"زواج المسلمة بغير المسلم"..رأي باحثة مصرية يثير جدلا واسعا
١٩ نوفمبر ٢٠٢٠أثارت تصريحات لباحثة مصرية في جامعة الأزهر حول حق المرأة المسلمة بالزواج من غير المسلم، ردود فعل واسعة في أوساط المجتمع المصري.
الدكتورة آمنة نصير، أستاذة الفلسفة والعقيدة في جامعة الأزهر، قالت إنه "لا يوجد نص قرآني صريح يحرم زواج المسلمة من غير المسلم"، وهو رأي يخالف ما يقول به معظم فقهاء المذاهب السائدة في الدول المسلمة وتخضع فيها منظومة الزواج للتعاليم الدينية.
واستنكرت نصير ردود الفعل الغاضبة نحوها، لافتة إلى أنه تم اقتطاع جزء من حديثها التليفزيوني الأول.
وفسرت الباحثة ما ذكرته قائلة إن " النص القرآني حرَّم زواج المسلمة من المشرك وهذا أمر محسوم لا خلاف عليه، أما فيما يتعلق بزواج المسلمة من الكتابي (المسيحي واليهودي)، فلا يوجد نص قرآني صريح، وإنما كان هناك اشتقاقات واجتهادات فقهية انتهت إلى أنه لا يجوز هذا الزواج لعدة أسباب منها، عدم تسريب البنت المسلمة وأولادها لغير المسلم، ما يؤدي إلى عدم انضباط النسل للوقوع في حيرة ما بين الأم المسلمة والأب الكتابي".
وأضافت أن "غير المسلم، المسيحي واليهودي، وهم أهل الكتاب، والقرآن هو الذي أطلق عليهم هذا الاسم، يعني هم ليسوا عباد أصنام ولا ينكرون وجود لله سبحانه وتعالى لكن لهم ديانة أخرى تختلف عنا".
وطالبت نصير فقهاء العصر بإعادة فتح النقاش في هذه المسألة مرة أخرى، حتى يكون فيها الرد بالإجماع وتستقر المجتمعات، قائلة: "بحكم عملي كأستاذ زائر في الدول الغربية، كانت أكثر مشكلة تُطرح أمامي زواج الجاليات المسلمات من غير المسلمين".
وأشارت إلى أنه يجوز الاجتهاد والبحث طالما لا يوجد نص قرآني صريح، فربما الأسباب التي ذكرها الفقهاء من قبل لا نجدها الآن.
وتعليقاً على ما أكده الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر في وقت سابق بأنه لا يجوز زواج المسلمة من غير المسلم، قالت نصير:" شيخ الأزهر يُحرم ما انتهى إليه الفقهاء وهو على حق، ولكن طبقاً لفقه الواقع دعونا نطرح المشكلة، لماذا لا نعيد التفكير فيها مرة أخرى لعل الله يهدينا إلى أمر يختلف عما نظر".
رد فعل "الأزهر"
وسرعان ما عبرت كبرى المؤسسات الدينية الإسلامية في مصر، عن رفضها لزواج المرأة المسلمة من غير المسلم، مشددة على أنه "لا يجوز شرعاً"، ونشرت صفحات أزهرية فيديو للإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، خلال لقائه مع أعضاء البرلمان الألماني في عام 2016، الذي أكد فيه أن "زواج المسلمة من غير المسلم غير جائز شرعاً".
وقال شيخ الأزهر: "الزواج في الإسلام ليس عقداً مدنياً كما هو الحال في الغرب، بل هو رباط ديني يقوم على المودة بين طرفيه، والمسلم يتزوج من غير المسلمة كالمسيحية مثلا؛ لأنه يؤمن بعيسى عليه السلام، فهو شرط لاكتمال إيمانه، كما أن ديننا يأمر المسلم بتمكين زوجته غير المسلمة من أداء شعائر دينها، وليس له منعها من الذهاب إلى كنيستها للعبادة، ويمنع الزوج من إهانة مقدساتها؛ لأنه يؤمن بها، ولذلك فالمودة هنا غير مفقودة بخلاف زواج المسلمة من غير المسلم».
وفي فتوي للدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية السابق وعضو هيئة كبار العلماء، وصف زواج المسلمة بغير المسلم بـ "الزنا"، وقال بأنه "غير مقبول من الناحية الشرعية". وأوضح جمعه "أجمعت الأمة الإسلامية على أنه لا يجوز للمرأة المسلمة أن تتزوج بغير المسلم، سواء أكان كتابياً كاليهود والنصارى، أم كان مشركاً، أم كان ملحداً لا دين له، مستدلا بالآية القرآنية: «ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم».
آراء متباينة
وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي انقسامات في الآراء ما بين مؤيد ومعارض بشأن إجازة زواج المسلمة بغير المسلم، ففي الوقت الذي أعرب فيه البعض عن رفضهم لهذا الزواج ومخالفته للشرع، رأى آخرون أنها خطوة جريئة.
وقال الكاتب المصري محمد خير على صفحته الخاصة فيس بوك:" الحقيقة اللي بيخبيها الجميع لأسباب ذكورية أبوية قبلية بحتة: الموقف الديني للمسلمة المتزوجة بغير المسلم، هو نفس موقف المسلم المتزوج بغير المسلمة، بس ما بنقولش ع النت".
كما وصفت الإعلامية ياسمين الخطيب تصريحات نصير بأنها خطوة "جريئة" على طريق تصحيح كل ما حلله الرجل لنفسه وحرمه على المرأة. وأشارت إلى أن "الاختلاف الديني والمذهبي عراقيل وهمية، قبلية، بين البشر، تجاوزتها المجتمعات المتحضرة".
أقباط يدخلون على خط السجال
وازداد السجال على المنصات الإلكترونية أيضاً، بعد ما أعرب بعض المسيحبين عن رفضهم لزواج المسلمة بغير المسلم، حيث أصدرت حركة " شباب كريستيان للأقباط الأرثوذكس" بياناً مفاده " من تزوجت من غير مسيحي أو من تزوج من غير مسيحية فهو زاني ويحرم كنسياً. هذا هو قانون كنيستنا القبطية الارثوذكسية ودستورنا ومرجعنا الوحيد هو الكتاب المقدس".
وتلتقي آراء محافظة في كبريات المؤسسات الدينية لدى المسلمين والمسيحيين حول معارضة فكرة الزواج المدني. وفي مصر طالبت جمعيات ونشطاء بإقرار الزواج المدني ورفع وصاية الكنيسة الأرثودوكسية. وكانت "رابطة صرخة" قد دعت الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى إصدار قانون زواج مدني لإنهاء وصاية المؤسسة الدينية عليه.
الزيجات المختلطة.. أوضاع متباينة في المجتمعات العربية
وطالما أثارت قصص الزواج بين معتنقي الديانات المختلفة الجدل في المجتمعات العربية التي تهيمن نظرة المذاهب الدينية فيها على قضايا الأحوال الشخصية، إلا أن بعض الدول العربية كانت لها مسارات مختلفة.
ففي 14 سبتمبر/ أيلول 2017 الماضي، ألغت الحكومة التونسية مرسوماً كان يحظر زواج التونسيات المسلمات من غير المسلمين، وهو ما لاقى ترحيباً من العديد من المنظمات النسائية التونسية، بل إن بعضها اعتبر أن هذا القرار جاء متأخراً، كالجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات.
وعن إمكانية تأثير القرار على الدول العربية الأخرى، قالت رئيسة لجنة المشاركة السياسية بالمجلس القومي للمرأة في مصر سناء السعيد في حوار سابق مع DW عربية، إن طبيعة الشعوب العربية تختلف، وتضيف: "إذا تحدثنا عن المجتمع المصري مثالاً، فإن معظم الشعب المصري لن يقبل هكذا قانون لأنه لا ينسجم مع الأعراف والتقاليد، ولو تم تطبيق هكذا قانون فإنه سيحدث بعض المشاكل في المجتمع".
وفي لبنان، شهد العام الماضي، زواج مدونة الموضة المسلمة سيرينا مملوك ورجل الأعمال المسيحي أنطوني قاعور، وقد أشعلت تلك الخطوة مواقع التواصل الاجتماعي مسلطة الضوء مرة أخرى على الزواج المختلط في لبنان.
وتكتسي إشكالية الزواج المختلط طابعا معقدا في المجتمع اللبناني الذي يتألف من 18 طائفة مختلفة. وتبدأ تعقيداتها في المستوى المجتمعي والديني، وصولا إلى القوانين التي تساهم في إقامة حواجز في طريق الراغبات والراغبين في الزواج من شخص معتنق لديانة أو طائفة مختلفة. وهذه العراقيل القانونية جعلت العديد من الراغبين بالزواج المختلط في لبنان يلجؤون إلى عقد قران مدني في قبرص أو في اليونان.
وفاء عبد الرحمن