اليمن: هل اخترقت القاعدة الأمن أم أُستُخْدِمت لتصفية حسابات؟
٥ يونيو ٢٠١٢في الآونة الأخيرة وبالتزامن مع الضربات الموجعة التي وجهها الجيش اليمني ولجان المقاومة الشعبية في محافظة أبين الجنوبية ضد جماعة تنظيم القاعدة المعروفة محليا بـ "أنصار الشريعة" تزايدت العمليات الانتحارية سواء بواسطة أشخاص مجهزين بأحزمة ناسفة أو بسيارات مفخخة أو بواسطة العبوات الناسفة. ففي يوم 21 أيار/ أيار الماضي أستهدف تجير انتحاري بحزام ناسف كتيبة من قوات الأمن اليمنية كانت تقوم بالبروفة الأخيرة استعدادا للمشاركة في العرض العسكري الذي كان سيتم في اليوم التالي بمناسبة الذكرى الـ22 لإعلان الوحدة بين شطري اليمن الشمالي والجنوبي، وهي العملية التي نتج عنها مقتل وإصابة ما يزيد عن ثلاثمائة جندي من أفراد الأمن والجيش اليمني. وفي 25 أيار/مايو الماضي استهدفت سيارة مفخخة يقودها انتحاري إحدى المدارس التي يتجمع فيها أنصار عبد الملك الحوثي قائد الحركة الحوثية الزيدية الشيعية في محافظة الجوف، وأسفرت العملية عن مقتل حوالي 20 شخصا. كما أقدم انتحاري آخر على محاولة تفجير نفسه في مسيرة للحوثيين في محافظة صعدة.
انقسام في الأجهزة وتعدد في المواقف
وفيما ساد الصمت حول عمليتي صعده والجوف، حظيت عملية صنعاء باهتمام واسع، من حيث الإدانة وتعدد الجهات التي أعلنت تبنيها للعملية وتناقض الروايات وارتباك المواقف، فقد سارع المركز الإعلامي لوزارة الداخلية لإعلان اسم الانتحاري المفترض الذي نفذ عملية صنعاء، ليتضح فيما بعد أن الانتحاري المزعوم لا يزال على قيد الحياة. واضطرت الوزارة إلى الاعتذار علنا عن ذلك الخطأ، وهي خطوة (أي الاعتذار) عدها الكثير من اليمنيين إيجابية كونها تحدث لأول مرة في اليمن. لكن وبحثا عن أي "نصر" كان سارعت الداخلية مرة أخرى إلى الإعلان عن إلقائها القبض على أثنين من عناصر تنظيم القاعدة وبحوزتهما عبوات ناسفة على شكل أحزمة ولكن بيان منسوب لتنظيم القاعدة نفى علمه بمن يكون الشخصان مؤكدا عدم ارتباطهما بالتنظيم.
ورأت صحيفة الوسط اليمنية في تقرير نشرته في عددها الصادر يوم 30 مايو الماضي أن الداخلية لم تكن مهيأة للتعامل مع عملية بهذا الحجم والنوع في ظل انقسام أجهزتها وحضور المكايدات السياسية ومحاولة أطراف الصراع ممثلة بمعسكري الرئيس السابق علي عبدالله صالح، والمعسكر المؤيد للثورة ضده، تحميل كل منهما المسؤولية للآخر. وأرجع وزير الداخلية اليمني عبد القادر قحطان سبب الضعف الحاصل في المؤسسات العسكرية والأمنية إلى اختلال المنظومة القيمية والوطنية، حين قال في ندوة عقدت مؤخرا بصنعاء "إن تلك المؤسسات خرجت عن غاياتها ومهامها الدستورية والقانونية المتمثلة بحماية أمن الوطن واستقراره".
القاعدة والأجهزة الأمنية. من أخترق من؟
ولكن المفاجأة كانت في تعدد البيانات التي أظهرت تنظيم القاعدة مكشوفا ومخترقا. فقد صدر بيان باسم "أنصار الشريعة" بعد ساعات من العملية يعلن فيه مسؤوليته عن العملية التي قال إن أحد جنود الأمن المركزي نفذها انتقاما "ممن قتل المتظاهرين العزل من أبناء المسلمين في ثورتهم على الطواغيت الظالمين في ساحات التغيير، وسام إخواننا المجاهدين الأسرى سوء العذاب في سجون الأمن السياسي". لكن بيان آخر صادر عن "تنظيم الجهاد في جزيرة العرب" يناقض البيان الأول، مشيرا إلى أن منفذ العملية ( هيثم حميد حسين مفرح ) "وقع ضحية لشبكة من عملاء الصليبين في الأمن القومي ممن تم دسهم بين المجاهدين الذين قاموا باستبدال الحزام الناسف بآخر تم تفجيره عن بعد قبل أن يتمكن من الوصول إلى الهدف المقصود"، ومؤكدا أنه تم إعداده لعملية كان من المفترض" أن تستهدف قادة الحرب الأمريكية ضد إخواننا في أبين"، والمقصود هنا وزير الدفاع ورئيس هيئة أركان الجيش اليمني، اللذان كانا حاضران العرض العسكري أثناء التفجير.
ولكن بيان ثالث صدر أيضا باسم "تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب" كذَّب ما تم نشره في البيان السابق ونفى صلته بالمجاهدين، مؤكدا أن العملية " تمت بإشراف أمراء التنظيم وقياداته العسكرية، وأن ما زعمه هذا البيان المفبرك ما هو إلا محض افتراء يستهدف النيل من مصداقية المجاهدين.. وتشكيك المسلمين في أبنائهم المجاهدين".
ولتفسير هذه الحالة يقول الخبير اليمني المتخصص بشؤون التنظيمات الإرهابية نبيل البكيري لــDW " إن الإرباك الحاصل هو دليل على وجود اختراقات متبادلة بين التنظيم والأجهزة الأمنية بحكم العلاقة السابقة"، ويعتقد نبيل "أن البنية التنظيمية (العنقودية) لتنظيم القاعدة قد سهلت هذا الاختراق وساعدت على استغلال خلاياه العنقودية في تنفيذ بعض العمليات الإرهابية "، وهذا كما يقول البكيري يفسر البيانات المتعددة والمتناقضة، ولكنه لا يعني تمددا لنشاط القاعدة .
استخدام القاعدة لتصفية حسابات الخصوم؟
مسألة توجيه الاتهامات والبيانات باسم القاعدة من طرف ضد أخر بات أمرا معتادا، ولكن خطورته تكمن في استخدام القاعدة لتصفية الحسابات بين الخصوم، وهذا يثير التساؤل حول مدى خطورة القاعدة بالفعل وعلاقتها بأطراف الصراع ومدى استغلالها من قبل حلفاء الأمس ضد خصوم اليوم، خاصة وأن هناك اتهامات بأن عناصر في القاعدة كانت تربطها علاقة وثيقة بالنظام الذي كان على رأسه الرئيس السابق علي عبد الله صالح ، واللواء المنشق عنه علي محسن الأحمر، وهي العناصر نفسها التي انقسمت في ولائها للطرفين بعد أن اختلفا وافترقا. وهنا تكمن المشكلة ـ كما ذكرت صحيفة الوسط الأهلية اليمنية نقلا عن مصادر لم تسمها: "فمن هو القادر اليوم على تحديد القاعدة الحقيقية، فيما مركزها يهلل لكل عملية إرهاب ويعدها نصرا ساحقا للتنظيم دون أن يعرف منفذيها أو دوافعهم وخلفياتهم ".
سعيد الصوفي- صنعاء
مراجعة: عبده جميل المخلافي