تسرب التلاميذ في سوريا ـ ظاهرة يفاقمها الفقر والعادات وغياب تفعيل القانون
٢١ فبراير ٢٠١٠"وردة وردة عالقطن تعالي/ أريد أشوفك باللوح الشمالي"، أغنية يرددها التلميذ أحمد الذي يبلغ من العمر ثلاثة عشر عاماً مع أقران له يتغيبون عن المدرسة أشهر خلال مواسم الحصاد وجني القطن والزيتون. لا يبدو أحمد نادماً بسبب انقطاعه عن المدرسة كي يساعد أهله في الأعمال الزراعية التي تدر عليه أموالا أكثر من نيل الشهادات المدرسية على حد قوله.
أما حال زهرة ابنة الثانية عشرة فيختلف، لأن أهلها يجبرونها على التغيب عن المدرسة أو الانقطاع عنها عندما يكون هناك حاجة لعملها في الأرض أو للقيام بأعمال منزلية. وأكثر ما يقلقها احتمال حرمانها نهائيا من التعليم بسبب العمل في الزراعة. "أتمنى أن لا يتوقف هطول المطر كي يتوقف العمل في الأرض وبالتالي لا أتغيب عن المدرسة"، تقول زهرة بحرقة وحسرة على ما آل عليه حالها وهي التي تتمنى المزيد من المعرفة ونيل الشهادات.
وإذا كان العمل في الزراعة يشكل السبب الرئيسي وراء تسرب زهرة من المدرسة، فإن خطبة فاطمة ابنة الثالثة عشر لشاب يكبرها بخمس سنوات وراء انقطاعها عن المدرسة لثلاثة أشهر، وهاهي تعود إليها لتخبر صديقاتها بخطبتها، ولكن تنصحهن بسلوك هذه الطريق التي لا مفر للفتاة منها على حد قولها. "أريد لصديقاتي أن يسلكن طريقي ويؤسسن عائلة متينة في صغرهن"، تقول فاطمة لمعلمتها وعلامات السعادة بادية عليها.
مناطق خالية من الأمية وأخرى تتفشى فيها ظاهرة التسرب
هذه الحالات ليست سوى غيض من فيض فظاهرة ما تزال تعاني منها الكثير من مناطق سوريا، لاسيما في شرق وشمال البلاد. ففي الوقت الذي احتفلت فيه مؤخراً أربعة مدن سورية هي السويداء ودرعا والقنيطرة وطرطوس، كمحافظات خالية من الأمية للشريحة العمرية من 15 حتى سن45 سنه، فإن محافظات أخرى مثل الحسكة والرقة وحلب ودير الزور ما تزال تعاني من نسبة تسرب عالية لتلاميذ المدارس الابتدائية والإعدادية فيها، رغم وجود قانون إلزامية التعليم حتى سن الخامسة عشرة.
وتفيد إحصائيات وزارة التربية السورية بأن نسبة المتسربين في بعض المناطق، لاسيما الريفية تصل إلى أكثر من الثلث خلال مواسم جني المحاصيل الزراعية. ومن أبرز الأسباب وراء ذلك حسب نضال حاكم، أمين السر المركزي في مديرية تربية محافظة حلب، مواسم الهجرة التقليدية التي ما تزال موجودة في البيئة البدوية التي تهاجر إلى أماكن توفر القوت والماء لقطعانهم من الأغنام. غير أن حالات التسرب لا تقتصر على المجتمعات البدوية فقط، بل تشمل أيضا مناطق التجمعات الريفية والحضرية حيث العائلات الفقيرة بحاجة لعمل الأبناء خلال مواسم جني القطن والزيتون، ويضيف حاكم في هذا السياق: تنخفض نسبة التسرب في نفس العام وتعود إلى الارتفاع في العام ذاته عندما لا يوجد عمل في الأرض أو مواسم قطاف".
وتزيد نسبة التسرب في صفوف الفتيات على مثيلتها لدى الفتيان لأسباب أخرى في مقدمتها عدم تقدير الكثير من العائلات لأهمية تعليم الفتاة بسبب تقاليد وعادات عفا عليها الزمن، حسب محمد المصري مدير التعليم الأساسي في وزارة التربية السورية. ومن هذه العادات تزويج الفتيات بشكل مبكر وإلزامهن بعمل المنزل.
غير أن غسان العمري، مدير مدرسة ابتدائية في حلب السورية، يرى إن هناك أسباب تعود إلى معتقدات دينية تنطوي على التعصب تحول دون إرسال الفتاة إلى المدرسة، إذ يرى بعض الآباء إنه لا يجوز إرسال الأنثى إلى المدرسة كي لا يراها الذكر على اعتبار أنها "بؤرة لإثارة الملذات والشهوات، ما قد يجعل الناظر إليها يرتكب ذنوب ويأخذ سيئات عند التمعن في النظر إليها". ويضيف غسان بأنه يوجد مجتمعات عشائرية ترفض إرسال بناتها إلى المدرسة كونها تنظر إلى الأنثى على إنها "للمطبخ والزوج والأولاد".
عدم تطبيق قانون التعليم الإلزامي
ولعل الملفت في الأمر شيوع ظاهرة التسرب من المدرسة في مناطق سورية كثيرة رغم وجود قانون للتعليم الإلزامي حتى منذ 15 عاما. ويفرض هذا القانون غرامات مالية، إضافة إلى السجن لمدة تصل إلى شهر في حال قيام أولياء الأمر بمنع أطفالهم من الذهاب إلى المدرسة بعد توجيه إنذارا لهم بهذا الشأن. غير أن تطبيق القانون لا يأخذ مفعوله حتى الآن لأسباب عديدة أبرزها التستر على حالات التسرب ليس فقط من قبل أهل التلميذ، بل أيضا من قبل المعلمين في المدارس المعنية وإداراتها على حد قول لمياء خازم، مدرسة اللغة العربية في محافظة الرقة.
وعلى ضوء ذلك يصعب على لجان التفتيش التي تجول على المدارس معرفة عدد المتسربين بالفعل، كما يصعب على الجهات الحكومية المعنية تقدير حجم المشكلة بسبب عدم توفر المعلومات الدقيقة عن الوضع.
جهود سورية ودولية لمواجهة المشكلة
وتعد ظاهرة التسرب من المشكلات الكبيرة التي تعاني منها المناطق الشمالية والشرقية من سوريا بسبب انعكاساتها السلبية على سوق العمل من ناحية نقص الكوادر والمهارات اللازمة للشركات والمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية. كما أن ذلك يحرم المجتمع السوري ككل من أصحاب القدرات العقلية العالية الذين يسهمون في زيادة القدرة التنافسية لهذه المؤسسات وفي تقدم المجتمع، حسب سهيل محمود مدير تربية محافظة حمص.
وفي محاولة منها لمواجهة هذه الظاهرة تقوم وزارة التربية السورية منذ سنوات بإرسال معلمين للعمل في المناطق النائية التي تعاني من نقص الكادر التعليمي. ومع استمرار المشكلة لجأت الحكومة السورية بالتعاون مع برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة بتطبيق برنامج "الغذاء من أجل التعليم في سوريا" اعتبارا من العام الماضي 2009 في المحافظات الشمالية السورية. ويقضي البرنامج بتوزيع الطحين شهريا على العائلات الفقيرة بغية مساعدتها على الاستغناء عن عمل أبنائها وإرسالهم إلى المدرسة.
كما يتم توزيع التمر والبسكويت على الأطفال المعنيين بشكل يومي للحد من تسربهم من مدارسهم. وباستثناء ذلك لا يوجد برامج أو أنشطة تذكر لمواجهة ظاهرة التسرب من المدارس. فالجمعيات الأهلية الناشطة في مساعدة الأيتام والحفاظ على البيئة مثلا تبدو غائبة عن هذه الساحة. وترى ألفت مرعي، ناشطة في جمعية أهلية إن طبيعة المجتمعات الشرقية أو الشمالية ونظرتها إلى الأنثى والتعليم عموماً تحد من عمل الجمعيات الأهلية هناك. "من الصعب التدخل في حياة المجتمعات العشائرية بسبب ديناميكيتها وطبيعتها التي ترعرعت عليها منذ عدة قرون" على حد تعبير ألفت.
الكاتبة: عفراء محمد - حلب
مراجعة: عبده جميل المخلافي