سيناريوهات تنحي الأسد – من يتحكم في فصولها؟
٢٣ يوليو ٢٠١٢عمليات عسكرية في دمشق واشتباكات عنيفة في حلب بين القوات النظامية والمقاتلين المعارضين في محاولة للسيطرة على أكبر مدينتين سوريتين، واشتدت حدة القتال بعد تفجير الأسبوع الماضي الذي قُتل فيه كبار القيادات الأمنية للنظام السوري. وفي ظل هذه التطورات في سوريا اجتمع المجلس الوزاري لجامعة الدول العربية في الدوحة الاثنين (23 تموز/ يوليو 2012) ليوجه عرضاً عربياً للرئيس السوري بشار الأسد بتأمين خروج آمن له ولعائلته من السلطة مقابل تنحيه عن الحكم. ووجه المجلس نداءا إلى الرئيس الأسد دعاه فيه إلى "التنحي عن السلطة"، على أن تساعد "الجامعة العربية بالخروج الآمن له ولعائلته"، ما اعتبره المتحدث باسم الخارجية السورية، جهاد مقدسي، "تدخلاً سافراً في شؤون سوريا". وقال المتحدث في مؤتمر صحافي إن "بيان الجامعة العربية الذي يدعو إلى التنحي وإلى سلطة انتقالية هو تدخل سافر في الشؤون الداخلية لدولة ذات سيادة ودولة مؤسسة للجامعة العربية".
لكن كبير المراسلين الأجانب في القاهرة ومراسل مجلة "دير شبيغل" الألمانية فولكهارد فيندفور يرى أن "من الصعب الحكم الآن على واقعية هذا المقترح العربي"، كحل للصراع المستعر في سوريا. ويعزو فيندفور ذلك في حوار مع DWعربية إلى عدة أسباب: "فمن جانب، من غير المعروف بعد دور المحيط الشخصي للرئيس بشار الأسد، وهناك أخبار متناقضة عن ضغوطات داخلية من هذا المحيط على بشار الأسد. ومن جانب آخر ينبغي معرفة ما إذا كانت للجامعة العربية فعلاً الإمكانية لتقديم ضمان فعلي لإيجاد مخرج آمن للأسد وعائلته. تساؤلات تصعب الإجابة عنها، لكن من المنطلق الأساس، فإن استبدال رئيس بشخص آخر أو مجموعة أشخاص هو أمر وارد".
وبعيد الإعلان عن هذا المقترح العربي قال وزير الدولة للشؤون الخارجية في ألمانيا ميشائيل لينك: "نظام الأسد فقد مصداقيته. إنه يقاتل الآن من أجل البقاء، ويمكنه بالتأكيد قتل المزيد من الأشخاص، لكنه سوف لن ينتصر في النهاية"، كما نقلت عنه وكالة الأنباء الفرنسية. واتت هذه التصريحات قبيل اجتماع وزراء الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في بروكسل اليوم الاثنين، اتفقوا خلاله على تشديد حظر السلاح الذي تفرضه على سوريا وتشديد العقوبات ضد الرئيس السوري بشار الأسد. وفي اجتماع في بروكسل قرر وزراء خارجية الدول الأعضاء بالاتحاد تجميد أصول وفرض حظر على السفر على 26 شخصا آخرين ومنع شركات أوروبية من القيام بأعمال مع ثلاثة كيانات أخرى ليوسعوا من قائمة الشركات المستهدفة من عقوبات الاتحاد الأوروبي.
دور "الدول المعترضة"
وفي افتتاح اجتماع اللجنة الوزارية العربية دعت قطر على لسان وزير خارجيتها حمد بن جاسم آل ثاني"الدول المعترضة" في إشارة إلى روسيا والصين، إلى أن "تعيد النظر وأن تتعامل مع الموقف... من منظور عربي وأخلاقي لأنه تربطنا معها علاقات حميمة وذلك كله لمصلحة العلاقات الإستراتيجية". وعن دور روسيا والصين في أي عملية لنقل السلطة في سوريا يقول مراسل "دير شبيغل" الألمانية: "اعتقد أن روسيا لها إمكانية أكبر من الصين في ممارسة نوع من الضغط أو لنقل إمكانية لإقناع الأسد بالتنحي. غير أن القرار النهائي قد لا يُتخذ بتأثير روسي فقط، فالدور الأكبر –كما أعتقد- يعود بالدرجة الأولى إلى المحيط المباشر للرئيس بشار الأسد".
وعن روسيا، التي استخدمت مع الصين حق النقض "الفيتو" ثلاث مرات، لعرقلة قرارات أممية تهدف للضغط على نظام الأسد من خلال فرض مزيد من العقوبات الدولية، صدرت إشارات ربما "خجولة" بشأن حدود دعمها للأسد، فقد جدد سفيرها في فرنسا الكسندر اورلوف الأحد الماضي قوله إنه "من الصعب تصور" أن الأسد يمكن أن يبقى في الحكم، معتبراً انه يتعين تنظيم رحيله "بطريقة حضارية" كما تم أثناء العملية الانتقالية في اليمن. وقال السفير في تصريح لصحيفة لو باريزيان "خلافاً لما حدث في ليبيا حيث كان القذافي رجلاً وحيداً، في سوريا هناك نظام بعثي قائم منذ عقود. وبوجود الأسد أو بدونه سيصمد النظام".
في هذا السياق يقول فيندفور أيضاً: " أرى أن رحيل بشار الأسد بات أمراً مفروغاً منه، لكن في المرحلة الانتقالية يجب التفاوض على أشياء كثيرة، اعتقد لو أن الأسد وافق على التنحي على غرار ما فعل الرئيس المصري السابق حسني مبارك، فإن هذا لا يعني بالضرورة نهاية حكم البعث مباشرة وقيادتيه القطرية والقومية، الأمور أكثر تعقيداً من مجرد تنحي الأسد، لأنه سوف لن يسلم السلطة إلى جهات معارضة كثيرة".
سيناريوهات ما بعد الأسد
وفي ضوء التباين في كيفية تنحي الرئيس السوري بشار الأسد وفق النموذج اليمني –كما يرى اورلوف-، أو المصري أو آخرها وأكثرها دموية: النموذج الليبي، يشير فيندفور إلى أن هناك واقع لا يمكن تجاهله بعد رحيل الأسد: "فمن جانب لا يعني تنحي الأسد بالضرورة نهاية حكم حزب البعث نهائياً. لكن هناك إشارات على سيناريو آخر يقول بإمكانية استبدال الأسد برئيس آخر أو بمجلس عسكري يدير أمور البلاد" ويضيف الصحافي الألماني: "أعتقد أن أصحاب القرار في دمشق نفسها لم يتوصلوا إلى قرار نهائي، مع أني لا أستبعد أنهم يبحثون في كلا الإمكانيتين بدون شك".
القرار العربي نص أيضاً على "الدعوة فوراً لتشكيل حكومة انتقالية سورية بالتوافق تتمتع بكافة الصلاحيات وتضم قوى المعارضة داخل وخارج سوريا والجيش الحر"، إضافة إلى ما سماها "سلطة الأمر الواقع الوطنية"، وذلك "لتيسير الانتقال السلمي للسلطة". لكن فيندفور يشير في الوقت نفسه إلى أنه "حتى مع التطورات الحالية في سوريا، فإن الأمر لم يصل بعد إلى تسليم مقاليد الأمور للمعارضة في المرحلة الراهنة على الأقل".
الأسد - حتى الآن- وبدرجة كبيرة في حماية عاصمته وسكانها من عنف بالغ أطبق على بقية أرجاء البلاد فيما كان يقاتل لإبقاء أركان سلطته، لكن تصاعد أعمدة الدخان السوداء من بعض مناطق دمشق ودوي القصف المختلط بالانفجارات، بات يدفع الكثير من المراقبين إلى الحديث "بداية النهاية" لحكم استمر لأكثر من 42 عاماً وعن استحالة عودة الأمور إلى طبيعتها قبل أن تهب رياح التغيير، التي أسقطت قبل مرورها على دمشق أنظمة أخرى.
عماد غانم
مراجعة: يوسف بوفيجلين