سقوط الجدار وتمهيد الطريق لإعادة توحيد ألمانيا
٦ نوفمبر ٢٠٠٩ردا على سؤال وجهه صحافي إيطالي حول متى سيبدأ تنفيذ قانون جديد يسمح لمواطني ألمانيا الديمقراطية/ الشرقية سابقا بالسفر إلى الخارج، أجاب جونتر شابوفسكي المتحدث الرسمي باسم الحكومة الألمانية الشرقية سابقا عن سوء فهم : "حسب علمي سيدخل حيز التنفيذ في الحال". إجابة شابوفسكي هذه جاءت خلال مؤتمر صحافي عُقد مساء التاسع من نوفمبر، تشرين الثاني 1989 خلال وقت الذروة بالنسبة لمشاهدي التلفزيون، وقد أصبح هذا المؤتمر من أكثر المؤتمرات أهمية في تاريخ أوروبا.
نُقل المؤتمر الصحفي على الهواء مباشرة وتابعه المواطنون في شطري ألمانيا، وكان للخطأ الذي وقع فيه شابوفسكي تأثير مباشر على الوضع السياسي العالمي؛ لأنه بمجرد انتهاء المؤتمر توجهت جموع غفيرة من مواطني ألمانيا الشرقية إلى الحدود بين شطري برلين لكي يعبروا إلى الجزء الغربي من المدينة. قامت قوات حرس الحدود التي لم يكن لها علم بقانون السفر الجديد بوقف هذه الجموع لمدة ثلاث ساعات، لكن وفي ساعة متأخرة من مساء التاسع من نوفمبر/ تشرين الثاني 1989 تراجعت القوات المذكورة عن منع الناس من العبور وفتحت المعابر بين شطري المدينة. وبذلك بدأت نهاية عملية تقسيم ألمانيا.
"نحن الشعب"
قبل التاسع من نوفمبر/ تشرين الثاني بشهور كان يخرج الآلاف من مواطني ألمانيا الشرقية في مظاهرات إلى الشوارع مطالبين بإجراء إصلاحات سياسية. وكان من أهم هذه المظاهرات على الإطلاق تلك التي عرفت بـ"مظاهرات يوم الاثنين" في مدينة لايبزج. كان المتظاهرون يرددون هتاف "نحن الشعب" ويناودن "جوربي، جوربي"، يقصدون بهذا ميخائيل جوربتشاوف الرئيس السوفيتي والسكرتير العام للحزب الشيوعي السوفيتي آنذاك الذي بدأ عام 1985 عملية إصلاح داخل الاتحاد السوفيتي، وهي العملية التي حملت اسم بروسترويكا. كان مواطنو ألمانيا الشرقية يريدون أيضا رؤية سياسة جوربتشوف تتحقق في بلدهم. لكن الإصلاحات لم تحدث بسبب عدم رغبة حكومة بلادهم برئاسة إريش هونيكر (1912- 1994) في إجراء إصلاحات وبذلك تكون قد قامت بنفسها بالتحريض على نهايتها.
في 18 أكتوبر/ تشرين الأول عام 1989 تولى إيجون كرنز منصبي السكرتير العام للحزب الشيوعي الألماني الشرقي سابقا، ورئاسة مجلس الدولة بدلا من اريش هونيكر ، لكن هذا أيضا لم يمنع من انهيار ألمانيا الديمقراطية. وفي الرابع من نوفمبر/ تشرين الثاني تظاهر حوالي نصف مليون شخص في ساحة إلكساندر بلاتس في شرق برلين داعين إلى إجراء إصلاحات في الدولة، وقد اتضح من خلال هذه المظاهرة أن الحكومة الجديدة أيضا لم تحصل على ثقة الشعب، وهذا ما اتضح من خلال تعالي الأصوات المطالبة باتحاد الدولتين الألمانيتين.
إعادة التوحيد على أساس مراعاة مصالح الحلفاء
بعد عدة أسابيع من فتح جدار برلين زار ألمانيا الديمقراطية عدد من المسؤولين الأوروبيين، وقد ظهر من خلال زيارات هؤلاء تحفظ فرنسا وانجلترا بصفة خاصة تجاه إعادة توحيد ألمانيا، حاولت كلا الدولتين عرقلة الاتحاد بين ألمانيا الديمقراطية وألمانيا الاتحادية عن طريق وضع شروط سياسية تعيق تحقيقه.
وضع المستشار هيملوت كول هذه التحفظات بعين الاعتبار في كلمة ألقاها أمام أطلال كنيسة فراونكيرشه في مدينة درسدن في 19 ديسمبر كانون الأول 1989. ولاقت كلمته تقديرا كبيرا على مستوى العالم، فمن جهة أعلن كول احترامه لرغبة مواطني ألمانيا الديمقراطية كيفما كانت هذه الرغبة، ومن جهة أخرى أخرى أقر بأنه لا يمكن إعادة توحيد ألمانيا إلا داخل بيت أوروبي واحد، فالوحدة الألمانية والوحدة الأوروبية وجهان لعملة واحدة.
وبهذا رفض هيلموت كول بوضوح أن تصبح ألمانيا الموحدة دولة محايدة، وأجابه الحاضرون من مواطني ألمانيا الديمقراطية بتصفيق حار. وبالرغم من هذا زار الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران (1916- 1996) بعدها بيومين ألمانيا الديمقراطية ليمنع انضمامها إلى ألمانيا الاتحادية، ومع بداية عام 1990 تمت إعادة توحيد ألمانيا في إطار دولي يراعي مصالح الألمان ومصالح الحلفاء الذين انتصروا في الحرب العالمية الثانية.
وقد تم الاتفاق على شروط الوحدة الألمانية من خلال مفاوضات ألمانية- ألمانية، وفي هذا الإطار أجرت الدولتان الألمانيتان أيضا مفاوضات مع القوى الأربع المنتصرة في الحرب العالمية الثانية بخصوص أبعاد وتبعات السياسة الخارجية لاتحاد الدولتين الألمانيتين. هذه المفاوضات التي أطلق عليها اسم "عملية 2 + 4" انتهت بإعلان سيادة ألمانيا بموجب اتفاق "2 + 4" في 12 سبتمبر/ كانون الأول عام 1990. وفي الثالث من أكتوبر/ تشرين الأول عام 1990 انضمت الولايات الخمس التي شكلت ألمانيا الشرقية أو الديمقراطية السابقة، إلى جمهورية ألمانيا الاتحادية التي تضم اليوم 16 ولاية.
الكاتب: ماتياس فون هيلفيلد/ صلاح شرارة
مراجعة: ابراهيم محمد