ترامب "الزئبقي" ـ التحقيقات لم تلحق ضرراً بسياسته
١٤ يونيو ٢٠١٧في وقت يتركز فيه الاهتمام الدولي على الاستماع إلى إفادة رئيس الشرطة الفيدرالية جيمس كومي في مجلس الشيوخ، كان مجلس النواب يصوت على إلغاء قانون دود فرانك ـ وهو أهم قانون للتنظيم المالي الذي تم تبنيه في أعقاب الأزمة المالية في 2008. وفي حال اتخذ مجلس الشيوخ نفس القرار، فإنّ ذلك قد تكون له انعكاسات واسعة ـ ليس فقط على بورصة وول ستريت، بل على جميع الناس والمؤسسات المالية في العالم.
وفي اليوم نفسه أسقط الجيش الأمريكي، حسب متحدث عسكري طائرة بدون طيار للحكومة السورية كانت تقصف قوات تابعة للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في سوريا. وهذه الحادثة تكشف تصعيدا واضحا للتوترات بين طرفي الحرب، لأنها المرة الأولى التي تطلق فيها قوات تابعة لنظام الأسد النار على جنود من التحالف الدولي، كما أكد المتحدث العسكري. وكانت تلك هي الضربة الثالثة للجيش الأمريكي ضد قوات الأسد في الأسابيع الماضية.
الرأي العام يفقد المضمون الجوهري
النقاش حول قانون دود فرانك وتصعيد العمليات القتالية في سوريا اندثرا في خضم مساءلة كومي وتحقيقات أخرى. وقالت سارة كريبس، خبيرة الأمن الدولي:" إذا كان هذا المسرح جيدا لشيء، فذلك لحجب الاهتمام عن قرارات تحتاج في العادة إلى نقاش قوي". وأضافت:"نحن غير مركزين على ما هو جوهري في السياسة". في الوقت نفسه تظهر الخطوتان ـ قرار مجلس النواب والالتزام الأمريكي المتزايد في سوريا ـ أنّ واشنطن قادرة حتى في وقت الأزمات المستمرة على العمل على مستوى السياسة الداخلية والخارجية.
البيروقراطية ماضية في طريقها
ويقول دفيد سيلفان من معهد الدراسات الدولية والتنمية في جنيف إن البيروقراطية ماضية في طريقها. والمشكلة الحقيقية بالنسبة إلى سيلفان هي أن الرئيس الأمريكي قد يلغي بلا فرز قرارات بيروقراطية. وتقول كريبس إنه أن تكون الحكومة الأمريكية قادرة على العمل رغم الخلافات الداخلية المتواصلة وقضية كومي مع روسيا وسلوك ترامب المتقلب، لا يعني في كل الأحوال أن ذلك سيبقى بدون انعكاسات على السمعة العامة للولايات المتحدة الأمريكية ورئيسها، وقالت:"هذا يلقي بظلاله على كل شيء يفعله ترامب. سحابة تخيم على فترة رئاسته تضعف وزنه السياسي في الخارج".
السمعة والشرعية تضمحلان
زميلها سيلفان يعبّر بوضوح أكثر ويقول:"ذلك يضعف الولايات المتحدة الأمريكية. لا أعتقد بأن هناك مسئولا سياسيا في العالم يثق في ترامب. هم يعتقدون أنه كسول وغير كفء وربما فاسد، وهم سيحاولون تفاديه حسب المستطاع. وفي حال تعذر ذلك سيحاولون تقليص العلاقات في الحد الأدنى".
وتفيد كريبس أنه سيكون من الخطأ الأمل في أن يؤثر العجز الظاهر للرئيس أو التحقيقات المتعددة ضد فريق حملته الانتخابية على حكومة ترامب أو تقليص مدة ولايته.
وأوضحت كريبس أن الرئيسين السابقين ريتشارد نيكسون وبيل كلينتون برهنا أن حكومة أمريكية قد تعمل وتتخذ قرارات مهمة في الوقت الذي تواجه فيه تحقيقات. وقد واجه نيكسون وكلينتون طلبات حجب الثقة. وتقول كريبس:"كل هذه التحقيقات تنال من شرعية ترامب، إلا أنه مادام يملك غالبية في الكونغرس، فإن ذلك يبقى ثانويا".
الجوهر عوض العرض
وتركز الصحافة الدولية على المناوشات المتعبة وغير المهمة التي يخوض فيها الرئيس على ما يبدو بكل سرور. لكنها تفقد التركيز على القرارات الأهم للبيت الأبيض. فخطوة ترامب منح الجيش الأمريكي في الشرق الأوسط مجالا أكبر للتحرك ضد تنظيم "داعش" الإرهابي لم تلق الاهتمام الدولي الذي تستحقه مقارنة مع قضية كومي. في حين أن تلك الخطوة بإمكانها تسجيل انعكاسات أكبر ومباشرة، وتحديدا خارج الولايات المتحدة الأمريكية.
أكان ذلك مقصودا أم لا، فإن أسلوب حكم ترامب غير المعقد في اتصال مع ظهور اعترافات متواصلة حول علاقات فريق حملته الانتخابية مع روسيا تصرف النظر عما هو جوهري. فقد يكون ربما من الأصعب على حكومة ترامب تنفيذ بعض الأمور لو أمعن الرأي العام فيها أكثر.
ميشاييل كنيغه/ م.أ.م