاوديا روث، بعد زيارة قامت بها إلى الشرق الأوسط بأن "حماس هي من نتاج الاحتلال والمقاطعة الاقتصادية الدولية"، وهو ما يساهم في إشعال شرارة هذا الاقتتال الداخلي.
وإلى النتيجة ذاتها، انتهى أيضا الخبير الألماني في شؤون الشرق الأوسط، لودفيج فاتسال، وذلك في مقابلة له مع موقعنا، حيث قال بأن "المقاطعة الاقتصادية الدولية وحجب المساعدات عن الحكومة الفلسطينية أضعف قدرتها على الحركة والتغيير، الأمر الذي ساهم في إشعال شرارة هذا العنف." وأضاف قائلا بأن الصراع بين القوتين المتحاربتين على الساحة الفلسطينية هو "صراع على السلطة والمال." وعن آثار سياسات الاتحاد الأوروبي وخاصة المالية تجاه حماس اعتبر الخبير الألماني بأن "الأوروبيين قد أخطؤوا في حصارهم لحكومة حماس وكان من الأولى إعطاء هذه الحكومة المنتخبة ديموقراطيا الفرصة الكافية لإثبات قدرتها وبالتالي إصدار الأحكام على أعمالها." وفي الوقت ذاته اعتبر الخبير الألماني بأن الممارسات الغربية في هذا السياق هي "خرق للمبادئ التي تؤمن بها وتقوم عليها الديموقراطية الغربية."
الانتخابات المبكرة؟
جاءت دعوة عباس لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة في ظل مناخات سياسية فلسطينية داخلية وأخرى أقليمية معقدة. إذ يرى المحلل السياسي الألماني، فاتسال، بأن "هذه الدعوة تزيد الأمور تعقيدا وأنها ليست جزءا من الحل." كما قال بأن "وصول حماس إلى السلطة تم عبر انتخابات ديمقراطية شهد العالم بنزاهتها بعد أن رفض الناس الفساد الذي كان يمارسه رجال منظمة التحرير ولكن حماس لم تعط الفرصة المناسبة لتطبيق برنامجها الانتخابي في هذا الشأن." وفي سياق متصل فإن تبعات الدعوة إلى انتخابات مبكرة وجدت لها صدى في الصدامات العنيفة في قطاع غزة بين عناصر فتح وحماس وهو ما يجعل "الأراضي الفلسطينية على حافة حرب أهلية وأن الفلسطينيين بذلك يضيعون رصيدهم السياسي والحقوقي في الساحة الدولية،" كما قال الخبير الألماني.
دور أوروبي وألماني في التغيير
يجمع عدد من المحللين والسياسيين الألمان على أن تدهور الأوضاع الداخلية في الأراضي الفلسطينية يعود في جذوره للحصار الاقتصادي. وقي هذا السياق يرى الخبير الألماني فاتسال بأنه "يتوجب على الاتحاد الأوروبي أن يمارس سياسة أخرى وأنه كان من الأولى أن يبدأ بحوار مع حماس بدل الانضمام إلى نادي المقاطعة." كما أوضح بأن "هناك تغيرا في الخطاب السياسي لحماس الذي أخذ يميل إلى البراجماتية وهو أمر لم يحسن الأوروبيون قراءته والاستفادة منه وبالتالي توظيفه سياسيا."
وعن ضرورة إعادة إطلاق عملية السلام كمخرج للأزمة وضرورة أن تلعب ألمانيا دورا خاصا في ذلك تقول السياسية الألمانية، روث: "إنه من المهم بمكان أن تقوم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بتوظيف علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية ومع الرئيس جورج بوش من أجل أن تجعل الولايات المتحدة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بؤرة اهتمامها." واعتبرت السياسية الألمانية أن "سياسة الضغط الأحادي الجانب" لا تجلب نفعا، بل تزيد المشكلة تعقيدا. وأضافت قائلة بأن "الأمن في الشرق الأوسط لا يتحقق بالحلول العسكرية وإنما على أساس الاعتراف المتبادل بالحقوق." وأكدت في الوقت ذاته بأن "حل الدولتين" هو الطريقة المثلى لحل هذا الصراع وأنه "لا بد من أن تتمتع الدولة الفلسطينية بالقدرة على الحياة والبقاء والتواصل بين أطرافها."