"داعش يسعى لإذكاء الإنقسامات السياسية في تركيا"
١ يوليو ٢٠١٦لاتزال تركيا تحت وقع الصدمة بعد أن أقدم ثلاثة انتحاريون ملثمين على إطلاق النار العشوائي من أسلحة كلاشينكوف على نواحي مختلفة من مطار أتاتورك في اسطنبول. الملثمون الثلاثة أنهوا العملية الإرهابية بتفجير انتحاري بواسطة أحزمة ناسفة وتسبب الهجوم في قتل 44 شخصا على الاقل وإصابة أكثر من 260. لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الهجوم، إلا أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لمح إلى وقوف تنظيم داعش وراء ذلك، إذ قال: "يعلنون انهم يفعلون ذلك باسم الاسلام لكن هذا لا علاقة له بالاسلام. مكانهم في النار". DW أجرت حوارا مع الخبير بمعهد الأمن والسياسة في برلين، في الجماعات الإرهابية غيدو شتاينبرغ، لمعرفة أسباب هذا الهجوم في هذا التوقيت بالذات ودوافع تنظيم داعش لفتح جبهة حرب ضد تركيا.
DW: سارعت مصادر مقربة من الحكومة التركية بعد الهجمات على المطار باتهام "تنظيم الدولة الإسلامية". لكن التنظيم من جهته لم يعلن بعد عن مسؤوليته. فهل فعلها داعش بالفعل؟
غيدو شتاينبيرغ: نعم، لقد فعلها تنظيم داعش. فالهجوم يحمل بصمات داعش والدليل هو أن داعش صار معروفا بعمليات إطلاق النار العشوائي المصحوبة بالتفجير الانتحاري. هناك أمثلة عديدة على ذلك مثل هجمات باريس أو بروكسيل. لكن في بروكسيل يختلف الأمر لأنه لم يقع إطلاق نار عشوائي.
لطالما سارع تنظيم داعش في الماضي إلى إعلان مسؤوليته عن عمليات إرهابية ضربت مناطق مختفلة في العالم. بيد أنه يلتزم الصمت في تركيا. كيف تفسر ذلك؟
هناك تفسيران اثنين لهذا الصم، باعتقادي. الأول هو أن التنظيم استفاد بين سنوات 2012 و2015 بشكل كبير من تركيا، حيث غضت الحكومة التركية النظر عن وجود داعش على أراضيها. كما أن داعش كان يتخذ تركيا كمنطقة انسحاب وقاعدة للتزود بالمعدات اللوجيستية والمساندة. أما اليوم، فقد صارت تركيا مصممة على الضرب بقوة. لكن ذلك لا ينفي وجود علاقة بين الطرفين. وبدو أن تنظيم داعش لا يرغب في استدراج تركيا كثيرا.
هناك سبب ثاني وهو أن تنظيم داعش يسعى إلى إذكاء الخلافات السياسية في تركيا. إذ لطالما بادر السياسيون الأتراك في الماضي لإتهام حزب العمال الكردستاني في كل مرة وقعت فيها تفجيرات. هذا ما أدى إلى زيادة التوتربين الأكراد والحكومة التركية.
لماذا تسمح تركيا بذلك؟
تواجه تركيا حربا على جبهتين حسب وجهة نظر الحكومة التركية. الجبهة الأولى هي داعش والثانية حزب العمال الكردستاني. وذلك منذ أن علقت الحكومة التركية في صيف 2015 مفاضات السلام مع الأكراد، مفضلة في ذلك الخيار العسكري. وتعتبر الحرب على حزب العمال الكردستاني أولوية قصوى لتركيا. وهذا ما يحاول داعش الاستفادة منه بهدف إذكاء الخلافات السياسية. لكن يبقى قرار استئناف المفاوضات مع الأكراد بيد الحكومة التركية.
هل هناك ما يفسر هذه الأولويات؟
المتتبع لتاريخ الخلاف التركي الكردي سيلاحظ أن الصراع ضد حزب العمال الكردستاني كلف تركيا ضحايا أكثر من الحرب ضد داعش. لكن إذا ما نظرنا إلى الهجمات التي حصلت في الأشهر الأخيرة، فأعتقد أن تركيا أساءت تقدير الأمور. لأن التهديد الأكبر على أمن تركيا هو داعش. من جهة أخرى سمحت تركيا لتنظيم داعش باستغلال الخلاف بين الأتراك والأكراد والحكومة وحزب العمال الكردستاني.
ستكون لهذه الهجمات تداعيات خطيرة على تركيا، ليس فقط على القطاع السياحي. ماهي الإجراءات التي ستتخذها الحكومة التركية ضد داعش برأيك؟
لم تتجاهل تركيا بالكامل مشكلة داعش وهذا أمر يحسب لها. إذ أنها اتخذت إجراءات على الأقل منذ الهجمات في سروج وديار بكر وأنقرة في 2015. إذ اعتقلت الحكومة أنصار تنظيم داعش وحاولت تدمير البنية التحيتة للتنظيم في البلاد. كما وضعت الحكومة أراضيها تحت تصرف الطائرات الأمريكية ووفرت قواعد عسكرية لضرب التنظيم في سوريا في إطار تحالفها العسكري.
لكن يبدو أن هذه الإجراءات لم تفِ بالغرض. لقد سمحت الحكومة التركية بين سنوات 2012 و2015 لداعش من إقامة بنية تحتية محكمة وذكية ومتجذرة. إلا أنه من الواضح أن السلطات التركية عاجزة عن تفكيك هذه البنى التحتية كليا. ولذلك برأيي أنه إذا لم يتم وضع محاربة تنظيم داعش كأولوية قصوى، فإن الحكومة التركية ستخفق في السيطرة على الأمور.
ما الذي يسعى إليه تنظيم داعش على المدى البعيد؟
يركز داعش في جزء كبير من استراتيجيته على تأسيس "دولة اسلامية" في سوريا والعراق، وأيضا على توسيع الصراعات المسلحة إلى مناطق مجاورة والاستحواذ على السلطة. وهناك جانب آخر يحتل جزء كبير من الأهمية. وهو اعتقاد داعش بأن العالم أشرف على نهايته. وفي إطار هذه المعركة، فإنه من الطبيعي أن تندلع عدة معارك بين المسلمين و"الأعداء الكفار". إحدى هذه المعارك ستشتعل في شمال سوريا، في اعتقادهم.
ويسعى داعش إلى تسريع هذه النبوة عبر دفع تركيا إلى إرسال قوات برية إلى هناك. إذ أنه في إحدى أشهر هذه النبوات، أنه ستقترب وحدات من الجيش من منطقة الامبراطورية البيزنطية أي تركيا الحالية. إلا أن قائد المسلمين سيتمكن من دحر هذه الفيالق حسب النبوة في منطقة دابق شمالي حلب. هذا هو الدافع الإيديولوجي الديني لداعش من استدراج أعدائها حتى ترسل فيالق برية.
وهل هذا هو السبب الشرعي لإقامة الخلافة؟
بالفعل. يعتقد داعش أنه بإمكانه القضاء على هذه الجيوش حتى يتوسع نفوذه إلى ما أبعد من شمال سوريا والعراق.
غيدو شتاينبيرغ هو خبير في شؤون الشرق الأوسط والجماعات الإرهابية لدى مؤسسة العلوم والسياسة في برلين. عمل مستشارا من 2002 إلى 2005 لشؤون الإرهاب العالمي لدى مكتب المستشارية.
أجرت الحوار ديانا هودالي.