سياسة اللجوء في ألمانيا .. الدخول في سباق الردع؟
٢٨ سبتمبر ٢٠٢٣ألمانيا على موعد مع انتخابات محلية في عدة ولايات. حزب البديل من أجل ألمانيا، اليميني الشعبوي، يحتل في استطلاعات الرأي المركز الثاني. وتشكو مجالس الولايات ورؤساء البلديات في أنحاء البلاد من الضغط بسبب تزايد أعداد اللاجئين. يضاف إلى ذلك حوالي 1.1 مليون لاجئ من الحرب في أوكرانيا يحتاجون إلى مساكن ورعاية طبية ومدارس لأطفالهم، مما يجعل الوضع أكثر تعقيدًا. هذا هو ببساطة السياق السياسي الذي تجري فيه النقاشات حول سياسات الهجرة في ألمانيا حاليًا.
الأرقام ترفع درجة الإنذار. والمستشار الاتحادي أولاف شولتس قال مؤخرًا: "عدد الأشخاص الذين يأتون إلينا أكبر بكثير مما يمكن التعامل معه بسهولة". واعتبر الرئيس فرانك فالتر شتاينماير أن "ألمانيا بلغت الحد الأقصى لاستيعاب اللاجئين". واعترف نائب المستشار المنتمي لحزب الخضر روبرت هابيك في مقابلة مع شبكة تحرير الصحف الألمانية (RND) بالقول "لحماية حق اللجوء، يجب علينا قبول الواقع وحل المشاكل الملموسة- حتى إذا كان ذلك يتطلب اتخاذ قرارات أخلاقية صعبة أحيانًا".
"التجربة الدنماركية"؟
قبل ثمانية أعوام، واجه الفيلسوف بيتر سلوترديك هجوما حادا عندما طالب بإعادة التفكير في العوامل التي تجعل القارة الأوروبية نقطة جذب للمهاجرين. تحدث سلوترديك عن نظام دفاع يتطلب بنائه "قسوة متوازنة". وحدد المشكلة الرئيسية على أنها: "الأوروبيون يعرّفون أنفسهم بأنهم لطفاء وليسوا وحشيين".
هذا التفكير تجاه الهجرة قد أصبح الآن جزءا من النقاش السياسي في ألمانيا. الرئيس السابق لألمانيا، يواخيم غاوك، تحدث عن "فقدان السيطرة" وطالب بوضع حد لعدد اللاجئين، مستشهدا بتجربة الجار الشمالي، الدنمارك.
وتنتهج الحكومة الاشتراكية في الدنمارك منذ سنوات سياسة صارمة ومقيدة في مجال الهجرة. ونتيجة لذلك، في تموز/ يوليو 2023، قدم 180 شخصًا فقط طلبات لجوء في الدنمارك التي يبلغ عدد سكانها ستة ملايين نسمة. بينما في ألمانيا، التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 84 مليون نسمة، قدم 25,165 شخصًا طلبات لجوء وفقًا لما ذكره مكتب الهجرة واللاجئين الاتحادي.
ردع على حساب الجيران؟
إحدى أدوات الردع في الدانمارك تتضمن تقليل كبير في المزايا الاجتماعية للمهاجرين. تقول جوديث كولينبيرغر، باحثة في مجال الهجرة في فيينا، لـDW: "الهدف من ذلك أن لا يأتي الناس على الإطلاق أو أن يدخلوا سوق العمل بشكل أسرع إذا كانوا قد وصلوا بالفعل. لكن هذا الأمر نجح جزئيًا فقط". وتضيف بالقول: "نتج أيضا عن تقليل المزايا الاجتماعي ارتفاع معدلات الجريمة وتراجع مستوى التعليم لدى المهاجرين".
خبير الهجرة السويدي برند باروسيل يوضح قائلا: "في الدنمارك جرى تقييد إعادة لم شمل الأسر بشكل كبير. بالإضافة إلى ذلك، تم سحب حق الحماية واللجوء من سوريين في محاولة لدفعهم للعودة إلى سوريا." جوديث كولنبيرغر أشارت إلى أن نتيجة للظروف الأكثر صرامة، تحقق بعض النجاح في الحد من الهجرة إلى الدنمارك. وتشرح :"لكن هذا نجح جزئيًا فقط لأن البلدان المجاورة للدنمارك سمحت بتوجيه ضغط المهاجرين نحوها. وأحد الأسباب الرئيسية لقلة عدد الأشخاص الذين جاءوا إلى الدنمارك هو أن ألمانيا لا تزال تستقبل اللاجئين".
البت بطلبات اللجوء في رواندا
أُجلت مؤقتًا خطة الدنمارك لمنع الأشخاص تمامًا من الحصول على طلبات لجوء على أراضيها. حسب الخطة التي وصفها الخبير الإسكندنافي في مجال اللجوء باروسيل، سيتم إرسال طالبي اللجوء الذين يصلون إلى الدنمارك إلى دولة ثالثة خارج الاتحاد الأوروبي، حيث سيتم معالجة طلبات لجوئهم هناك.
في كوبنهاغن، كان يُعتقد أن رواندا تعتبر المكان المناسب لإجراء هذه الإجراءات. وهي خطة مشابهة لخطط بريطانية جرى التخلي عنها أيضا، على الأقل مؤقتًا. تشرح الباحثة النمساوية في مجال الهجرة كولنبيرغر السبب: "يجب أن يكون لدى اللاجئين الذين تم نقلهم إلى هذا الدولة الثالثة إمكانية الوصول إلى إجراءات لجوء قائمة على سيادة القانون. وهذه الأسس القانونية غير متوفرة في رواندا".
هذا النقاش يدور في ألمانيا كذلك حول نقل إجراءات اللجوء إلى دولة ثالثة. الفكرة الأساسية خلف هذا هي أن لدى اللاجئين حق في طلب الحماية، ولكن ليس لديهم الحق في اختيار مكان الحصول على هذه الحماية. مثال على ذلك ما تفعله أستراليا. إذ نجحت كانبيرا من خلال نقل إجراءات اللجوء إلى بابوا نيو غينيا، والتي تعرضت لانتقادات حقوقية، في خفض عدد اللاجئين.
أكثر من 300 ألف إنسان ملزم بمغادرة ألمانيا
في النقاش الدائر حاليا يظهر بشكل متكرر طلب زيادة عمليات الترحيل والإبعاد: وفقًا لسجل الأجانب المركزي في ألمانيا في نهاية عام 2022، كان هناك حوالي 304,000 شخص يتعين عليهم مغادرة البلاد. من بينهم كان هناك حوالي 248,000 شخص يحملون إذن الإقامة المؤقتة (Duldung)، لم يجري إبعادهم، لأنهم مرضى أو لأن هناك حروبا تدور في بلادهم. لكن جرى ترحيل حوالي 13,000 شخص في عام 2022.
يُشار إلى النموذج النمساوي في هذا السياق كثيرا كنموذج يُمكن الاحتذاء به، لكن الأمر متعلق بالتفاصيل. فعلى سبيل المثال، تشير جوديث كولنبيرغر إلى أنه في السنوات الأخيرة زادت عمليات الإعادة من النمسا، "لكن، وهذا مهم، معظم هذه العمليات تمت فقط إلى بلدان أوروبية أخرى، ونادرا ما كان هناك طالبو لجوء رفضوا ضمن الأشخاص المُبعدين".
استخدام القوة وتقليل المساعدات الاجتماعية
يفتقد الاتحاد الأوروبي، إلى نظام فعال لتوزيع المسؤوليات فيما يتعلق باللاجئين وتوزيع الأعباء والتكاليف. ولهذا السبب، تتخذ العديد من الدول إجراءات أحادية الجانب بهدف جعلها أقل جاذبية كوجهة للهجرة. يشير بيرند باروسيل إلى وجود "سباق نحو الأسفل" للردع، وهذا يشمل تقييد وتقليل المزايا والمساعدات الاجتماعية في شمال أوروبا، وكذلك "سياسات ردع بالقوة" في دول جنوب أوروبا مثل اليونان لمنع المهاجرين من دخول القارة.
وتؤكد خبيرة الهجرة بترا بندل في مقابلة مع DW أنه "لا يوجد منهج واحد لسياسات اللجوء والهجرة، بل يجب أن تكون متدرجة على مستويات مختلفة، على مستوى السياسة وباستخدام أدوات متنوعة. والأهم في ذلك هو أن نحترم الأسس القانونية. وهي القوانين الدولية، وقانون الاتحاد الأوروبي، والدستور الألماني". ورغم ذلك يجري تجاهل هذه الأسس القانونية في كثير من الأحيان.
ماتياس فون هاين/ ع.خ