تفشي العنف بين الشباب في الأردن: "امتداد لثقافة مجتمعية ترفض الآخر"
١٥ يناير ٢٠١١لا يخفى على المتابع للشأن الأردني تفشي ظاهرة العنف في المجتمع في الفترة الأخيرة، خصوصا في أوساط الشباب. ففي الأسبوع الماضي على سبيل المثال لا الحصر وقعت اشتباكات بالأسلحة النارية في جنوب مدينة الكرك بين مجموعة من الأشخاص، على خلفية مشاجرة سابقة توفي على إثرها مواطن وأصيب 3 آخرين، حسب المعلومات التي نقلها الناطق الإعلامي باسم مديرية الأمن العام المقدم محمد الخطيب لموقع "خبرني" الالكتروني.
وتعتبر هذه الحادثة جزءا من سلسلة مشاجرات على خلفيات عشائرية، كـ "مشاجرة الجامعة الأردنية"، التي أدت إلى إصابة عدد من الطلاب، وطالت مدرسين أيضا، ناهيك عن الخسائر المادية. كما وقعت قبل هذه الحادثة اشتباكات عقب فوز فريق الوحدات، الذي يشجعه غالبا الأردنيون من أصل فلسطيني، على فريق الفيصلي، الذي يشجعه أردنيو الأصل بهدف يتيم، ترتب عليه إصابة 150 شخصا من بينهم 25 من عناصر الشرطة.
التنشئة الاجتماعية والأوضاع الاقتصادية.. عاملان رئيسان
أستاذ العمل الاجتماعي في الجامعة الأردنية فواز أيوب المومني، يصف جمهور الرياضة بشكل عام، بأنه "يمثل الطبقة غير المثقفة والمعبئة على مفاهيم عنصرية". غير أنه يعتبر الأوضاع الاقتصادية الصعبة، التي يعاني منها المواطن من فقر وبطالة وغياب لمشاريع تنمية حقيقية، هي العامل الرئيسي لتفشي ظاهرة العنف في المجتمع الأردني.
ويؤكد الدكتور المومني في حوار مع دويتشه فيله أن "للتنشئة الاجتماعية دوراً سلبياً في غرس مفاهيم غير مقبولة على غرار النظرة الدونية للعشائر للأخرى، مشددا على ضرورة أن يتم التعامل على أساس الاحترام المتبادل".
كما يرى المومني أن الاحترام المتبادل يتجسد من خلال تربية أسرية منضبطة تهدف إلى إكساب أفرادها المفاهيم الإنسانية الحقيقية وتركز على الدور الإنساني والايجابي للعشيرة وتركز على الممارسات، التي تُظهر ابن العشيرة واسع الصدر غير قابل للصغائر احتراماً لأسرته وعشيرته ووطنه وإنسانيته.
إحباط وفراغ سياسي ...وانتصارات وهمية
ومن جانبها تعتبر طالبة كلية التربية زين المجالي أن "عدم فهم الآخر والتنافس غير الشريف والإحباط الذي يعاني منه الشباب الأردني يلعب دورا أساسيا في تقوية هذه الظاهرة".
ومن جهته يرى عمار غندور( 30 عام)، مدير قسم البرامج في معهد غوته في عمان، أن أغاني التمييز العنصري والإعلاميين، الذين يثيرون لذة الانتصارات الوهمية هم المسئولون عن تفكك المجتمع، ويضيف:"الشعور الوهمي للمواطن بأنه أفضل أحسن أكوس أجدع.. ..واحد، دون منجز حقيقي إلا في عالم الخيال، يفرز القرف".
بينما ترى طالبة الحقوق أماني راشد(21 عام)، أن "التمييز موجود في أي مجتمع، وأن مشكلة العنف الناتجة عنه حقيقة لا يمكن تغيرها ما دام هناك اختلاف في المناطق التي ينحدر منها أفراد المجتمع". وتؤكد أن "مشكلة التميز بين أهل الشمال وأهل الجنوب موجودة لدى معظم المجتمعات وليست في الأردن فقط".
وتتفق الصحافية مشيرة المعلا (26 عام) مع الكثير من الشباب الأردني في أن العنف الجامعي يعود لأسباب كثيرة أهمها الفراغ السياسي الناتج عن غياب الحياة الحزبية، بالإضافة إلى الفراغ اليومي، الذي يعاني منه قطاع كبير من الشباب. غير أنها تلفت الانتباه إلى أنه "يجب أن لا ننسى البعد العشائري، الذي ينقله الشباب داخل الحرم الجامعي". كما تعزو مشيرة أسباب العنف الشبابي إلى "غياب دور المثقفين والمؤسسات الحكومية والأهلية على حد سواء في توجيه الشباب".
أما فيما يتعلق بالعنف المنتشر في الجامعات تحديدا، فيذكر الباحث فواز أيوب المومني أنه "امتداد لثقافة مجتمعية تعاني من عدم تقبل الأخر والاهم من ذلك غياب الإجراءات الصارمة والرادعة لكل من يحاول العبث في الجامعة وممتلكاتها".
كما يعتقد المومني أن الدولة قادرة على اعتبار العنف في الجامعات خطا احمرا يعرف نهايته الجميع، ويقول: "عندما تكون عندنا عقوبات صارمة تطبق على الكل دون السماح لأي من كان التدخل فيها، حينئذ تصبح عبرة لكل من يحاول التحريض على العنف".
"الجامعات في الأردن من أكثر الجامعات خطورة"
ومن جهته يعتقد أستاذ علم الإجتماع في جامعة البلقاء الأردنية حسين الخزاعي، أن لظاهرة العنف الجامعي الناتجة عن التميز العنصري، دورا كبيرا جدا في خلق صورة سلبية عن المجتمع الجامعي بالأخص لدى الطلاب غير المشاركين في أعمال العنف، وأيضا لدى الأهل الذين بدورهم يقلقون على أبنائهم.
ويلفت الخزاعي الانتباه إلى أن "الفهم الخاطئ لمفهوم العشائرية والأهل والأقارب، يساهم بقوة في ترسيخ جذور العنف في المجتمع، إلى جانب ثقافة الفزعة والنخوة والاتصالات، التي تتمثل في هب العشيرة لنصرة ابنها سواء كان ظالما أو مظلوما."
وفي إطار تحليله لظاهرة العنف في الجامعات الأردنية يشير الخزاعي إلى أن "الجامعات كانت في الماضي منارات للعلم والفكر والمعرفة، لكنها الآن أصبحت مصدر خطورة وعنف"، ويضيف آسفا: "الجامعات في الأردن أكثر خطورة من الجامعات في أي مكان أخر".
سبل مواجهة "العنف الجامعي"
ومن أجل مواجهة تفاقم هذه الظاهرة قام مجلس العمداء في الجامعة الأردنية بتشكيل لجنة خاصة لوضع آليات لمعالجة العنف الجامعي، ضمت عدد من الأساتذة منهم الدكتور مجد الدين خمش، أستاذ علم الاجتماع وعميد كلية الآداب في الجامعة، الذي تحدث لدويتشه فيله عن التدابير التي يخطط المجلس لإتباعها للحد من هذه الظاهرة ويذكر منها "وضع الطلاب ذوي المعدلات التراكمية المنخفضة تحت المجهر".
ويوضح خمش أن "هذه الفئة من الطلاب لديها أوقات فراغ يمكن أن تشغلها بالمشاحنات والمشاجرات، ويضيف أن الازدحام في الجامعة يشعر الطلبة بتوتر ويجعلهم مجهولي الهوية مما يؤدي إلى رغبة كل شخص بإظهار نفسه، وبالتالي عدم الانضباط. ويتمثل الحل في رأيه بـ"تنظيم برامج لشغل أوقات فراغ الطلبة ذو المعدلات التراكمية المنخفضة".
أما أستاذ علم الاجتماع حسين الخزاعي فيجد أن "الحل يكمن في استبدال المساقات الجامعية المكررة من المراحل الإعدادية بمساقات تعزز انتماء الطالب وتقوم سلوكه، بالإضافة إلى استثمار العلاقات الاجتماعية لإصلاح ذات البين وليس لتضخيم المشاكل وتأجيجها".
حنين أبو الروس
مراجعة: لؤي المدهون