حدود سايكس- بيكو ودعاية "داعش"
٢٦ يونيو ٢٠١٤يتحمل عقيد بريطاني وقنصل عام فرنسي جزء من المسؤولية في التطورات الدراماتيكية اليوم في العراق: مارك سايكس وفرانسوا ـ جورج ـ بيكو وضعا عام 1916 معاهدة سرية تحمل اسمهما، وتقوم على تقسيم المناطق التي كانت تابعة للإمبراطورية العثمانية دون إطلاع السكان على ذلك. والمثير في تلك المعاهدة هو أنها أبرمت في وقت لا تزال فيه الإمبراطورية العثمانية قائمة الذات، أي إبان حكم السلطانين محمد الخامس (1909 إلى 1918) ثم محمد السادس (1918 إلى 1922) واللذين مثّلا السلطة الروحية والسياسية. سياسيا انتهت الخلافة العثمانية في نوفمبر 1922 بعد تأسيس تركيا الحديثة بزعامة كمال أتاتورك. من الناحية الدينية استمرت الخلافة العثمانية إلى غاية مارس 1924، حينما تم إنهاؤها رسميا بمبادرة من أتاتورك وافق عليها البرلمان التركي.
حدود جديدة بحسابات سياسية
أبدت القوتان العسكريتان آنذاك، فرنسا وبريطانيا، اهتماما كبيرا بالمنطقة الواقعة بين البحر الأبيض المتوسط والخليج. فقد انتبه المسؤولون منذ بداية العشرينيات من القرن الماضي لأهمية البترول، إضافة للموقع الاستراتيجي للمنطقة التي تقع بالضبط في الطريق إلى المستعمرات الهندية. كما أن باريس ربطت علاقات تاريخية وتجارية قوية مع عدد من المدن الساحلية الكبرى، كبيروت وصيدا والتي كانت تسعى لتأمينها من خلال معاهدة سايكس ـ بيكو.
أما مصير سكان المنطقة الأصليين فلم تكن القوى العظمى تعيره اهتماما كبيرا، فقد وضع البريطاني سايكس بجرة قلم الحدود بين منطقتي النفوذ الفرنسي والبريطاني بين كركوك في عراق اليوم إلى حيفا على مسافة تمتد حوالي ألف كيلومتر. هذه الحدود المصطنعة للدول الناشئة خلقت خلال العقود الماضية نزاعات متعددة" كما يوضح هينه فورتيخ مدير معهد "غيغا" لدراسة الشرق الأوسط. "لقد ظلت هذه القضايا دون حل منذ عقود، وتندلع بشكل دوري كما يحدث اليوم مع تنظيم داعش في العراق".
انزلاق تاريخي
أدى هذا الوضع إلى ظهور دول في المنطقة سكانها من طوائف متعددة، وينطلق تنظيم داعش من هذه النقطة ليطالب بدولة خلافة إسلامية. واسم هذا التنظيم يشير إلى رغبته في تجاوز الحدود التي تعتبرها امبريالية وموروثة عن الاستعمار حسب تعبير فورتيخ. وهو يرى أن العهد الذهبي لدولة الخلافة تحقق خلال الـ400 عام التي حكمت فيها الإمبراطورية العثمانية. والمفارقة أن الكثير من العرب كانوا ينظرون إلى العثمانيين كمستعمرين وهو ما تجهله أو تتجاهله دعاية داعش.
كما يرى أن "سقوط العراق كدولة وتجزئته له عواقب وخيمة على كل من إيران وتركيا وهذا ما لا يريده احد". ويشير إلى أن العراق عانى من أزمة مشابهة للتي يعانيها اليوم، في الحرب الطائفية عام 2006. ويضيف "ذاكرة الناس ضعيفة، فقد سقط عام 2006 أكثر من 34 ألف قتيل في العراق، لكن العراق بقي موحدا رغم ذلك".