تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين واشنطن وليبيا تحت المجهر
١٦ مايو ٢٠٠٦قررت واشنطن في بيان لوزارة خارجيتها أمس إعادة علاقتها الدبلوماسية مع ليبيا وإعادة فتح سفارتها في طرابلس. وقالت وزيرة الخارجية، كوندوليزا رايس، في بيان صحفي " يسعدني أن أعلن أن الولايات المتحدة استأنفت العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع ليبيا". وتأتي هذه الخطوة بعد قطيعة دبلوماسية بين طرابلس وواشنطن دامت منذ عام 1980. بالإضافة إلى ذلك قررت واشنطن على لسان وزيرة خارجيتها شطب ليبيا من لائحة الدول المساندة للإرهاب. وأضافت المسؤولة الأمريكية "كذلك ستُسحب ليبيا من القائمة السنوية للدول التي لا تتعاون بصورة تامة مع جهود الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب".
هذا القرار ترك ارتياحا لدى الجانب الليبي الذي طالما انتظر هذه الخطوة. وبالتالي تكون الولايات المتحدة الأمريكية قد دشنت بقرارها هذا منحى استراتيجيا جديدا فيما يخص التوتر الدبلوماسي الذي شهدته العلاقات بين البلدين منذ أوائل ثمانينيات القرن الماضي. ومن ناحية أخرى تعزى بوادر الانفراج في العلاقات الثنائية بين البلدين إلى الجهود السياسية الليبية التي بذلت خلال الأعوام الأخيرة من أجل طي صفحات الماضي والعودة إلى أحضان المجتمع الدولي. هذا ما دفع وزير الخارجية الليبي، عبد الرحمان شلقم، في تصريح صحفي لوكالات الأنباء أن يعتبر هذه تلك الخطوة "بداية صفحة جديدة لمصالحة الشعبين". وأضاف المسؤول الليبي أن "هذا القرار جاء بعد عدة لقاءات واجتماعات وتم الاتفاق على الخطوة منذ أيام." فيما ذلك طالبت واشنطن كل من طهران وكوريا الشمالية بتغيير تصرفاتهما تكون أساسية للسلام والأمن الدوليين وتأمل ان تجعل من ليبيا مثالا تحتذي به دول أخرى.
إعادة المياه إلى مجاريها أم مكافئة سياسية؟
لكن خطوة واشنطن الأخيرة في اتجاه إعادة رسم العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين لم تخلو من تداعيات وانتقادات. فالنظام الليبي لازال يعد في نظر الكثير من الخبراء يفتقر حتى الآن إلى الأسس الديموقراطية ولم تصل فيه حقوق الإنسان إلى المستوى المطلوب، ناهيك عن كبح الحريات العامة التي يشهدها البلد. وأشار بعض المحللون السياسيون إلى التناقض الذي تعكسه سياسة واشنطن فيما يخص التعامل مع بعض الملفات والقضايا. إذ تميل واشنطن إلى تبرير حروبها الأخيرة بدعوى الدفاع عن الحرية وترسيخ مبادئ الديموقراطية والسلم. وتذهب بعض الآراء إلى اعتبار سياسة التطبع مع ليبيا هي في الواقع مكافئة سياسية لليبيا على قرارها التخلي عن طموحاتها النووية. موقعنا تحدث مع الخبير الألماني البروفيسور غيسمان من معهد أبحاث السلام والسياسة الأمنية التابع لجامعة هامبورغ، الذي رأى أن الإدارة الأمريكية تغض الطرف عن طبيعة نظام البلد طالما يبدي تعاونه معها ويمنحها امتيازات اقتصادية. واوضح الخبير أن الدوافع الاقتصادية من بين الدوافع الأساسية التي دفعت واشنطن نحو التطبيع مع ليبيا خصوصا إذا تم الأخذ بعين الاعتبار أن ليبيا بلد غني بالثروات النفطية. كما رأى غيسمان أن التطبيع الأمريكي مع ليبيا يحمل إشارات لكافة الدول العربية الإسلامية.
وتجدر الإشارة إلى أن ليبيا سلمت المفتشين الدوليين وثائق حصلت عليها عبر شبكة العالم الباكستاني عبد القدير خان مهندس القنبلة النووية الباكستانية. إلى جانب ذلك سلمت ليبيا الولايات المتحدة أجهزة طرد مركزي لتخصيب اليورانيوم وتجهيزات ووثائق وأكثر من 15 كيلوغراما من اليورانيوم المخصب حديثا الى روسيا.وعززت ليبيا تلك الخطوات بانضمامها في كانون الثاني/يناير 2004 إلى الاتفاقية الدولية حول الأسلحة الكيميائية ودمرت 3600 قنبلة كيميائية فارغة امام مفتشين دوليين.
إيران وكوريا الجنوبية لاحقا؟
وتأمل واشنطن من خلال قرار التطبيع مع ليبيا أن تحذو طهران وبيونغ يانغ حذو طرابلس وتتخلى بدورها عن طموحاتهما النووية. حيث قالت كوندوليسا رايس في معرض حديثها لوكالات الأنباء أنها تأمل أن تنهج إيران وكوريا الشمالية نفس المنعطف السياسي الذي أقدمت عليه ليبيا. وأضافت: "مثلما شكلت سنة 2003 منعطفا بالنسبة للشعب الليبي، فقد تشكل 2006 منعطفا بالنسبة لشعبي إيران وكوريا الشمالية." لكن السيد غيسمان استبعد أن تقوم ايران بالتخلي عن برنامجها النووي والاستجابة للإغراء الأمريكي، خصوصا وأن واشنطن تتجنب المحادثات الثنائية مع طهران. ويرى الخبير الألماني أن قرار واشنطن الاخير بشأن ليبيا يحمل إشارات إلى الدول التي يسعى الرئيس الإيراني أحمدي نجاد إلى كسب دعمها. كذلك تأتي الإشارة لتظهر إلى طهران بأن التطبيع مع دول إسلامية عربية ممكن.
اعداد: طارق أنكاي