Kinderarbeit in Syrien
٢٣ نوفمبر ٢٠٠٩يقف أمام آلة أطول منه، يداه الماهرتان تجعل الزائر يراقب حركاتهما المتقنة والسريعة بتعجب رغم الجروح البادية عليهما، إنه محمد.ع الذي يبلغ من العمر عشر سنوات. يعمل محمد في مصنع لتصنيع البرادات التجارية في منطقة "الهلك" بمدينة حلب السورية، وهي منطقة معروفة بورشات صناعية منتشرة حتى في البيوت والشقق السكنية. ويعمل في هذه الورش كما هو معروف عدد كبير من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين العاشرة والرابعة عشرة بسبب الفقر وظروف الحياة الصعبة التي أجبرتهم على ترك المدرسة ومساعدة أسرهم في تأمين لقمة العيش كما يقول محمد.
ينتشر تشغيل الأطفال في مختلف المناطق السورية، لاسيما حيث تكثر الورش الصناعية في مدينتي حلب ودمشق. أما طبيعة عملهم فلا يندر أن تكون مجهدة؛ عامر على سبيل المثال عمره 12 عاما يعمل في مؤسسة متخصصة بتجارة الحديد في شارع الميدان في مدينة حلب السورية. ومع أن سقوطه على الأرض بين الفينة والأخرى وهو يجر قضبان الحديد يدل على أن بنيته الجسدية ضعيفة لا تتحمل عمل كهذا، إلا أنه يقوم به لأن مردوده أعلى من العمل بصناعة الأحذية على حد قوله. ويضيف بأن المهم بالنسبة له مساعدة والديه وتوفير بعض المال.
معاناة مضاعفة؛ إجهاد العمل وملاحقة الشرطة
وهناك أطفال يعملون في الشوارع، خاصة في جر عربات لبيع الخضار والفواكه أو بيع الخبز مثل درويش ذو التاسعة من عمره الذي يجر عربة لبيع الخبز. إن هؤلاء الأطفال لا يواجهون فقط إجهاد العمل واستغلال رب العمل الذي يفضلهم على غيرهم بسبب أجورهم المتدنية، بل أيضا دوريات الشرطة التي تلاحقهم في الحارات والأحياء بكثافة لأنهم يقومون بأعمال مخالفة للقوانين. "نلعب مع الشرطة لعبة القط والفأر من خلال الانتقال بسرعة من منطقة إلى أخرى خوفا من الوقوع في يدها"، يقول درويش الذي لا خيار أمامه سوى العمل بسبب مرض والدته وكبر سن والده وعجزه عن إيجاد مصدر للرزق.
غياب شروط تطبيق قوانين تشغيل الأطفال
ويتم تشغيل الأطفال من صغار السن رغم أن القانون السوري قد حدد السن الأدنى للشغل بـ 15 عشر عاما انسجاما مع الاتفاقات الدولية الخاصة بحظر تشغيل الأطفال. كما حدد غرامات مالية عالية تصل إلى أكثر من 2000 دولار أمريكي ضد من يقوم بتشغيل الأحداث ساعات عمل إضافية حتى ولو أرادوا ذلك. وحدد القانون أيضا مدة تشغيل الأحداث بست ساعات تتخللها فترة راحة لا تقل في مجموعها عن ساعة كاملة. كما حظر تشغيلهم في الليل على حد تعبير زياد البيرق، أستاذ القانون في عدة جامعات سورية. "غير أنه لا يمكن تطبيق القوانين الخاصة بحظر تشغيل الأطفال لأن شروط تطبيقها ليس متوفرة. على سبيل المثال لا توجد جهات وهيئات مستقلة ترعى الأطفال الفقراء وتقدم لهم المساعدة اللازمة للعيش بكرامة"، على حد تعبير سامر خليل، ناشط في جمعية أهلية لحماية الطفل. ويرى سامر بأن المشكلة ليست فقط في الخلل بتطبيق القوانين وإنما في توفير شروط حماية الأطفال الذي يجبرون على العمل، ويعانون من العنف حتى من قبل والديهم في أحيان كثيرة.
الجهل بأهمية التعليم يساهم في تفاقم ظاهرة تشغيل الأطفال
غير أن مشكلات تشغيل الأطفال وتسربهم من المدارس لا تعود فقط إلى الفقر والبطالة التي تعاني منها أسرهم، بل أيضا إلى جهل وأمية أولياء أمورهم، على حد قول الدكتورة عهد حورية، أستاذة المناهج وتربية الطفل في جامعة حلب السورية: "حيث يتلقى الطفل تعليمه في المدرسة وعندما يعود للبيت يواجه أم وأب لا يعرفان القراءة والكتابة إضافة إلى الفقر، مما يجعله يفضل العمل على التعليم في ظل غياب من يشجعه على الدراسة والمطالعة". وأضافت حورية في حديث مع دويتشه فيله أنه "توجد نسبة كبيرة من الآباء ممن يريدون توريث أبنائهم المهن التي تعلموها عن آبائهم وأجدادهم، إيماناً منهم بأن التعليم لا يطعم الخبز، وحدها المهن هي التي تضمن ذلك برأيهم". وتشير حورية إلى أن كثافة تشغيل الأطفال تختلف من مدينة إلى أخرى، فمثلاً حلب تعتبر عاصمة سوريا الاقتصادية، حيث تحتوي على مهن وورش ومصانع كبيرة، مما يعني توفر فرص عمل فيها أكثر من غيرها، الأمر الذي يجعل الأسر تشجع أولادها على تعلم مهنة في سن مبكرة، بحجة أن العمل في سن مبكرة يكسبهم الحرية والاستقلالية الشخصية ويزيل العبء عن أهلهم.
الإحصاءات المتوفرة عن تشغيل الأطفال لا تعكس الواقع
من الصعب الحصول على إحصائية دقيقة لعدد الأطفال المنخرطين في العمل على مستوى سوريا، كما إن معظم التقارير الصادرة عن الجهات المختصة حول أوضاع الأطفال تركز على تسربهم من المدرسة دون ذكر أرقام تقوم على مسح شامل بهذا الخصوص. أما الأرقام التي يذكرها المكتب المركزي للإحصاء فلا تبدو واقعية، على سبيل المثال تفيد بيانات المكتب بأن عدد الذين يعملون تحت سن الثانية عشرة بلغ 500 فقط عام 2008. ويرى مدير العمل في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل راكان إبراهيم بأن رقما كهذا ريما لا يعكس حقيقة الواقع الحالي، بسبب ضعف الإمكانيات المتاحة لإجراء مسح دقيق، إضافة إلى عدم تعاون أصحاب المنشآت الخاصة الذين يقومون بتهريب الأطفال العاملين لديهم عند سماعهم بقدوم لجان التفتيش. ويلخص إبراهيم الجهود التي تبذلها الوزارة للتقليص من هذه الظاهرة بالقول: "نقوم بجولات مراقبة وتفتيش على تشغيل الأحداث، كما يوجد جهاز تفتيش مركزي في الوزارة وآخر في المحافظة مهمتها تفتيش الأماكن الصناعية والورش ضمن الإمكانيات المتاحة".
الكاتبة: عفراء محمد ـ حلب
مراجعة: عبده جميل المخلافي