زعيمة المعارضة الألمانية ميركل أول مرشحة لمنصب المستشارية

اتفقت رئاسة الحزب الديمقراطي المسيحي وشقيقه البافاري الذي يحمل اسم الاتحاد الاجتماعي المسيحي اليوم على ترشيح زعيمته أنجيلا ميركل لمنصب المستشارية الألمانية. ويأتي ترشيح السياسية المخضرمة ميركل لتتحدي المستشار الألماني الحالي غيرهارد شرودر، مرشح الحزب الديمقراطي الاشتراكي الحاكم، بعد أن أصبحت حظوظها في الفوز بالانتخابات البرلمانية المبكرة كبيرة جداً نظراً للتراجع المتزايد في ثقة الناخبين الألمان بقدرة التحالف "الأحمر-الأخضر" بين الحزبين الديمقراطي الاشتراكي وحزب الخضر على خلق فرص عمل جديدة وتحسين القدرة التنافسية للاقتصاد الألماني الذي يعاني من مشاكل بنيوية تتطلب إصلاحات جذرية. وكان العديد من كبار رجال الحزب، قد أكدوا بعد الانتصار الكبير الذي حققه الحزب في ولاية نورد راين ويستفاليا الواقعة غرب ألمانيا، ثقتهم في خوض زعيمة الحزب أنجيلا ميركل الانتخابات المبكرة في خريف العام الحالي ضد المستشار شرودر. وفي حالة فوزها فإن أنجيلا ميركيل ستكون أول سيدة تحتل هذا منصب المستشارية في تاريخ جمهورية ألمانيا الاتحادية (الفيدرالية).

يوم تاريخي للديمقراطية الألمانية

لا شك أن إجماع رئاسة الحزب الديمقراطي المسيحي على ترشيح السيدة ميركل لأرفع منصب سياسي في ألمانيا يعتبر حدثاً تاريخياً يحمل دلائل تكشف عن تطورات جوهرية شهدتها العملية السياسية الألمانية في العقود الأخيرة، وذلك على الرغم من غياب منافسين أقوياء لها في داخل الحزب. فترشيح أنجيلا ميركل يعطي دليلاً لا لبس فيه على تكريس الوحدة الألمانية على أرض الواقع، لأن مسقط رأس ميركيل هو شرق ألمانيا. وهذا ما عبر عنه رئيس ولاية تورنغن ديتر التهاوس بعد انتهاء اجتماع رئاسة الحزب الديمقراطي المسيحي بقوله:"هذا يوم تاريخي في تاريخ ألمانيا، لأن المستشارة الألمانية القادمة ستكون من ألمانيا الشرقية سابقاً". وعلاوة على ذلك فإن حقيقة قيام حزب محافظ بهذه الخطوة هو دليل واضح على أن الوقت قد حان للمرأة الألمانية لكي تتبوأ أهم منصب سياسي في ألمانيا.

من هي أنجيلا ميركيل؟

ولدت أنجيلكا دوروتيا كاسنر (أنجيلا ميركل) في مدينة هامبورغ عام 1954. بعدها انتقلت أسرة الطفلة أنجيلا إلى منطقة مارك براندنبورغ في ألمانيا الشرقية حيث عمل والدها كاهناً في مدينة تمبلن في ولاية براندنبورغ. كانت أنجيلا ميركل في شبابها عضواً ناشطاً في منظمة "شباب ستالين"، وتخصصت أثناء دراستها الجامعية في علم الفيزياء بجامعة لايبزغ، كما حازت على درجة الدكتوراه في الفيزياء في عام 1986 من نفس الجامعة. وفي خلال سنوات قليلة صعد نجم ميركل بسرعة فائقة لتتحول من عالمة فيزيائية مغمورة تعمل في أحد مختبرات برلين الشرقية إلى سياسية أصبحت حديث الساعة في الحزب المسيحي الديمقراطي المحافظ.

ميركل سيدة المواقف الصعبة

اعتاد المستشار السابق هيلموت كول، الذي أتى بميركل إلى مجلس وزرائه في عام 1991، أن يخاطبها بشكل أبوي مستخدماً كلمة "فتاتي". و بعد توليها قيادة الحزب المسيحي الديمقراطي وقفت ميركل وقفة صحيحة في الوقت الملائم كزعيمة تتعاطي بجدية مع تحديات الساعة، وكثيراً ما برعت في مناورة معارضيها. كما أنها تولت رئاسة هذا الحزب الذي هيمن عليه مستشار الوحدة الألمانية كول أكثر من 25 عاماً في عام 2000 في أصعب فترة مر بها في تاريخه ونجحت في الخروج به إلى بر الأمان بعد الكشف عن فضيحة التبرعات التي وضعته في مأزق أخلاقي تسبب في فقدانه لمصداقيته لدى الناخبين الألمان. وكانت "فتاة كول" هي أول مسئول رفيع المستوى في الحزب المسيحي الديمقراطي يهاجم المستشار السابق ويطالبه بوضوح وبشجاعة بالكشف عن ملابسات هذه الفضيحة التي لم يشهد هذا الحزب مثلها في تاريخه.

ميركل والبديل الأفضل؟

وعلى الرغم من ترحيب غالبية النخب الألمانية بقرار المستشار بفتح الطريق أمام انتخابات برلمانية مبكرة، فإن السؤال يبقى مطروحاً حول ماهية البديل المحافظ للسياسة الإصلاحية التي طبقها المستشار شرودر في السنوات الأخيرة. وعلاوة على ذلك فإن كثيراً من المراقبين يشككون في أهلية تكتل المعارضة اليمينية على صياغة وتطبيق إستراتيجية متزنة لمساعدة ألمانيا على الخروج من هذا المأزق. كما أن الخلافات الكبيرة بين فصائل المعارضة حول ماهية "الدولة الاجتماعية" التي ينص الدستور الألماني على تطبيقها تلقي بظلالها على قدرات المعارضة على إدارة الحكومة المستقبلية. ويذكر في هذا السياق أن الدولة الاجتماعية هي مصطلح سياسي يشير إلى واجبات الدولة تجاه حقوق مواطنيها ومصالحهم الاجتماعية. وهنا يراهن المستشار شرودر على قدرته على إقناع الألمان بأن خطط المحافظين الذين أيدوا برامج اقترحها لإصلاح الاقتصاد ستكون أحادية الجانية، وأكثر صرامة وراديكالية، وغير عادلة بتاتاً تجاه الطبقة العاملة البسيطة.ولكن من المرجح أن تستفيد " فتاة كول" من دروس مربيها السياسي وتشق طريقها لتطبيق رؤيتها السياسية على أرض الواقع.

لؤي المدهون