تونس: ضحايا فترة الاستبداد أصبحوا ضحايا التجاذب السياسي
٨ يناير ٢٠١٣رغم ضوضاء السياسيين لازال ضحايا فترة الاستبداد في تونس ينتظرون عدالة تأخرت وحقوقا ضاعت عبر العقود. أحيت الثورة أملهم في العدل وجبر الضرر المادي والمعنوي ومحاسبة جلاديهم، ولكن لا شيء يبدو قد تحقق.
قابلنا ضو ثابتي، سجين سابق، فحدثنا عن تجربة التعذيب والسجون. يقول ضو "بعد شهرين من التعذيب وسنوات السجن بسبب تهمة الانتماء إلى جمعية غير مرخص لها، خرجت إلى المراقبة الإدارية وسجنها الكبير. وذات يوم أخبرني أحد أعوان الأمن سرّا بضرورة مغادرة البلاد لان هناك أمرا يتم تدبيره سريعا لإعادة محاكمتي وسجني من جديد ".
ويحكي ضو ثابتي وهو يستجمع شتات ذكريات مؤلمة قصة هروبه من تونس، "قطعت صحراء الحدود الليبية خفية وبدون وثائق، وكانت أصعب الأيام تلك التي مرّت بي في ليبيا لان النظام الليبي كان يسلّم الهاربين إلى تونس. وفي ليبيا حصلت على وثائق سفر مزورة وقررت السفر عبر القوافل المتجهة إلى النيجر ثم إلى السنغال لأحط الرحال في المغرب، ومن هناك اشتريت تذكرة سفر إلى اسطنبول، وعندما توقفت الطائرة بمطار جنيف، أخبرت شرطة المطار بهويتي وطلبت حق اللجوء السياسي. فكانت فضيحة مدوية أنذالك للنظام البائد. "
وانطلق ضو من منفاه بجنيف في مقاضاة جلاديه عبر اللجوء إلى المنظمة الدولية لمقاومة التعذيب. وبعد الثورة، وجد الوزير السابق للعدل ملفه على أحد الرفوف، فنفض عنه الغبار وأحالها على التحقيق.
ويقول ضو، الذي قابلناه وهو يستعد لمواجهة "جلاّديه" على حد تعبيره، "أشعر بالرهبة والخوف من هذا اللقاء. أنا الآن خارج السجن وهم بداخله. أريد أن أنظر في عيونهم وأرى هل هم نادمون على ما اقترفوه في حقي". ورغم مرورالسنين يتذكر ضو من قام بتعذيبه ويحكي كيف كانوا يتلذذون بذلك. ولا يطلب ضو بعد الثورة غير محاسبة من تعدى على حقوقه وحقوق عائلته التي تشردت وعذبت على مدى أعوام طويلة.
تفكيك أجهزة دولة الاستبداد
تسعى جمعيات الضحايا للتوصل الى اعتراف الدولة بحجم انتهاكاتها والى العمل لتفكيك منظومة الاستبداد من أجهزة قضائية وإعلامية وبوليسية رهيبة و فاسدة ، حيث تم تسخيرها ضد مواطنيها. وقد قام العديد من الجمعيات بتقصي الانتهاكات وتوثيق الحوادث وجمع الشهادات ورفع الدعاوى القضائية.
ويعتبر خالد الفوني، عضو جمعية العدالة ورد الاعتبار في لقاء مع DWعربية أن الديكتاتور التونسي أرسى نمطا استبداديا وسخّر مختلف أجهزة الدولة لهرسلة المواطن. ويرى أن الحديث عن عدالة انتقالية، هو الحديث عن تفكيك منظومة الاستبداد وإعادة بناء الدولة والمجتمع.
ويقول كريم عبد السلام رئيس جمعية العدالة ورد الاعتبار من جانبه أنه "يتوجب على الدولة الاعتراف الرسمي بجرائمها، ويبين أن الدولة في شخص رئيس الجمهورية اعتذرت لبعض الضحايا بشكل جزئي غير أنه ليس هناك أي تأثير قانوني لهذا الاعتراف. ويتساءل المتحدث ويقول: "ليس هناك من ضرر أن تقوم الدولة اليوم بالاعتراف بجرائمها ضد ضحاياها آنذاك خصوصا مع وجود قطيعة تامة مع النظام السابق ".
العدالة الانتقالية ضحية التجاذب السياسي
ورغم أن قانون العادلة الانتقالية كان قد عرض من قبل الحكومة على المجلس الوطني التأسيسي مؤخرا للنظر فيه، إلا أن العديد من المهتمين بهذا الشأن يرون أنه يحمل في طياته بذور حيف ضد الضحايا. ويبين المحامي وسام الشابي في حوار مع DWعربية أن الضحايا لن يكونوا ممثلين في "هيئة الحقيقة والكرامة" التي ستشرف على مشروع العدالة الانتقالية سوى بعضوين من جملة 15 عضوا، كما يشكل موقف المجتمع المدني العنصر الحاسم في مختلف المسائل خلال مناقشة قانون مشروع العدالة الانتقالية، وقد كان من غير ألائق أن تقتصر مساهمة الجهات على مناقشة المسألة خلال يوم واحد وبشكل "كرنفالي" لا غير.
ويتخوف الحقوقيون في تونس من أن يقتصر مشروع العدالة والكشف عن الحقيقة على جبر الضرر المادي وشراء سكوت الضحايا عبر التعويضات المالية دون محاسبة المذنبين وجبر الضرر المادي والمعنوي و القيام بالإصلاح المؤسساتي ونهج المصالحة.
ورغم التجاذبات الحادة والانتقادات الكبيرة التي يواجهها العديد من الأحزاب السياسية والتي كانت سببا من أسباب استقالة وزير المالية السابق حسين الديماسي، تسعى الحكومة اليوم إلى إيجاد صيغ جديدة لتطبيق قانون التعويضات بعد أن عجزت عن إصداره. وقد شرعت فى تفكيك القانون وأفردت المتمتعين بالعفو التشريعي العام من السجناء بأولوية الانتداب في القطاع العمومي، كما اعتمدت قانونا ينص على إعادة بناء المسار المهني للمطرودين وتسوية وضعيتهم مع صناديق الرعاية الاجتماعية.
ويعتبر كريم عبد السلام أن التعويض المادي خارج مسار العدالة الانتقالية هو محاولة لرشوة الضحايا وشراء صمتهم بالمال. ويقول "إن تفعيل العفو التشريعي العام، ما يزال حبرا على ورق، فهناك فقط 2400 من من تم إعادتهم إلى أعمالهم في القطاع العام في إطار استرداد الحقوق، في حين يفوق عدد الضحايا 12000 شخصا إضافة إلى الضحايا بصفة غير مباشرة وخصوصا عائلات الضحايا".
ومن ناحيته يعتبر حسين بوشيبة، سجين سابق ورئيس جمعية الكرامة للسجين السياسي أن الحكومة مقصرة في حق الضحايا ولكن ذلك لا يمنعه من النظر بعين الرضا لشروعها في تطبيق مرسوم العفو التشريعي وتطبيقه على أرض الواقع، إذ يرى أن الوقت قد حان ليتمتع السجناء السابقون بحقوقهم، ويؤكد على أنه من الضروري أن يشمل رد الاعتبار للأسر التي ضحّت وتألمت وظلمت لسنوات.
ورغم تحفظ عدد من الحقوقيين على موقف التعويضات خارج إطار العدالة الانتقالية فقد أنشأت الدولة صندوق شهداء وجرحى الثورة وضحايا الاستبداد لتعويض الضحايا حيث تبرعت له دولة قطر ب 20 مليون دولار. ويقول خالد الفوني، حول هذه المسألة "لا نريد عملية تسول، إنما نحن نعتبر أنها مسؤولية قانونية للدولة، كما نعتبر أن الدول التي ساهمت في دعم الديكتاتورية تتحمل جزءا من المسؤولية. فقد عذب وسجن مئات الأبرياء استنادا إلى تقارير أوروبية واستخباراتية غربية".
وإلى حين انطلاق مسار العدالة الانتقالية وتفكيك منظومة الاستبداد واعتراف الدولة بجرائمها، يبقى ضحايا السجون في تونس محل تجاذب سياسي كبير وضحايا الأخذ والرد بين السياسيين.