تهديد المعارضة المصرية بالخارج ..نهج جديد أم زلة لسان؟
٢٥ يوليو ٢٠١٩ضجة كبيرة أثارتها وزيرة الهجرة المصرية نبيلة مكرم بتصريحاتها وإشاراتها والتي جاءت على خلفية لقائها بعدد من المصريين المقيمين في كندا.
كلمات وتلميحات الوزيرة استدعت للذاكرة الحديثة حادث اغتيال الصحفي السعودي الراحل جمال خاشقجي، ما جعل الكثير من معارضي نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يخشون من أن تبدأ أجهزته الأمنية في تنفيذ عمليات خطف أو اغتيال لهم:
لكن الوزيرة المصرية أكدت أن كلامها "تم تحويره بشكل مغرض" متهمة "أعداء الوطن" بمحاولة تشويه صورة الدولة المصرية والتأثير سلباً على زيارتها لكندا وقالت إن "الدولة تتعرض لحرب شرسة من الأعداء الذين يحاولون النيل من مقدرات البلاد"، مضيفة أن "الدولة المصرية لا تهدد أبناءها".
"كلمات رسمية في لقاء رسمي"
DW عربية تواصلت مع الصحفي المصري المقيم بكندا محمد نصر، أول من نشر تصريحات الوزيرة على حسابه الشخصي بموقع تويتر والذي أفاد بأن الاجتماع الذي حضرته الوزيرة المصرية جاء في اطار احتفالية في كندا التي خصصت شهر يوليو للحضارة المصرية.
الصحفي المصري قال في مقابلة مع DW عربية إن الوزيرة والسفير المصري والقنصل العام في كندا تلقوا دعوات رسمية لحضور عدد من الفعاليات على هامش الاحتفالية، منها رفع العلم المصري أمام البرلمان الكندي ولقاءات على هامش هذه الفعاليات. وبالفعل التقت الوزيرة بعدد من الأشخاص في تورنتو وهو الاجتماع الذي تم تسجيل الفيديو خلاله، مشيراً إلى أنه لم يحضر اللقاء لكن بعض الحضور من سجلوا الفيديو وأرسلوه إليه فقام بنشره.
نصر أكد على أن اللقاء كان رسمياً وحضره كبار الدبلوماسيين بالسفارة المصرية، وأن حديث الوزيرة لم يكن مجتزأ من السياق، "وعليها أن تتحمل تبعات ما قالته باعتبارها ذات منصب رسمي في الدولة المصرية"، مختتماً حديثه بالقول إن "ما أشارت إليه الوزيرة يعد في كندا ودول الغرب جريمة تهديد بالقتل".
"تصريحات كاشفة"
بعد حادث اغتيال جمال خاشقجي تصاعدت مخاوف المعارضين المصريين بالخارج من أن يتكرر الأمر معهم، على الرغم من أن الدولة المصرية لم تعرف طوال تاريخها عمليات استهدفت المعارضة المصرية خارج البلاد بهذا الشكل.
لكن تباطؤ التحرك الدولي بشأن قضية خاشقجي وإحكام القبضة الأمنية داخل مصر قد يدفع النظام المصري - بحسب معارضين- لمد سيطرته على معارضة الخارج التي تسبب له بفضائياتها وصحفييها وإعلامها صداعاً يومياً.
المعارض المصري الدكتور أيمن نور تحدث في عدة تغريدات نشرت قبل عدة ساعات من نشر فيديو تصريحات وزيرة الهجرة المصرية نبيلة مكرم عن إنشاء أحد الأجهزة الأمنية المصرية لمجموعة عمل بهدف التصدي للمعارضين المصريين في تركيا على وجه الخصوص:
ويرى نور أن تصريحات الوزيرة "كاشفة وليست مؤسسة لموقف جديد"، وأن ما أعلنت عنه الوزيرة "ليس مفاجئاً، وإنما يكشف عن موقف كان قائماً في السر وتسربت بعض ملامح هذا الموقف إلينا من خلال كلمات إعلاميين منتسبين للنظام المصري. وجاءت كلمات الوزيرة وهي شخصية لديها مسؤولية رسمية في الدولة لتؤكد على هذا الموقف"، بحسب ما قال خلال مقابلة له مع DW عربية.
أيمن نور أشار إلى أن تصريحات الوزيرة كانت في جلسة عامة ومفتوحة في حضور رسمي من مسؤولين بالسفارة المصرية. "والكلام كان واضحاً لا يحتمل معنى أو تفسير آخر، ما يجعلنا نعتقد أن ما قالته الوزيرة هو في إطار إفصاح ولو بالخطأ عن ما يمارس ويخطط له"، حسب قول أيمن نور.
وفسر نور لـ DW عربية تصريحات الوزيرة بأنه نوع من قلة الخبرة من جانبها، "فهي استمعت لهذا الكلام في اجتماع عقد يوم 26 / 6 / 2019 بإحدى أروقة جهاز أمني مصري حضرته عدة شخصيات، وهي كانت واحدة من تلك الشخصيات والمشهد الذي صورته بيدها، وهو مشهد النحر، كان مجرد نقل للصوت والصورة التي رأتها وسمعتها في الغرفة المغلقة إلى العلن. فهي قلدت ما رأته من أحد المسؤولين الذين كانوا حاضرين".
"معارضة غبية"
على مواقع التواصل الاجتماعي انبرى عدد من المصريين داخل وخارج البلاد للدفاع عن الوزيرة. وأكد بعضهم أن ما قالته الوزيرة مجرد خطأ عابر لا يقصد به تنفيذ عمليات اغتيال للمعارضين، وأن الضجة المثارة حول كلمات الوزيرة متوقعة من المعارضين.
الرأي نفسه يتفق معه محمود إبراهيم، المحامي والحقوقي المصري، والذي قال خلال مقابلة له مع DW عربية إن "هناك اصطيادا وتصيدا لأي تصريحات بسيطة تخرج من أي مسؤول مصري ليتم استغلالها سياسياً. وهو أمر أصبح معتاداً من معارضة الخارج والتي تضخم أي شيء وكل شيء في إطار إدعاء المظلومية".
ويتفق الحقوقي المصري محمود إبراهيم مع المعارض المصري أيمن نور بشأن نقص الخبرة السياسية للوزيرة، لكنه أكد على عدم إمكانية لومها على تصريحاتها العفوية، "لأن أغلب الوزراء الحاليين ومن بعد 2011 لم يأتوا من خلفية سياسية وإنما من خلفية بيروقراطية، بالتالي دائما ما تكون تصريحاتهم بها مثل هذه الأخطاء التي لا يقع فيها السياسيون المحنكون".
نهج جديد؟
أيمن نور أشارإلى أن ما قالته الوزيرة يتوافق مع معلومات توافرت لدى المعارضة المصرية بالخارج خلال الشهور الماضية، "ولا تنفصل عن تهديدات قام بها بعض الإعلاميين لجمال خاشقجي، وطالبوا فيها بقتله، خاصة وأن هناك شخص منسوب للإعلام الرسمي المصري، طالب نصاً كل مصري بالخارج يرى أيمن نور، أو الإعلاميين محمد ناصر أو معتز مطر، بقتلهم":
كلمات أيمن نور دعمها بهي الدين حسن الحقوقي المصري ومدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان والذي غرد قائلا:
ويقول المعارض المصري البارز أيمن نور إنه "خلال الأسبوع الماضي جاءتنا تحذيرات واضحة، بعد أن تسرب إلينا ما دار في هذا الاجتماع الرسمي بمصر. وكان تساؤلي وقتها عن سبب حضور وزيرة الهجرة لاجتماع بهذه الخطورة، وفهمت فيما بعد أن لها دور ثانوي وبسببه حضرت الاجتماع وما قالته يتوافق مع المعلومات المتوافرة لدينا، فكلمات الوزيرة ليست منفصلة عن الواقع.
وسخرت مغردة مصرية، تسمي نفسها عبير، من المبالغة في التعامل مع تصريحات الوزيرة المصرية.
واستبعد نور أن تكون تصريحات الوزيرة مجرد خطأ في التعبير، "وإلا لكانت الدولة والحكومة التي تمثلها خرجت باعتذار أو تفسير لما قالته الوزيرة". واختتم نور كلماته بالقول إن "النظام الدولي متخاذل ومتآمر ومتعاون مع مجرمين وقتلة بدليل تجمد قضية خاشقجي وعدم محاسبة أي مسؤول سعودي وهو الأمر الذي قد يغري بعض المعتوهين لتكراره، لكن بطرق مختلفة، لأن القتل هو المنطق الوحيد الذي يدير به النظام المصري الأمور في السنوات الاخيرة"، حسب تعبيره.
بيد أن المحامي والحقوقي محمود إبراهيم يرى أن "مصر لم تقم في أي وقت من الأوقات باستهداف أحد من المعارضين في الخارج، ويضيف: "وتقديري الشخصي أن هذه المعارضة غبية وتعمل طوال الوقت على اقتناص أي فرصة لتسجيل نقطة ضد النظام المصري"، وأن "هذا التضخيم للواقعة لا يأتي إلا لحصد مكسب سياسي من تصريح عفوي وغير معد مسبقاً".
ويبدو أن الجدل حول قضايا العلاقة بين نظام الحكم في مصر ومعارضيه لن تكون خاتمها هذه القصة، بسبب حجم التوتر بين الطرفين وعدم وجود مؤشرات على انفراجة قريبة على الأقل.
ع. ح.