حركة حماس في مهب الرياح بسبب الأزمة السورية
٢٩ أكتوبر ٢٠١٣تضطر حركة حماس الفلسطينية المتشددة إلى تجديد مواقفها السياسية باستمرار، وفقا للمتغيرات التي يشهدها محيطها العربي. غير أن التطورات المتسارعة في العالم العربي تضع الحركة المهيمنة على قطاع غزة أمام تحديات جديدة على الدوام. وفي الوقت الذي كانت فيه حماس حليفا سنيا وحيدا في تحالف شيعي ـ علوي يتألف من سوريا وحزب الله وإيران، انبثق في الحركة فرع أساسي لحركة إخوان المسلمين السنية، والذي يأخذ موقفا رافضا لحلفاء حماس الشيعة.
عندما خرج الناس في سوريا إلى الشارع ضد نظام الرئيس بشار الأسد، وجدت حماس نفسها في وضع حرج للغاية: فمن جانب وفرت دمشق مأوى لقيادة الحركة في الخارج وشكلت الداعم الأساسي والمهم لها، من جانب أخر ينتمي معظم المعارضين للنظام السوري إلى الطائفة السنية التي تنتمي إليها حماس أيضا. وبقمع الحركة الاحتجاجية في سوريا بكل عنف ومع اتساع رقعتها غادر خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي للحركة دمشق وانتقل إلى العاصمة القطرية الدوحة.
تحول من دمشق إلى الدوحة
وبذلك بات واضحا أن حماس قطعت كل علاقاتها مع النظام السوري واصطفت إلى جانب دولة قطر السنية التي تدعم المعارضة السورية في نضالها ضد نظام الرئيس بشار الأسد. مع الإشارة إلى أن الانتفاضات الشعبية في العالم العربي لم تطال البلد الخليجي الغني قطر.
في هذا السياق يقول الباحث السياسي في جامعة هايكازيان الأرمينية في بيروت ماكسيميليان فيلش:" حماس تعتمد دوما على دعم خارجي". فيلش أصدر أيضا كتابا حول حركة حماس. وكان الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، أمير قطر السابق، قد زار قطاع غزة في تشرين الأول/ أكتوبر 2012 وحمل في جعبته مبلغ 250 مليون دولار أمريكي هبة لحماس.
غير أن تغيير الموقف من سوريا أثار جدلا داخل الحركة، خصوصا وأن مشعل اتخذ قرار تغير بوصلة حماس السياسية بشكل إنفرادي. علما أن "حماس تتألف من تيارات مختلفة"، كما تقول مارين كوس، الباحثة في معهد غيغا بهامبورغ وتضيف:" هناك تيار في حماس يجد نفسه قريبا من قطر، فيما يجد تيار أخر نفسه قريبا من إيران". وبمغادرة قيادتها لدمشق تكون حماس قد خفضت من مستوى علاقاتها، ولو جزئيا مع حليف سوريا القوي وهي إيران الشيعية. ويبدو أن إيران لم ترض بالمتغيرات الجديدة في موقف حماس فقامت بخفض حجم مساعداتها المالية للحركة الفلسطينية، إلى جانب تقليص تزويدها بالأسلحة. عن ذلك يقول الخبير السياسي ماكسيميليان فيلش:" لم تنقطع العلاقات بين حماس وإيران كليا، غير أن تغيير إستراتيجية حماس ألحق بها ضررا كبيرا".
آمال كبيرة على العلاقة مع مصر
ويبدو أن مشعل كان يعتقد أن خطته قد نجحت عندما فازت حركة الإخوان المسلمين في أكبر بلد عربي، مصر، في انتخابات 2012، حيث أصبحت قطر قوة حامية لحماس ، ومن جانب أخر أصبح نظراء حماس في العقيدة، الإخوان، قوة فاعلة كبرى لهم في مصر. عن ذلك تقول مارغريت يوهانزن الباحثة السياسية في معهد أبحاث السلام والسياسة الأمنية بجامعة هامبورغ: " حركة الإخوان المسلمين تحولت في مصر إلى حليف أساسي مفترض لحماس".
وكانت حماس تعلق آمالا كبيرة على بدء استثمارات جديدة في القطاع وإنهاء المقاطعة الاقتصادية التي تعاني منها غزة منذ سنوات. ورغم أن الرئيس المصري السباق، محمد مرسي لم يحقق كل توقعات حماس، فإن حماس كانت تعتبر أن قرار انتقالها إلى المعسكر السني موقف صحيح بالنسبة لها، حيث أصبح التنقل من وإلى مصر أسهل بكثير، كما زادت حركة نقل البضائع الاستهلاكية ومواد البناء والسلاح عبر الأنفاق. " طالما وافق الجانب المصري، كان الاستمرار في التنقل عبر الأنفاق ممكن"، كما تلاحظ يوهانزن، الخبيرة في شؤون حماس بجامعة هامبورغ. غير أن ذلك الوضع لم يستمر طويلا، فمع الإطاحة بالرئيس المصري محمد مرسي في الانقلاب العسكري في تموز/يوليو الماضي توقف كل شيء. فالحكام العسكريون الجدد في مصر والذين يريدون الاحتفاظ بعلاقات وطيدة مع الولايات المتحدة، ليسوا من أصدقاء حماس.
قطر حليف غير مضمون على عكس إيران؟
الان أصبحت حماس مرتبطة بقطر أكثر مما مضى، غير أن قطر لا تستطيع تزويد حماس بالسلع الاستهلاكية ومواد البناء والسلاح. فدعمها يقتصر على تزويد حماس بالمال فقط. في هذه الأثناء ومع استمرار الحصار على القطاع أصبحت معظم الأنفاق مغلقة. قطر أيضا شهدت في صيف 2013 تغييرا في قمة قيادتها. فالأمير الجديد، تميم بن حمد يبدي تحفظا ملحوظا تجاه العلاقات القائمة مع حماس. وفي هذا السياق تقول الخبيرة مارين كوس:" لا يمكن قراءة موقف الشيخ تميم من حماس حاليا ولا يمكن حاليا تقييمه". وم جهة أخرى يطالب الجناح العسكري في حماس المتمثل في كتائب القسام بإعادة الحياة إلى العلاقات مع إيران مجددا وذلك من أجل ضمان تدفق السلاح إلى القطاع.
من جهته عبر الخبير ماكسيميليان فيلش عن اعتقاده من أن مثل هذه هذه المطالب قد يتم تحقيقها من طرف حماس لاحقا مشيرا إلى أن:" قطر أصبحت عنصرا غير مضمون وقد تصبح القيادة القطرية معرضة لضغوطات من القوى المحافظة في الولايات المتحدة بسبب دعمها لمنظمة تعتبرها إرهابية. وبذلك تبقى إيران خيارا مضمونا من وجهة نظر حماس. ويتابع الخبير قائلا:" ستحاول إيران على الأرجح السعي من أجل إحداث استقرار في العلاقات مع حماس". ويضيف فيلش:" إذا ما عادت العلاقات القديمة مع حماس فسيكون ذلك بالنسبة لإيران بمثابة نصر جزئي في صراعها مع الدول الخليجية ".
حركة حماس مستمرة في نشر هيمنتها على قطاع غزة وتريد النجاة من عواصف التغيير التي تهب على المنطقة. فالأمر بالنسبة لحماس يتعلق الأمر بالبقاء في السلطة، كما توضح الخبيرة مارغريت يوهانزن وتقول:" لا يرتبط الأمر بإيديولوجية أكثر مما يرتبط بالمال والسلاح". وتتابع الخبيرة حديثها بالقول:" طالما استمرت العزلة الدبلوماسية لحماس، إلا وبقيت الحركة تتأرجح بين إيران وقطر ومصر، ولا خيار لها في ذلك".